التماسك النصي والدلالي في شعر عبد العزيز المقالح ديوان: "بلقيس وقصائد لمياه الأحزان" نموذجا وديوان "أبجدية الروح" للشاعر
أمــة السـلام مثنى على المحنش;
Abstract
إن لغة النص text linguistics عند قدامى العرب لم تحظ بدراسة مستقلة، فقد كانت مقسمة بين النقد والبلاغة والنحو، وكان تناولها على مستوى الجملة، باستثناء عبد القاهر الجرجاني الذي قال صراحة: إنك لا تحكم لصاحب النص بالسبق إلا بعد أن تستوفي القطعة كاملة، ثم قدم تطبيقًا عمليًا في تحليل سورة الفاتحة، وهي نص كامل( ).
وقد جاء علم النص الحديث فقدم منهجًا جديدًا في معالجة النص. وأهم الموضوعات التي يدرسها علم النص (التماسك النصي) الذي ينطلق في تحليل النص من الجملة، ولكن ليس لكونها جزءًا مستقلاً، وإنما هي جزء داخل كل منسجم متجانس، وجانب مكمل من جوانب الواقع اللغوي، إذ تحمل دلالاتها وفق دلالات الجمل الأخرى في النص.
ولا يتوقف علم النص عند دراسة الكلمات وتحليلها في مستويات الدرس اللغوي النحوي والصرفي والصوتي والدلالي، بل يهتم بأن ينفذ إلى ما وراء النص من جميع العوامل المعرفية والنفسية والاجتماعية، حيث يلتحم بجوانب غير لغوية، تفسر كثيرًا من الغموض في العمليات اللغوية، مع بقاء الجانب اللغوي عمود النص.
ولا يتحدد التماسك النصي فحسب على مستوى علاقات الترابط بين المتتاليات والجمل، لأن هذا المستوى لا يقدم سوى الأبنية الصغرى، ومن ثم وضع بعض علماء النص عدة تصورات تتعلق بما سُمي بالأبنية الكبرى وقواعدها، والتي من خلالها يتم تحديد النص بوصفه عملاً فريدًا.
وبهذا يتبين أن التماسك النصي هو عبارة عن وجود علاقات شكلية ظاهرية، وعلاقات معنوية ملحوظة تعمل على ربط أجزاء النص وجمله بعضها ببعض، فيصير النص كلاً كاملاً.
والتماسك النصي يمثل أهم معيارين من معايير النصية، وهما السبك Cohesion، والحبك Coherence، وهذان المعياران يكشفان عن كيفية تركيب النص بكونه صرحًا دلاليًا، ويبرزان العلاقة التي تربط بين عناصره، ودورها في تشكيل نصيته، ودور النظام النحوي في تحقيق هذا الترابط والتماسك؛ (فالسبك) مختص بالعلاقات النحوية، والأدوات الشكلية الظاهرة على سطح النص، و(الحبك) مختص بالعلاقات المعنوية الملحوظة التي تدرك بالفعل؛ أى إن السبك يمثل المستوى الصوتي والمستوى التركيبي، والمستوى المعجمي من مستويات اللغة، والحبك يمثل المستوى الدلالي من مستويات اللغة.
والسبك صناعة خاصة بمنتج النص، أما الحبك فهو صناعة مشتركة بين منتج النص ومتلقيه؛ وهذا ما يفسر اختلاف مجموعة من المتلقين في قراءة نص ما مع إجماعهم على تماسكه، بل إن القراءة قد تختلف من خلال القارئ الواحد، إذ إنه في كل قراءة للنص قد يجد معنى غاب عنه في قراءة سابقة.
وينبغي الإشارة إلى سبق عبد القاهر الجرجاني في تعامله مع النص كصناعة وإن كان بشكل غير مباشر، حيث تعامل معه بمدلوله، (فنظرية النظم) تعتمد على حركة الصياغة والناتج الدلالي، يقول: "لا نظم في الكلام ولا ترتيب حتى يعلق بعضها ببعض، ويبنى بعضها على بعض، وتجعل هذه بسبب من تلك"( )، ويقول: "اللفظ تبع للمعنى، والكلم ترتب في النطق بسبب ترتب معانيها في النفس، وأنها لو خلت معانيها حتى تتجرد أصواتًا وأصداء حروف، لما وقع في ضمير وهجس في خاطر، أن يجب فيها ترتيب ونظم"( ).
ولغة النص لغة متفاعلة بين المنتج والقارئ، وكما تتباين كفاءة الطاقة التعبيرية للنصوص تتباين كفاءة القارئ، حيث يصنع لنفسه علاقات دلالية بين أجزاء النص تعينه على فهمه، ومن هنا يتولد الاختلاف، وهو ما يقود إلى مفهوم النص المغلق والنص المفتوح.
ويرى الجرجاني أن البناء المحكم للنص يقتضي انفتاحه، ذلك أنه لن يكون هناك انفتاح إلا إذا كان هناك بناء محكم، يبنى فيه ثان على أول، ويرد تال على سابق، بحيث تكون حركة التلقي مترددة بين هذا وذاك، مع بذل الشقة، وقطع المشقة، والغوص، ولن ينال المطلوب إلا بعد الامتناع والاعتياص( ).
ويعد الجرجاني انفتاح النص على (الاحتمال) خصيصة مركزية؛ "لأنه إذا كان بينًا في الشيء أنه لا يحتمل إلا الوجه الذي هو عليه، حتى لا يشكل، وحتى لا يحتاج في العلم بأن ذلك حقه، وأنه الصواب إلى فكر ورؤية، فلا مزية، وإنما تكون المزية، ويجب الفضل إذا احتمل في ظاهر الحال غير الوجه الذي جاء عليه وجهًا آخر"( ).
فخاصية (الاحتمال) تصرف عن النص انغلاقه على نفسه، وتحفظ له كينونته وإنتاجيته المستمرة، في سياقه التاريخي والاجتماعي والثقافي، ضمن البنية النصية الكبرى التي يتفاعل معها.
والوصف اللغوي هو المدخل إلى كوامن النص، ويعين على معرفة مدى تحقق تماسكه، إذ يتجاوز حدود الجملة إلى ما وراء اللغة، ويتجاوز الثوابت في البنية السطحية ليعيد إنتاجها في البنية العميقة.
والإجراء التطبيقي لمفهوم التماسك النصي في النص الأدبي العربي فيه كثير من التوافقات مع الدراسات النصية الحديثة الوافدة، فالبلاغة العربية القديمة ضمت الأفكار الأساسية التي قدمتها الدراسات الحديثة، وإن ضمت قدرًا غير قليل من المغايرة، ولع
وقد جاء علم النص الحديث فقدم منهجًا جديدًا في معالجة النص. وأهم الموضوعات التي يدرسها علم النص (التماسك النصي) الذي ينطلق في تحليل النص من الجملة، ولكن ليس لكونها جزءًا مستقلاً، وإنما هي جزء داخل كل منسجم متجانس، وجانب مكمل من جوانب الواقع اللغوي، إذ تحمل دلالاتها وفق دلالات الجمل الأخرى في النص.
ولا يتوقف علم النص عند دراسة الكلمات وتحليلها في مستويات الدرس اللغوي النحوي والصرفي والصوتي والدلالي، بل يهتم بأن ينفذ إلى ما وراء النص من جميع العوامل المعرفية والنفسية والاجتماعية، حيث يلتحم بجوانب غير لغوية، تفسر كثيرًا من الغموض في العمليات اللغوية، مع بقاء الجانب اللغوي عمود النص.
ولا يتحدد التماسك النصي فحسب على مستوى علاقات الترابط بين المتتاليات والجمل، لأن هذا المستوى لا يقدم سوى الأبنية الصغرى، ومن ثم وضع بعض علماء النص عدة تصورات تتعلق بما سُمي بالأبنية الكبرى وقواعدها، والتي من خلالها يتم تحديد النص بوصفه عملاً فريدًا.
وبهذا يتبين أن التماسك النصي هو عبارة عن وجود علاقات شكلية ظاهرية، وعلاقات معنوية ملحوظة تعمل على ربط أجزاء النص وجمله بعضها ببعض، فيصير النص كلاً كاملاً.
والتماسك النصي يمثل أهم معيارين من معايير النصية، وهما السبك Cohesion، والحبك Coherence، وهذان المعياران يكشفان عن كيفية تركيب النص بكونه صرحًا دلاليًا، ويبرزان العلاقة التي تربط بين عناصره، ودورها في تشكيل نصيته، ودور النظام النحوي في تحقيق هذا الترابط والتماسك؛ (فالسبك) مختص بالعلاقات النحوية، والأدوات الشكلية الظاهرة على سطح النص، و(الحبك) مختص بالعلاقات المعنوية الملحوظة التي تدرك بالفعل؛ أى إن السبك يمثل المستوى الصوتي والمستوى التركيبي، والمستوى المعجمي من مستويات اللغة، والحبك يمثل المستوى الدلالي من مستويات اللغة.
والسبك صناعة خاصة بمنتج النص، أما الحبك فهو صناعة مشتركة بين منتج النص ومتلقيه؛ وهذا ما يفسر اختلاف مجموعة من المتلقين في قراءة نص ما مع إجماعهم على تماسكه، بل إن القراءة قد تختلف من خلال القارئ الواحد، إذ إنه في كل قراءة للنص قد يجد معنى غاب عنه في قراءة سابقة.
وينبغي الإشارة إلى سبق عبد القاهر الجرجاني في تعامله مع النص كصناعة وإن كان بشكل غير مباشر، حيث تعامل معه بمدلوله، (فنظرية النظم) تعتمد على حركة الصياغة والناتج الدلالي، يقول: "لا نظم في الكلام ولا ترتيب حتى يعلق بعضها ببعض، ويبنى بعضها على بعض، وتجعل هذه بسبب من تلك"( )، ويقول: "اللفظ تبع للمعنى، والكلم ترتب في النطق بسبب ترتب معانيها في النفس، وأنها لو خلت معانيها حتى تتجرد أصواتًا وأصداء حروف، لما وقع في ضمير وهجس في خاطر، أن يجب فيها ترتيب ونظم"( ).
ولغة النص لغة متفاعلة بين المنتج والقارئ، وكما تتباين كفاءة الطاقة التعبيرية للنصوص تتباين كفاءة القارئ، حيث يصنع لنفسه علاقات دلالية بين أجزاء النص تعينه على فهمه، ومن هنا يتولد الاختلاف، وهو ما يقود إلى مفهوم النص المغلق والنص المفتوح.
ويرى الجرجاني أن البناء المحكم للنص يقتضي انفتاحه، ذلك أنه لن يكون هناك انفتاح إلا إذا كان هناك بناء محكم، يبنى فيه ثان على أول، ويرد تال على سابق، بحيث تكون حركة التلقي مترددة بين هذا وذاك، مع بذل الشقة، وقطع المشقة، والغوص، ولن ينال المطلوب إلا بعد الامتناع والاعتياص( ).
ويعد الجرجاني انفتاح النص على (الاحتمال) خصيصة مركزية؛ "لأنه إذا كان بينًا في الشيء أنه لا يحتمل إلا الوجه الذي هو عليه، حتى لا يشكل، وحتى لا يحتاج في العلم بأن ذلك حقه، وأنه الصواب إلى فكر ورؤية، فلا مزية، وإنما تكون المزية، ويجب الفضل إذا احتمل في ظاهر الحال غير الوجه الذي جاء عليه وجهًا آخر"( ).
فخاصية (الاحتمال) تصرف عن النص انغلاقه على نفسه، وتحفظ له كينونته وإنتاجيته المستمرة، في سياقه التاريخي والاجتماعي والثقافي، ضمن البنية النصية الكبرى التي يتفاعل معها.
والوصف اللغوي هو المدخل إلى كوامن النص، ويعين على معرفة مدى تحقق تماسكه، إذ يتجاوز حدود الجملة إلى ما وراء اللغة، ويتجاوز الثوابت في البنية السطحية ليعيد إنتاجها في البنية العميقة.
والإجراء التطبيقي لمفهوم التماسك النصي في النص الأدبي العربي فيه كثير من التوافقات مع الدراسات النصية الحديثة الوافدة، فالبلاغة العربية القديمة ضمت الأفكار الأساسية التي قدمتها الدراسات الحديثة، وإن ضمت قدرًا غير قليل من المغايرة، ولع
Other data
| Title | التماسك النصي والدلالي في شعر عبد العزيز المقالح ديوان: "بلقيس وقصائد لمياه الأحزان" نموذجا وديوان "أبجدية الروح" للشاعر | Authors | أمــة السـلام مثنى على المحنش | Issue Date | 2016 |
Attached Files
| File | Size | Format | |
|---|---|---|---|
| G11374.pdf | 318.23 kB | Adobe PDF | View/Open |
Similar Items from Core Recommender Database
Items in Ain Shams Scholar are protected by copyright, with all rights reserved, unless otherwise indicated.