الأسرة الثالثة عشرة (دراسة أثرية – تاريخية)

Abstract

تميَّزَ التاريخُ المصرىُّ القديمُ بالسَّبقِ الزَّمَنىِّ المبكِّرِ ، ووَفرَةِ المصَادِرِ المكتوبَةِ ، وطابَعِ المركزيَّةِ الغَالبَةِ ، واتصالِ الحلْقَاتِ الحضاريةِ دُونَ فجواتٍ كَبيرةٍ فيه ، فَضلاً عن رُوحِ المحافظةِ ، واستمرَاريَّة الطابعِ الثقافِىِّ العامِّ ، والجمعِ بينَ الخصُوصية الإقليميةِ والانفتَاحِ على العالَمِ الخارجىِّ . والحقيقةُ أن تاريخ مصرَ القَديمَ زاخرٌ وعامرٌ بالأحداثِ والتطورات ؛ نظراً لما حواهُ من فتَرَاتٍ خالدَةٍ مَجيدَةٍ ؛ فقد مَرَّت مِصرُ فى تاريخها القديمِ بِمَرَاحلَ تَرَاوَحَت بين كَبوةٍ وازدهار ، ولكنها أيضاً فى أحلكِ الأوقاتِ ظلَّت تتمتَّعُ بحضَارةٍ عظيمة ، عَرَفت خلالَها أرقَى مُستوياتِ الفنونِ والآدابِ التى تُعبِّر عن جَهدِ المصرىِّ القديم ، وتفَوقِهِ الحضَارى ؛ لِمَا تَنفردُ به حضَارَتُه عن حضَاراتِ العناصرِ البشرية المعاصرَةِ له فى البلادِ المجاورَة ، وفيما تركَهُ من آثارٍ مُختلفةٍ ومُتنوعةٍ تُعَدُّ المصدَرَ الرئيسىَّ لدراسة هذا التاريخ وتلك الحضَارَة . وقد أثارَت المرحلةُ التاريخيةُ لمصرَ - والتى مرَّت بِها ما بين نِهاية الأسرةِ الثانيةَ عشرةَ وبدايةِ الأسرةِ الثامنةَ عشرَةَ - حَيرةَ وجدلَ الباحثين ، فملامحُ تلك الفترة مُتضَاربة ومُحَيِّرة إلى حدٍّ كبير ، وبالرَّغم من أن الأسرةَ الثالثةَ عشرةَ كانت تابعةً لفترةَ حُكمٍ طويلَةٍ لملوكٍ عُظَماء لُقِّبوا بـ: سنُوسرت وأمنمحَات ، إلا أنها تقدِّمُ صورةً مختلفةً تماماً من البداية إلى النهاية ، تتمثَّلُ فى خِلافةٍ سريعةِ لحكمِ سريع الزَّوال ، وحكامٍ كانُوا ضُعفَاء نسبيًّا ، لم يستطع أحدُهُم حشدَ الموارد لِمُحَاكاة سياسة جريئة وحيوية ، ومشاريعَ بناءٍ عملاقة للأسرة الثانيةَ عشرةَ ، ولم يستَطِعْ كذلك القيامَ بإحيَاءٍ تامٍّ لمستوياتها الفنية . وكانت النتيجة تَفَتُّتاً سياسيًّا مع ملوك نَصَبُوا أنفُسَهم حكاماً فى أماكن أخرى من البلاد ، ويبدو أنه كانت هناك مُقَاومةٌ ضعيفة جدًّا من هؤلاء الذين يَعتلُون العرش فى اللشت . وقد اعتاد علماءُ الآثار على تصنيفِ هذه الفترة من الأسرةِ الثالثةَ عشرَةَ حتى السابعَةَ عشرَةَ بوصفِهَا عَصرَ الانتقالِ الثانى ، وهذه هى الوَسيلةُ الأبسطُ لتَمييزها ، مثلُ باقى فتراتِ الانتقَال . ويرجعُ الغموضُ الذى يُحيط بتلك الفترة إلى نُدرة المصادر الأثريةِ لهذا الوقت ، وأيضاً لكونِها المرةَ الأولى التى تتعرضُ في نهايتها مصر لكَبوةٍ سياسيةٍ انتهت بِحُكم أقوامٍ أجانب لجزءٍ منها . وقد ظهر الاختلافُ والجدلُ بين العلماءِ حولَ تلك الفترة ، وذلك بسببِ أن معظمَ الدراساتِ العلميةِ لها كانت تعتمدُ أساساً - ولفتراتٍ طويلةٍ - على المصَادرِ المكتوبة ؛ لذلك فقد كانَ من الضَّرورىِّ عند درَاسَةِ تلك الفترَةِ الاعتمادُ على المصَادرِ الأثريةِ بجانب المصادرِ المكتوبَةِ ؛ وذلك حتى تكتملَ الصورةُ ، ونصِلَ إلى رأى فى كثيرٍ مِنَ الأمورِ التى كثُرَ حولها الجدلُ .