الحركة الوطنية الفلسطينية بين عامي 1945-1948

Abstract

فلسطين، ذلك الجُرح الدامي في قلب الوطن العربي النابض، تلك البلدة الطيبة التي سالت على أرضها دماءٌ زكية في سبيل الكرامة والحرية والاستقلال، وتُعدُّ فلسطين من أكثر البلدان العربية التي عانت الكثير من المآسي والنكبات خلال تاريخها، وشهدت عديد من المحاولات الرامية لتجزئتها وتقطيع أوصالها من قبل القوى الاستعمارية، إلا أنها على الرغم من تلك المحاولات ستظل دومًا جزءًا لا يتجزَّأ من نسيج الوطن العربي وتاريخه العريق. وقد مرت فلسطين بالعديد من الحِقَب التاريخية المهمة والحاسمة والتي تركت بصمات واضحة ليس في تاريخها فحسب، بل في تاريخ العرب أجمع، منها فترة هذه الدراسة والتي يعزى سبب اختيارها إلى إغفال معظم الباحثين عن دراستها، على الرغم من أهميتها؛ حيث تبلورت في هذه الفترة التاريخية الكثير من الأحداث التي شكَّلت الإرهاصات الأساسية لقيام الدولة اليهودية عام 1948، وضياع حقوق العرب المشروعة في فلسطين وهم سكان البلاد الأصليين. وتبدأ فترة الدراسة بعام 1945 وهو العام الذي وَضَعَتْ فيه الحرب العالمية الثانية أوزارها، وتنتهي عند عام 1948 وهو العام الذي شهد إنهاء الانتداب البريطاني وإعلان الدولة اليهودية في 15 مايو 1948، واندلاع الحرب. وتكمن أهمية هذه الدراسة في تناولها الكثير من الأحداث والتغييرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي شهدتها فلسطين والتي تركت أثرًا جليًّا على تطور حركتها الوطنية في تلك الآونة؛ حيث تأسست في هذه الفترة عديد من الأحزاب العربية والتي كان لها دور جليٌّ في تطور القضية الفلسطينية، كذلك نشأة جامعة الدول العربية عام 1945 والتي أكسبت القضية ثقلًا سواء على المستوى العربي أو الدولي، كما شهدت البلاد أيضًا تراجعًا ملحوظًا للسياسة البريطانية في فلسطين وذلك في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ويرجع السبب فى ذلك إلى سوء أحوال بريطانيا الاقتصادية والسياسية وتزعزع هيمنتها في منطقة الشرق الأوسط عامة وفلسطين خاصة، في الوقت الذى بدأ نجم الولايات المتحدة الأمريكيةيلمع في سماء السياسة الدولية، وأصبحت -بعد انقضاء سنوات الحرب العالمية الثانية- شريكًا أساسيًّا لبريطانيا في بحث مستقبل فلسطين، وفي ظل هذه الظروف تصاعُد النشاط السياسي الصهيوني بشكلٍ واضح، وازدادت حدة هجمات المنظمات الصهيونية الإرهابية ضد القوات البريطانية، وذلك بدعم وتأييد قويين من الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الرغم من أن بريطانيا سعت جاهدة في تهدئة الأوضاع بفلسطين وإيجاد حلٍّ مرضٍ لإنهاء المسألة، إلا أن مساعيها ومحاولاتها باءت جميعها بالفشل ولم تستطع الصمود أكثر أمام الضغوط الصهيو-أمريكية التي كانت في تزايد مستمر لإجبارها على الإذعان للمطلب الصهيوني بإقامة دولة يهودية في فلسطين، الأمر الذي جعلها تقرر بضرورة إحالة القضية الفلسطينية برُمَّتها إلى هيئة الأمم المتحدة؛ أملًا في أن تصل الأخيرة إلى قرار سريع لحل القضية، إلا أن هيئة الأمم نجحت بفضل المساعي الصهيو-أمريكية ومناوراتهم السياسية بأن تتوج الحلم الصهيوني وتقرر تقسيم فلسطين وذلك يوم 29 نوفمبر 1947، مُغفِلة لحقوق العرب المشروعة وهم أصحاب البلاد الأصليين. وقد اعتمدت الباحثة في إعداد هذه الدراسة بالدرجة الأولى على: وثائق وزارة الخارجية المصرية (الأرشيف السري الجديد)، ووثائق رئاسة مجلس الوزراء المصري، كذلك وثائق عابدين، ووثائق وزارة الحربية المصرية المحفوظة بدار الوثائق القومية، كما اعتمدت أيضًا على وثائق وزارة الخارجية البريطانية Foreign office (F.O) ووثائق وزارة المستعمرات البريطانية Colonial Office (C.O)، ووثائق مجلس الوزراء البريطاني Cabinet Paper (CAB) والتي تم الحصول عليها من موقع الأرشيف البريطاني British ArchiveNational. وإلى جانب هذه الوثائق غير المنشورة، فقد اطَّلعتِ الباحثة أيضًا على عديد من الوثائق المنشورة العربية منها والأجنبية ولا سيما وثائق وزارة الخارجية الأمريكية ووثائق هيئة الأمم المتحدة، هذا فضلًا عن المذكرات الشخصية والدوريات والرسائل العلمية والعديد من المراجع العربية والأجنبية والتي كان لها دور جلي في إثراء هذا البحث بالكثير من المعلومات الواردة به.