مبدأ المعاملـة الوطنيــة في إطــار اتفاقيـة الجـوانب المتصلة بالتجارة لحقوق الملكية الفكرية (التريبس)

عاطف محمد أحمد محمد السيسي;

Abstract


لقد اختص الله سبحانه وتعالى الإنسان من بين سائر خلقه بأن كرمه وفضله وشرفه، فللإنسان شأنُ ليس لسائر المخلوقات الأخرى، فقد خلقه الله تعالى بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته إكراماً واحتراماً وإظهاراً لفضله، حيث يقول المولى عز وجل في كتابه العزيز
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)( )، وأودع فيه مفاتيح المعرفة والإدراك من أجل استيعاب العلوم المختلفة وتعلُمها وتعليمها مثل العقل والسمع والبصر والقلب، وحثه على التفكر والتدبر في آيات الله في الكون فيقول عز وجل
(أوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ)( ).
واستطاع الإنسان عن طريق إعمال العقل والفكر أن يستغل الكون ويُطوع كل ما فيه لخدمة مصالحه، وأن يوفر لنفسه ما يحتاجه من حاجات أساسية كالغذاء والدواء والملبس والمسكن، ثم بدأ الفكر الإنساني يتطور على مر الزمن، حيث استطاع تطوير أدوات الإنتاج المختلفة مثل الآلات ووسائل المواصلات والاتصالات، إلى أن تمكن من إحداث ثورة تكنولوجية فى العصر الحديث. ومن ثم فإن العقل البشرى هو مصدر الإبداع والابتكار، وهو الأساس لأي إنتاج فكرى ومن ثم فهو مصدر الملكية الفكرية.
وقد تزايدت الأهمية الاقتصادية للإنتاج الفكري على اختلاف أنواعه مع مرور الوقت، وصاحب ذلك أيضاً ظهور اعتداءات وانتهاكات على تلك المنتجات الفكرية والتي أُطلق عليها "القرصنة". ومن ثم فقد دعت الحاجة منذ القدم إلى ضرورة حماية المبدعين والمبتكرين، وإيجاد نوع من التوازن بين حقوق هؤلاء المبدعين والمبتكرين على مصنفاتهم واختراعاتهم من جهة، وحقوق المجتمع بصفة عامة فى استغلال هذه المصنفات والابتكارات من جهة أخرى.
وقد اتخذت حماية مجالات الملكية الفكرية أشكالاً وصوراً عديدة على مر التاريخ، إذ كانت البداية عن طريق منح الامتيازات أو المكافآت من الملوك أو الحكام للمبدعين والمبتكرين، وفى مرحلة لاحقة تم إقرار هذه الحماية عن طريق التشريعات الوطنية للدول. ثم دعت الحاجة إلى ضرورة تدويل تلك الحماية ومدها إلى خارج نطاق الحدود الإقليمية للدول وخاصة فى أعقاب الثورة الصناعية، فأُبرمت معاهدات دولية فى هذا الشأن، والتي بدأتها بعض الدول الأوربية فى نهاية القرن التاسع عشر، حيث أُبرمت اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية سنة 1883، واتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية سنة 1886. ومع تطور المجتمع الدولى المعاصر، وتسارع وتيرة عولمة الاقتصاد الدولى، والتي ساعد عليها التقدم المذهل فى تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وانخفاض تكاليف النقل، وظهور كيانات فاعلة أخرى على الساحة الدولية بخلاف الدول والمنظمات الدولية، والتي تتسم بالقوة والنفوذ والضخامة وكثرة العدد ألا وهى الشركات متعددة الجنسيات، واتجاه هذه الشركات إلى احتكار ثمار الإبداع والابتكار البشرى ألا وهى المعرفة.
وترتب على ذلك أن أصبحت المعرفة هي رأس المال الفكري، ومن أهم ممتلكات الشركات متعددة الجنسيات الموجودة على الساحة الدولية، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، حيث ترتكز هذه الشركات على رأس المال الفكري لضمان السيطرة على الأسواق العالمية وتحقيق أعلى عوائد من الأرباح. ولقد ازداد الاهتمام من قبل الشركات متعددة الجنسيات بالإبداع والابتكار عندما أدركت الدول الصناعية المتقدمة وشركاتها متعددة الجنسيات الأهمية المُتعاظمة لهما في صنع التقدم والتنمية وذلك من خلال تحويل المعلومة إلى ابتكار، والابتكار إلى سلعة يتم إنتاجها وتطوريها لتصبح ذات قيمة تجارية واقتصادية كبيرة، ونتيجة لذلك فقد أصبحت المعلومة ملكية، والملكية أصبحت حق، وهذا الحق يحتاج إلى حماية قانونية لصاحبه لتمنع الاعتداد عليه أو انتهاكه، ولم تُفلح الاتفاقيات الدولية القائمة فى منع مثل هذه الاعتداءات أو الانتهاكات، وهو ما استشعرت معه الشركات متعددة الجنسيات والدول المتقدمة التي تنتمي إليها وجود ضرورة مُلحة لحماية حقوق الملكية الفكرية التي تحتكرها هذه الشركات على المستوى العالمي. ومن هنا أُدرجت حماية حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة فى التجارة الدولية بناءاً على الضغوط التى مارستها الشركات متعددة الجنسيات على حكومات الدول المتقدمة التى تنتمي إليها التى مارست بدورها الضغط على الدول النامية للقبول بحماية الجوانب التجارية من حقوق الملكية الفكرية فى إطار اتفاقية جات 1947 والتي أصبحت فيما بعد جات 1994، واستطاعت الدول المتقدمة فى نهاية الأمر إلى إبرام اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية (التريبس) كإحدى الاتفاقيات التي أُبرمت لتنظيم حركة التجارة الدولية فى إطار منظمة التجارة العالمية.


Other data

Title مبدأ المعاملـة الوطنيــة في إطــار اتفاقيـة الجـوانب المتصلة بالتجارة لحقوق الملكية الفكرية (التريبس)
Authors عاطف محمد أحمد محمد السيسي
Issue Date 2017

Attached Files

File SizeFormat
V1590.pdf19.77 MBAdobe PDFView/Open
Recommend this item

Similar Items from Core Recommender Database

Google ScholarTM

Check

views 3 in Shams Scholar


Items in Ain Shams Scholar are protected by copyright, with all rights reserved, unless otherwise indicated.