مظاهر الترابط النصي في تفسير النيسابوري ( 729 هـ ) المسمى بـ ( غرائب القرآن ورغائب الفرقان )
سيد شوقي السيد;
Abstract
يتناول البحث جهود النيسابوري النصية من خلال تفسيره ( غرائب القرآن ورغائب الفرقان ) ، وذلك عبر معيارين من معايير النصية لدى علم اللغة النصي وهما : معيار ( السبك ) والذي يهتم بمظاهر الترابط النحوي ( الشكلي ) بين الجمل ، ومعيار ( الحبك ) والذي يهتم بمظاهر الترابط الدلالي ( المعنوي ) بين الجمل .
وقد تكون البحث من مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول ، أما المقدمة فبينت فيها اتجاهات الباحثين المختلفة في نحو النص بين ( التنظير والتطبيق والتأصيل ) ، وأسباب اختيار الموضوع وأهمها اهتمام النيسابوري في تفسيره بكثير من القضايا النصية كأسباب النزول التي تفيد في معرفة السياق المحيط بالنص ، وكذلك تعرضه لمتشابهات القرآن والحكمة من التكرار ، ثم اهتمامه البالغ بالربط بين الآيات والسور ، والذي عرف قديما بـ ( علم المناسبات ) . ثم بينت أهم الدراسات السابقة والتي اهتمت جميعها بالناحية التفسيرية فقط في تفسير النيسابوري ، ولم تهتم بالناحية النصية فضلا عن تناول جهوده النحوية والصرفية التي زخر بها . ثم بينت المنهج المتبع وهو المنهج الاستقرائي الذي يعتمد على استباط النصوص التي اهتم فيها النيسابوري بالنظرة الكلية للنص القرآني ، مع تحليل هذه النصوص ومقارنتها بما ورد في كتب النحو والتفسير للوقوف على مدى اقتراب النيسابوري في توجيهاته من الناحية النصية من ابتعاده عنها .
وأما التمهيد فتناول ثلاثة مباحث ، المبحث الأول : النيسابوري نشأته وحياته ، فبينت فيها مكانته العلمية وأهم مؤلفاته ، وشيوخه وتلاميذه ، وعقيدته في تفسيره التي مالت إلى عقيدة أهل السنة كما وضح ذلك في خاتمة تفسيره . وأما المبحث الثاني : فتناولت فيه التدرج التاريخي من نحو الجملة - الذي اعتبر الجملة هي أكبر وحدة للتحليل - إلى نحو النص الذي ينظر إلى النص كأنه وحدة متكاملة لا جمل متفرقة . والمبحث الثالث تناولت فيه مفهوم ( السبك ) و ( الحبك ) قديما وحديثا .وقد اتضح ما يلي :
1- أثبت البحث أن النيسابوري كان على وعي كاملٍ بمفهومَي ( السبك والحبك ) - في الدراسات النصية الحديثة - وإن لم يستخدم هذين المصطلحين ، بل كان كان يستخدم مصطلح ( النسق ) مقابلا لـ ( السبك ) ، ويَعنى به مظاهر الترابط الشكلي بين الجمل ، ويستخدم مصطلح ( النظم ) - كما استخدمه سابقوه - مقابلا لـ ( الحبك ) ، ويَعنى به مظاهر الترابط الدلالي بين الجمل ، وهذا يدفعنا إلى القول بأصالة مفاهيم نحو النص الحديث في تراثنا القديم .
2- تأثر النيسابوري كثيرا بآراء سابقيه ، وخاصة الزمخشري والرازي - في تفسيريهما الكشاف والتفسير الكبير - وهذا لا يقدح في جهوده الواضحة في تفسيره وآرائه المتميزة التي تفرد بها ، فقد عارض الزمخشري والرازي في كثير من المسائل وبخاصة اللغوية منها ، وعليه فإنه قد استثمر قراءات سابقيه ثم دمجها ضمن رؤيته الخاصة التي تميزت - من خلال تفسيره - بالنظر إلى القرآن كله على أنه نص واحد متماسك .
3- استطاع النيسابوري أن يوظف كثيرا من آليات الترابط ( أو التماسك ) النصي في تفسيره على المستويين الشكلي والدلالي ، وقد حاولت الدراسة - في ضوء الدرس اللساني الحديث - استنباط هذه الآليات ، وإثبات أن النيسابوري لم يكن غافلا عنها ، بل قد يتجاوزها إلى آليات ووسائل أُخَر لم يتطرق إليها علماء النص الغربيون .
4- ففي الإحالة تعرض النيسابوري لكثير من المواضع التي بيّن فيها مرجع الضمير في محاولة منه لربط العناصر الإحالية التي لا تمتلك دلالة مستقلة إلى عناصرها الإشارية التي تعود إليها ، فيتم بذلك الاتساق والربط بين أجزاء النص ، ولم تنحصر اهتماماته في الإحالات الداخلية فقط بل تجاوزها إلى الإحالات الخارجية ، وفي ذلك ربط بين النص والمتلقي مما يدعم جانب التداولية .
5- وفي الحذف تناوله كما تناوله السابقون الذين تفوقوا على الدراسات اللسانية في هذا المجال ، فتناول حذف الحرف والكلمة والجملة وأكثر من جملة ، معتمدا في ذلك على وجود قرينة لفظية أو حالية مقامية دالة على المحذوف ، ومعتمدا أيضا على مبدأ ( استدعاء النصوص ) عند تقدير المحذوف ، كما رصد كثيرا من أشكال الحذف البلاغي التي لم يرصدها المحدثون ، ورصدها من قبلُ علماءُ البلاغة العرب كحذف الاقتطاع
والاكتفاء والاحتباك .
6- أما في الاستبدال بمفهومه الحديث فلم يتناوله كما تناوله المحدثون ، وإنما كان تناوُله له داخلا في إطار ( الإحالة أو الحذف ) ، وإن كانت له بعض الإشارات القليلة التي تبين وعيه بمفهوم الاستبدال الحديث .
7- وفي الربط بالأداة تناول كافة أشكاله النصية الحديثة ( الإضافي والسببي والعكسي والزمني ) وبين أن الربط قد يكون بين قصة وقصة ـ أو بين كلامين بينهما فاصل طويل ، أو بين سورة وأخرى اعتمادا في ذلك على أن النص القرآني كالكلمة الواحدة ، وقد يقدر محذوفا حتى يستقيم الربط بالأداة ، أو يكون العطف على المعنى لا اللفظ ، وفي ذلك محاولة منه لربط أجزاء الكلام ، وألا تكون الجهة منفكة فيما بين أطرافه .
8- وعلى مستوى السبك المعجمي تناول النيسابوري كثيرا من مظاهر التكرار النصي الحديث ، وإن كانت جهوده الكبرى قد انحصرت في التكرار التام والتكرار غير التام ( أي المتشابهات ) ، وكان يسعى دائما إلى البحث عن علة للتكرار فرارا من التكرار المحض ، ويرى أن كل تكرار إنما جاء لعلة جديدة يحتمها السياق الجديد ، فإن لم يهتد إلى علة واضحة فإنه يرجع إلى القول بالعلة الأولى للتكرار وهي التأكيد والتقرير ، فالشيء إذا تكرر تقرر . أما ( تكرار المتشابهات ) فقد كان للسياق الدور الأكبر في تغيير بعض الجمل المكررة بزيادة أو نقصان ، أو بتعريف أو تنكير وغير ذلك ، وحرص النيسابوري جاهدا على تعرف هذا السياق الداعي إلى التغيير ، ونبه عليه لما له من أهمية في بيان المعنى المراد .
9 - أما المصاحبة المعجمية فقد تناول النيسابوري بعضا من مظاهرها وأشكالها الحديثة ؛ وإن كان قد نبه على نوع آخر يمكن أن يطلق عليه بـ ( المصاحبة المعنوية ) وفيه تقوم بعض المعاني باستدعاء معان أخرى مرتبطة بها كالعلاقة بين ( القصص والأحكام والتوحيد ) ، وهي معان قد لا يربطها رابط محدد على ما هو معلوم في العلاقات النصية المعروفة ؛ لذا آثرنا وضعها تحت باب المصاحبة لا تحت باب الحبك الدلالي .
10- وعلى المستوى الدلالي ( الحبك ) كان للنيسابوري النصيب الأوفر في بيان العلاقات أو المناسبات الدلالية بين الآيات والسور ، فلا تكاد تكون العلاقة بين الجملتين أو الآيتين منفصلة - في الظاهر - حتى يسارع ببيان وجه النظم أو المعنى الجامع بينهما . لذا صرح بوجود كثير من العلاقات النصية بينها ، وقد تنوعت اهتماته في هذا المجال ففي مجال الربط بين الآيات تناول المناسبة بين الآية وما قبلها ، والمناسبة بين أول الآية وآخرها ، والمناسبة العامة بين مطلق الآيات في النص ، أما في مجال الربط بين السور فقد تناول المناسبة بين أول السورة وخاتمتها ، والمناسبة بين أول السورة وخاتمة ما قبلها ، ومناسبات عامة بين سورتين أو أكثر .
وقد تكون البحث من مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول ، أما المقدمة فبينت فيها اتجاهات الباحثين المختلفة في نحو النص بين ( التنظير والتطبيق والتأصيل ) ، وأسباب اختيار الموضوع وأهمها اهتمام النيسابوري في تفسيره بكثير من القضايا النصية كأسباب النزول التي تفيد في معرفة السياق المحيط بالنص ، وكذلك تعرضه لمتشابهات القرآن والحكمة من التكرار ، ثم اهتمامه البالغ بالربط بين الآيات والسور ، والذي عرف قديما بـ ( علم المناسبات ) . ثم بينت أهم الدراسات السابقة والتي اهتمت جميعها بالناحية التفسيرية فقط في تفسير النيسابوري ، ولم تهتم بالناحية النصية فضلا عن تناول جهوده النحوية والصرفية التي زخر بها . ثم بينت المنهج المتبع وهو المنهج الاستقرائي الذي يعتمد على استباط النصوص التي اهتم فيها النيسابوري بالنظرة الكلية للنص القرآني ، مع تحليل هذه النصوص ومقارنتها بما ورد في كتب النحو والتفسير للوقوف على مدى اقتراب النيسابوري في توجيهاته من الناحية النصية من ابتعاده عنها .
وأما التمهيد فتناول ثلاثة مباحث ، المبحث الأول : النيسابوري نشأته وحياته ، فبينت فيها مكانته العلمية وأهم مؤلفاته ، وشيوخه وتلاميذه ، وعقيدته في تفسيره التي مالت إلى عقيدة أهل السنة كما وضح ذلك في خاتمة تفسيره . وأما المبحث الثاني : فتناولت فيه التدرج التاريخي من نحو الجملة - الذي اعتبر الجملة هي أكبر وحدة للتحليل - إلى نحو النص الذي ينظر إلى النص كأنه وحدة متكاملة لا جمل متفرقة . والمبحث الثالث تناولت فيه مفهوم ( السبك ) و ( الحبك ) قديما وحديثا .وقد اتضح ما يلي :
1- أثبت البحث أن النيسابوري كان على وعي كاملٍ بمفهومَي ( السبك والحبك ) - في الدراسات النصية الحديثة - وإن لم يستخدم هذين المصطلحين ، بل كان كان يستخدم مصطلح ( النسق ) مقابلا لـ ( السبك ) ، ويَعنى به مظاهر الترابط الشكلي بين الجمل ، ويستخدم مصطلح ( النظم ) - كما استخدمه سابقوه - مقابلا لـ ( الحبك ) ، ويَعنى به مظاهر الترابط الدلالي بين الجمل ، وهذا يدفعنا إلى القول بأصالة مفاهيم نحو النص الحديث في تراثنا القديم .
2- تأثر النيسابوري كثيرا بآراء سابقيه ، وخاصة الزمخشري والرازي - في تفسيريهما الكشاف والتفسير الكبير - وهذا لا يقدح في جهوده الواضحة في تفسيره وآرائه المتميزة التي تفرد بها ، فقد عارض الزمخشري والرازي في كثير من المسائل وبخاصة اللغوية منها ، وعليه فإنه قد استثمر قراءات سابقيه ثم دمجها ضمن رؤيته الخاصة التي تميزت - من خلال تفسيره - بالنظر إلى القرآن كله على أنه نص واحد متماسك .
3- استطاع النيسابوري أن يوظف كثيرا من آليات الترابط ( أو التماسك ) النصي في تفسيره على المستويين الشكلي والدلالي ، وقد حاولت الدراسة - في ضوء الدرس اللساني الحديث - استنباط هذه الآليات ، وإثبات أن النيسابوري لم يكن غافلا عنها ، بل قد يتجاوزها إلى آليات ووسائل أُخَر لم يتطرق إليها علماء النص الغربيون .
4- ففي الإحالة تعرض النيسابوري لكثير من المواضع التي بيّن فيها مرجع الضمير في محاولة منه لربط العناصر الإحالية التي لا تمتلك دلالة مستقلة إلى عناصرها الإشارية التي تعود إليها ، فيتم بذلك الاتساق والربط بين أجزاء النص ، ولم تنحصر اهتماماته في الإحالات الداخلية فقط بل تجاوزها إلى الإحالات الخارجية ، وفي ذلك ربط بين النص والمتلقي مما يدعم جانب التداولية .
5- وفي الحذف تناوله كما تناوله السابقون الذين تفوقوا على الدراسات اللسانية في هذا المجال ، فتناول حذف الحرف والكلمة والجملة وأكثر من جملة ، معتمدا في ذلك على وجود قرينة لفظية أو حالية مقامية دالة على المحذوف ، ومعتمدا أيضا على مبدأ ( استدعاء النصوص ) عند تقدير المحذوف ، كما رصد كثيرا من أشكال الحذف البلاغي التي لم يرصدها المحدثون ، ورصدها من قبلُ علماءُ البلاغة العرب كحذف الاقتطاع
والاكتفاء والاحتباك .
6- أما في الاستبدال بمفهومه الحديث فلم يتناوله كما تناوله المحدثون ، وإنما كان تناوُله له داخلا في إطار ( الإحالة أو الحذف ) ، وإن كانت له بعض الإشارات القليلة التي تبين وعيه بمفهوم الاستبدال الحديث .
7- وفي الربط بالأداة تناول كافة أشكاله النصية الحديثة ( الإضافي والسببي والعكسي والزمني ) وبين أن الربط قد يكون بين قصة وقصة ـ أو بين كلامين بينهما فاصل طويل ، أو بين سورة وأخرى اعتمادا في ذلك على أن النص القرآني كالكلمة الواحدة ، وقد يقدر محذوفا حتى يستقيم الربط بالأداة ، أو يكون العطف على المعنى لا اللفظ ، وفي ذلك محاولة منه لربط أجزاء الكلام ، وألا تكون الجهة منفكة فيما بين أطرافه .
8- وعلى مستوى السبك المعجمي تناول النيسابوري كثيرا من مظاهر التكرار النصي الحديث ، وإن كانت جهوده الكبرى قد انحصرت في التكرار التام والتكرار غير التام ( أي المتشابهات ) ، وكان يسعى دائما إلى البحث عن علة للتكرار فرارا من التكرار المحض ، ويرى أن كل تكرار إنما جاء لعلة جديدة يحتمها السياق الجديد ، فإن لم يهتد إلى علة واضحة فإنه يرجع إلى القول بالعلة الأولى للتكرار وهي التأكيد والتقرير ، فالشيء إذا تكرر تقرر . أما ( تكرار المتشابهات ) فقد كان للسياق الدور الأكبر في تغيير بعض الجمل المكررة بزيادة أو نقصان ، أو بتعريف أو تنكير وغير ذلك ، وحرص النيسابوري جاهدا على تعرف هذا السياق الداعي إلى التغيير ، ونبه عليه لما له من أهمية في بيان المعنى المراد .
9 - أما المصاحبة المعجمية فقد تناول النيسابوري بعضا من مظاهرها وأشكالها الحديثة ؛ وإن كان قد نبه على نوع آخر يمكن أن يطلق عليه بـ ( المصاحبة المعنوية ) وفيه تقوم بعض المعاني باستدعاء معان أخرى مرتبطة بها كالعلاقة بين ( القصص والأحكام والتوحيد ) ، وهي معان قد لا يربطها رابط محدد على ما هو معلوم في العلاقات النصية المعروفة ؛ لذا آثرنا وضعها تحت باب المصاحبة لا تحت باب الحبك الدلالي .
10- وعلى المستوى الدلالي ( الحبك ) كان للنيسابوري النصيب الأوفر في بيان العلاقات أو المناسبات الدلالية بين الآيات والسور ، فلا تكاد تكون العلاقة بين الجملتين أو الآيتين منفصلة - في الظاهر - حتى يسارع ببيان وجه النظم أو المعنى الجامع بينهما . لذا صرح بوجود كثير من العلاقات النصية بينها ، وقد تنوعت اهتماته في هذا المجال ففي مجال الربط بين الآيات تناول المناسبة بين الآية وما قبلها ، والمناسبة بين أول الآية وآخرها ، والمناسبة العامة بين مطلق الآيات في النص ، أما في مجال الربط بين السور فقد تناول المناسبة بين أول السورة وخاتمتها ، والمناسبة بين أول السورة وخاتمة ما قبلها ، ومناسبات عامة بين سورتين أو أكثر .
Other data
| Title | مظاهر الترابط النصي في تفسير النيسابوري ( 729 هـ ) المسمى بـ ( غرائب القرآن ورغائب الفرقان ) | Other Titles | Manifestations of coherence in the interpretation of the text Alnisabure (728 e) Job (oddity Koran and Rgaib Criterion) | Authors | سيد شوقي السيد | Issue Date | 2015 |
Recommend this item
Similar Items from Core Recommender Database
Items in Ain Shams Scholar are protected by copyright, with all rights reserved, unless otherwise indicated.