فاعلية المرجعيات النصية في تشكيل الخطاب الشعري الحديث في ليبيا
ماجدة حسين المبروك الضبيع;
Abstract
يمتلك الشاعر في هذا المقطع خصوصية التعامل مع النص القرآني، حيث لا يكتفي باستلهام عناصر تصويرية والتناص مع حدث قصصي قرآني، إنما يتعدّاها إلى الدخول في النص المرجعي واستبطان بعض الصّور الموجودة فيه؛ ليتمكّن من بث الحركة والتأثير في نصه، فتفسح له الشخصية التي تخفّى وراءها سبيل البوح بالألم والقلق الشعري، والتعبير عن مفارقات الحياة (المبكى والمفرح). وقد ظهرت أولى صور التعبير عن ذلك القلق باستبطان شخصية النبي (يوسف)، واستلهام موقفه مع امرأة العزيز؛ لتجسيد البوح بالكلمات الشاعرة التي لا تفتأ تراود الشاعر وكأنها تهمّ به ويهمّ بها في صراعٍ نفسيٍّ يرسم المعاناة ومحاولة التفلّت من وقع الكلمات (الأشياء) في نفس الشاعر؛ لأن الواقع المأساوي الذي يحاول الشاعر تصويره يبدو أكبر من أن تصوّره كلمات الشاعر، وتشير الصورة إلى أنّ نفس الشاعر - وكلماته كذلك- تأبى أن تكون أسيرة المادة؛ فالكلمات لا يستوعبها الورق والقلم لجسامة ما تعبّر عنه، وكذلك نفس الشاعر تأبى الاستكانة للسكوت وترك الموقف على ما هو عليه، ولكنها تصوّر عدم الجدوى الذي يشير إليه فعل المراودة في صورته المرجعية.
إنه صراع الوجود (وجود الشاعر، ووجود الكلمة) ورسم صورة استشراف الفضاء الصوفي والوقوف على عتبات الكون لطرح أسئلة الواقع والوجود التي تظلّ مفتوحة.
ويتخّذ الشاعر شخصيّة أخرى يبثّ عبرها صورة معاناته، ويُسمع من خلالها صوت أنين أسئلته؛ حيث ينتقل في نهاية المقطع للتعبير عن أسئلته عبر الحوار الذي صوّره القرآن بين النبي موسى، والعبد الصالح، يستلهم الشاعر بعض صوره من خلال المكان (البحر) بجعله معبر الوصول إلى الحقيقة ويصوّر عبره اضطراب الذات الشاعرة، وتساؤلاتها تجاه وجودها. ويعود ليثبت صورة اللا جدوى وخيبة الأمل المعبّر عنها في أوّل المقطع بفعل المراودة لا المواقعة، ليجسّدها ههنا بعبارة (يطيع الأمر ولا يشرح)؛ فالشاعر هنا تنازل عن القناع وكشف عن ذاته (يدري أن لستُ أنا موسى).
يرسم المشهدان صورة تعرية الذات الباحثة عن المعرفة، كما يجسد الشاعر عبرهما موقفاً روحياً متجدّداً لا يشفي ظمأ الشاعر، ولا يلد إلا المزيد من الأسئلة المتأججة تجاه الذات والواقع والوجود. وهي محاولة من الشاعر للدخول في عوالم النبوة التي يعاني فيها البشر مواقف من التأزّم، والتساؤل.
وفي مواضع أخرى تتداخل الصور بفعل التعالق التصويري مع الشخصية التي يتخذها الشاعر قناعاً؛ حيث يكتشف القارئ صوراً متراكبة يتم استدعاؤها من نصوص متنوعة ترسم معاً ملامح مشتركة، كما يبدو في قول الشاعر علي الفزاني:
"أتمنّى أن تعودي في هدوء الأربعين
ترقصين الرّفض جهراً في جمود الكافرين
تنفخين الصور يأتي من دياجير السنين
موج نوحٍ والسّفين
يحمل الأزواج مثنى، وثلاث من حقول الثائرين
حاملين النّار في الأشعار والحلم الكبير"( )
تظهر صورة آلهة الحرب، من خلال مناجاة الشاعر لها، ورسم ملامح يزاوج فيها بين المقدس والإباحي؛ للتّعبير عن اختلاط قضايا الواقع، ويصورها بأنها ترقص الرفض في جمود وجرأة وكأنّ الرفض غاية في ذاته، كما يسند لها صورة أحد الملائكة المكلفين بالنفخ في الصور، وهي صورة قرآنية، القصد من إيرادها الحث على الثورة، وتركيب صورة تتكون من عناصر قرآنية هي (موج نوح، والسفين، والأزواج، والنار) لتعبّر في مجملها عن تطهير البلاد، والحلم بالثورة التي لا تُبقِ إلا على (أزواج الثائرين)، فهي ثورة لا تلد إلا الثّوار، وتقضي على الظلم والاستعباد كما قضى الموج العاتي على الكافرين.
إنّ استدعاء الشخصية التراثية أو الدينية لا يقف عند شخصيات الأنبياء واستلهام المواقف الدالة على أفعال خاصة بهم، إنما يستلهم الشاعر المعاصر بعض الشخصيات الأخرى، كما فعل الشاعر سعيد فاندي( ) عندما اختار (الهدهد) بوصفه قناعاً يتحدث من خلاله عن حزنه واغترابه، مستخدماً القصة على ألسنة الحيوانات لأن له دراية بهذا الفن الشعري( )، فيقول:
"وجثا الهدهد الوحيد حزيناً
ساجداً في الظلام خلف المكانِ
سوف أمضي مُغرباً عن ديـاري
هــائـمـاً فـي الـسـفـوح والوديان
عـلّني أُذهـب الأسى عـن فؤادي
وأديــم الـتّـسـبـيـح بـالـطّـيــران
تـرك الـمُــلـك خـلفه غـير
دارٍ أنّــه صـار في فضاء يماني
حيث بلقيس فوق عرشٍ يناجي
جذوة الشمس في صلاة الحسان
قـال هـل يـسـجـد العباد لجـرم
فـي جـحــودٍ لـخـالـق الأكــوان
عاد مـسـتـشـفـعـاً بـما قد رأى
في بــلادٍ تـزيـّـنـهـا جـنـتــــان
ونـجا مـن العذاب والذبح لـما
حـمـل الـجـنوح دعـوة الإيمـان
فـغـدا الـهـدهـد الـسـفـير أثيراً
وسـمـا بـحـسّـه عـلـى الحيوان( )
وعلى الرغم من المباشرة والتقريرية التي تسيطر على الأبيات إلا أنها تحمل في طياتها دلالة رمزية يظهر فيها الهدهد المغترب عن باقي الطيور رمزاً للإنسان الضائع، ويضيف عليها الشاعر صورة إيجابية للوحدة والاعتزال.
ومن الشعراء( ) مَن اتّخذ (الهدهد) رمزاً يرسم عبره زيف الواقع وتملّق أهله، بشكل أكثر رمزية من سابقه، حيث يجعله واحداً من عناصر صورة أخرى تجسد المعاناة وتقدّم تفسيراً للواقع المؤلم، فيقول:
"فُتات الخبز مطروحٌ مع الأشلاء
مدوسٌ فوقه، بالدّم مغموس
وبالأكباد...
مسمومٌ جراد الموسم المابين
أقالت نملةٌ شيئاً
وهل من هدهدٍ قد عاد( )
يرسم الشاعر في هذا المقطع أبشع صور معاناة الشعوب، حيث يحتضن المقطع مزيجاً غير متجانس من الأشياء التي وحّدها الألم، فتجانست في سياقٍ واحدٍ يصوّر معاناة الشعب، فالخبز يخالط أشلاء الضحايا، مما يصور ثنائية الموت/الحياة بوصفهما حقيقتين متلازمين، والخبز هنا رمزٌ لكرامة الإنسان العربي التي جعلها الشاعر (مُداس فوقها)، وصورها مغموسة بالدّم كناية عن التضحيات التي تُقدَّم من أجلها، من الكبار والصغار (الأكباد)، وعبّر بصورة الجراد( ) المسموم عن العدو لاشتراكه معه في الفتك والعبث، والقتل أيضاً إذا ما أخذنا في الاعتبار إضافة صفة (المسموم) إلى الجراد.
كما يظهر في المقطع رمزان مستمدان من النص القرآني هما (النملة والهدهد) يرسم عبرهما الشاعر ملامح الخلاص من الألم الذي يجسّده مشهد الجراد والأشلاء، والتحذير من الاستعمار باستخدام رمز النملة، والأمل ببروز صوت حق يأتي بالأخبار السارة، كما فعل الهدهد في النص القرآني، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ
إنه صراع الوجود (وجود الشاعر، ووجود الكلمة) ورسم صورة استشراف الفضاء الصوفي والوقوف على عتبات الكون لطرح أسئلة الواقع والوجود التي تظلّ مفتوحة.
ويتخّذ الشاعر شخصيّة أخرى يبثّ عبرها صورة معاناته، ويُسمع من خلالها صوت أنين أسئلته؛ حيث ينتقل في نهاية المقطع للتعبير عن أسئلته عبر الحوار الذي صوّره القرآن بين النبي موسى، والعبد الصالح، يستلهم الشاعر بعض صوره من خلال المكان (البحر) بجعله معبر الوصول إلى الحقيقة ويصوّر عبره اضطراب الذات الشاعرة، وتساؤلاتها تجاه وجودها. ويعود ليثبت صورة اللا جدوى وخيبة الأمل المعبّر عنها في أوّل المقطع بفعل المراودة لا المواقعة، ليجسّدها ههنا بعبارة (يطيع الأمر ولا يشرح)؛ فالشاعر هنا تنازل عن القناع وكشف عن ذاته (يدري أن لستُ أنا موسى).
يرسم المشهدان صورة تعرية الذات الباحثة عن المعرفة، كما يجسد الشاعر عبرهما موقفاً روحياً متجدّداً لا يشفي ظمأ الشاعر، ولا يلد إلا المزيد من الأسئلة المتأججة تجاه الذات والواقع والوجود. وهي محاولة من الشاعر للدخول في عوالم النبوة التي يعاني فيها البشر مواقف من التأزّم، والتساؤل.
وفي مواضع أخرى تتداخل الصور بفعل التعالق التصويري مع الشخصية التي يتخذها الشاعر قناعاً؛ حيث يكتشف القارئ صوراً متراكبة يتم استدعاؤها من نصوص متنوعة ترسم معاً ملامح مشتركة، كما يبدو في قول الشاعر علي الفزاني:
"أتمنّى أن تعودي في هدوء الأربعين
ترقصين الرّفض جهراً في جمود الكافرين
تنفخين الصور يأتي من دياجير السنين
موج نوحٍ والسّفين
يحمل الأزواج مثنى، وثلاث من حقول الثائرين
حاملين النّار في الأشعار والحلم الكبير"( )
تظهر صورة آلهة الحرب، من خلال مناجاة الشاعر لها، ورسم ملامح يزاوج فيها بين المقدس والإباحي؛ للتّعبير عن اختلاط قضايا الواقع، ويصورها بأنها ترقص الرفض في جمود وجرأة وكأنّ الرفض غاية في ذاته، كما يسند لها صورة أحد الملائكة المكلفين بالنفخ في الصور، وهي صورة قرآنية، القصد من إيرادها الحث على الثورة، وتركيب صورة تتكون من عناصر قرآنية هي (موج نوح، والسفين، والأزواج، والنار) لتعبّر في مجملها عن تطهير البلاد، والحلم بالثورة التي لا تُبقِ إلا على (أزواج الثائرين)، فهي ثورة لا تلد إلا الثّوار، وتقضي على الظلم والاستعباد كما قضى الموج العاتي على الكافرين.
إنّ استدعاء الشخصية التراثية أو الدينية لا يقف عند شخصيات الأنبياء واستلهام المواقف الدالة على أفعال خاصة بهم، إنما يستلهم الشاعر المعاصر بعض الشخصيات الأخرى، كما فعل الشاعر سعيد فاندي( ) عندما اختار (الهدهد) بوصفه قناعاً يتحدث من خلاله عن حزنه واغترابه، مستخدماً القصة على ألسنة الحيوانات لأن له دراية بهذا الفن الشعري( )، فيقول:
"وجثا الهدهد الوحيد حزيناً
ساجداً في الظلام خلف المكانِ
سوف أمضي مُغرباً عن ديـاري
هــائـمـاً فـي الـسـفـوح والوديان
عـلّني أُذهـب الأسى عـن فؤادي
وأديــم الـتّـسـبـيـح بـالـطّـيــران
تـرك الـمُــلـك خـلفه غـير
دارٍ أنّــه صـار في فضاء يماني
حيث بلقيس فوق عرشٍ يناجي
جذوة الشمس في صلاة الحسان
قـال هـل يـسـجـد العباد لجـرم
فـي جـحــودٍ لـخـالـق الأكــوان
عاد مـسـتـشـفـعـاً بـما قد رأى
في بــلادٍ تـزيـّـنـهـا جـنـتــــان
ونـجا مـن العذاب والذبح لـما
حـمـل الـجـنوح دعـوة الإيمـان
فـغـدا الـهـدهـد الـسـفـير أثيراً
وسـمـا بـحـسّـه عـلـى الحيوان( )
وعلى الرغم من المباشرة والتقريرية التي تسيطر على الأبيات إلا أنها تحمل في طياتها دلالة رمزية يظهر فيها الهدهد المغترب عن باقي الطيور رمزاً للإنسان الضائع، ويضيف عليها الشاعر صورة إيجابية للوحدة والاعتزال.
ومن الشعراء( ) مَن اتّخذ (الهدهد) رمزاً يرسم عبره زيف الواقع وتملّق أهله، بشكل أكثر رمزية من سابقه، حيث يجعله واحداً من عناصر صورة أخرى تجسد المعاناة وتقدّم تفسيراً للواقع المؤلم، فيقول:
"فُتات الخبز مطروحٌ مع الأشلاء
مدوسٌ فوقه، بالدّم مغموس
وبالأكباد...
مسمومٌ جراد الموسم المابين
أقالت نملةٌ شيئاً
وهل من هدهدٍ قد عاد( )
يرسم الشاعر في هذا المقطع أبشع صور معاناة الشعوب، حيث يحتضن المقطع مزيجاً غير متجانس من الأشياء التي وحّدها الألم، فتجانست في سياقٍ واحدٍ يصوّر معاناة الشعب، فالخبز يخالط أشلاء الضحايا، مما يصور ثنائية الموت/الحياة بوصفهما حقيقتين متلازمين، والخبز هنا رمزٌ لكرامة الإنسان العربي التي جعلها الشاعر (مُداس فوقها)، وصورها مغموسة بالدّم كناية عن التضحيات التي تُقدَّم من أجلها، من الكبار والصغار (الأكباد)، وعبّر بصورة الجراد( ) المسموم عن العدو لاشتراكه معه في الفتك والعبث، والقتل أيضاً إذا ما أخذنا في الاعتبار إضافة صفة (المسموم) إلى الجراد.
كما يظهر في المقطع رمزان مستمدان من النص القرآني هما (النملة والهدهد) يرسم عبرهما الشاعر ملامح الخلاص من الألم الذي يجسّده مشهد الجراد والأشلاء، والتحذير من الاستعمار باستخدام رمز النملة، والأمل ببروز صوت حق يأتي بالأخبار السارة، كما فعل الهدهد في النص القرآني، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ
Other data
| Title | فاعلية المرجعيات النصية في تشكيل الخطاب الشعري الحديث في ليبيا | Other Titles | effective text references in the formation of modern poetic speech in Libya letter introduction | Authors | ماجدة حسين المبروك الضبيع | Issue Date | 2014 |
Recommend this item
Similar Items from Core Recommender Database
Items in Ain Shams Scholar are protected by copyright, with all rights reserved, unless otherwise indicated.