"تصوير الطيور المقدسة في الفن الهلِّيني" دراسة في رسوم الفخار

سارة سمير محمد مرسي;

Abstract


مقدمة
منذ الألفية الأولى قبل الميلاد وحتى فترة العصر الكلاسيكي فإن الطيور قد وضعت في إطار مقدس وجد في الأدب والتمثيل الفني، يظهر ذلك في إشارات هوميروس للطيور ضمن أعياد الظهور للإلهات هيرا وأثينا و ثيتيس وديميتر، ويبدو أن تلك الإشارات من العصر الحديدي لهوميروس قد استوحيت من طيور أعياد الظهور في الفن في العصر البرونزي، أما اريستوفانيس فقد زعم أن الطيور كانوا أسياد وملوك الأرض قبل الآلهة، فحكم الديك الفرس وحكم طائر الحدأة الإغريق وكانت طيور الوقواق ملوكًا على مصر وفينيقيا، ثم جاءت الآلهة لتنتزع سلطانهم.
وإن كان زعم أريستوفانيس مجرد إشارات ساخرة لمكانة الطيور في المعتقد الإغريقي، فهناك ما هو أبعد من ذلك حيث يعتقد البعض أن الطيور قد عبدت في بلاد الإغريق القديمة ضمن عدد من الحيوانات في مرحلة مبكرة من نشأة الديانة، ومنهم Fairbanks الذي رأى أن الطيور المرتبطة بالآلهة لم تكن مجرد رموز لها بل كانت مكافئًا لها في العبادة، ويذكر Burkert أن الآلهة الإغريقية الشبيهة بالبشر كانت في الأصل آلهة حيوانية عبدت في البداية ولكنها تحولت فيما بعد للأشكال البشرية وانعكست الهيئة الحيوانية في القرابين المقدمة للمعبود مثل الثور لزيوس وبوسيدون والظبي لأرتميس، وبذلك فإن الإله مطابق لضحيته، كما يظهر هذا التطابق من خلال التحولات الحيوانية للآلهة والتي روتها الأساطير، وأيضًا يعد تحويل التضحية البشرية التي سادت منذ القدم إلى الحيوانية داعمًا لذلك، وفي المقابل يرى Rouse أنه لم تكن هناك عبادة للطيور أو الحيوانات من مخصصات الآلهة، ولكن كانت تعبر عن قوة الإله التي يتشارك فيها معها، مثل ثعبان اسكلبيوس في شفاءه ولعنته، ولم تكن الحيوانات المرافقة للمعبود مكافئة له أو مساوية له في المكانة المقدسة.
وتقودنا جميع الآراء السابقة إلى البحث عن معنى التقديس للكائن المرافق للمعبود، خاصة الطائر، الذي يبدو أنه حظي بمكانة فاقت الحيوانات الأخرى، وهو ما نستنتجه أدبيًا من إشارات هوميروس وأريستوفانيس، وفنيًا من خلال مشهدين من رسوم الفخار الهليني يعودان للقرن الخامس ق.م.، أحد ألمشاهد يصور كاهنًا يتقدم بقربان حيواني إلى مذبح يقف عليه طائر بوم ضخم صورة (46)، والثاني تتوجه فيه سيدة، ربما أرتميس لتقدم إناء فيالي وفرع نباتي على مذبح يقف عليه طائر الغراب، ويظهر كل من الطائرين بشكل به هيبة وشموخ وكأن القربان مقدم إليه صورة (93)، قد يحمل المشهدان إجابة للتساؤل عن المنزلة التي اتخذتها الطيور المقدسة في الديانة الإغريقية، فالقربان لا يقدم سوى لإله وهذا يعني أن الطائر على المذبح ربما يكون قد تم تأليهه، أو مصور هنا بدلًا من المعبود وبالتالي فهو مكافئ له مما يؤدي إلى نفس النتيجة أيضًا، كما أن الشخص الذي يقدم القربان في مشهد البوم هو كاهن وفي مشهد الغراب أرتميس مما يزيد من قدسية الوضع، ولكن ندرة مثل تلك المشاهد بين عدد يصعب حصره من نماذج تصوير الطيور، بالإضافة إلى عدم وجود أي طقوس أو مراسم لهذه العبادة قد وردت في المصادر الأدبية أو صورها الفن كل ذلك يقف حائلًا بيننا وبين الجزم بأن الطيور كانت من بين ما عبده الإغريق خاصة في الفترة الهلينية.

شكل (1) شكل (2) كاهن يقدم قربان حيواني إلى مذبح أرتميس تقدم إناء فيالي وفرع نباتي يقف عليه طائر البوم على مذبح يقف عليه غراب (انظر الكتالوج صورة 46) (انظر الكتالوج صورة 93)

وسواءً كان أي من الآراء المتناقضة سابقة الذكر صحيحًا، فهناك نتيجة هامة وهي أن الطيور قد حظيت بمكانة مميزة في الديانة الإغريقية القديمة، وإن كانت لم تصل إلى مصاف الآلهة، فإنها فاقت كونها مجرد رموز لها، فهي بين ذلك وذاك. فيذكر هوميروس أن الطيور هي رسل الآلهة للبشر، حيث إن الحرية من سيطرة الإنسان وإمكانية الوصول إلى السماء قد ربطتها بالآلهة التي تعيش هناك، فكانت الوسيلة لمعرفة إرادة الآلهة من خلال ملاحظة طيرانها، فأصبحت الطيور أهم العناصر التي تم الاعتماد عليها لمعرفة الطالع والفأل، وكانت كلمة طائر في اللغة اليونانية القديمة O)/rnij ترادف كلمة فأل أو طالع، واتخذت مراقبة ورصد الطيور كأهم وسائل التنبؤ والتنجيم التي تخصص فيها بعض الأشخاص، وعرف عن هؤلاء براعتهم في التنبؤ بمشيئة الآلهة من خلال صياح الطائر واتجاه طيرانه فإن كان إلى اليمين يكون الطالع جيدًا، وإن كان إلى اليسار فيكون طالع شؤم، وبالفعل كان للطيور دور هام في هذا المجال برز أثناء حب طروادة، حيث نبأت الطيور بانتصار الإغريق وسقوط مدينة طروادة.
وبناء على ذلك فكانت الطيور الأكبر حجمًا بما يكفي لملاحظتها وخاصة الطيور الجارحة الأقوي الأقدر على التحليق والاقتراب من السماء هي الأكثر أهمية من الناحية القدسية من الطيور الأخرى التي تطير في أسراب، أو غير القادرة على الطيران، ولكن لا ينفي ذلك المكانة الكبيرة لتلك الطيور ولكنها تأتي في المنزلة التالية للطيور الجارحة، ويعد دليلًا على ذلك ارتباط زيوس "ابو الآلهة" بالعقاب، وأثينا ربة الحرب بالبوم، وأبولو معبود الفن والشباب والموسيقى بالصقر، وهي أهم الآلهة الإغريقية، ولكن حظيت طيور غيرها أيضًا بمكانة كبيرة من خلال صفات أخرى ميزتها بخلاف الطيران، مثل الديك الذي ارتبط بعدد كبير من الآلهة وحظي بالعدد الأكبر من نماذج التصوير على الفخار والتمثيل في الفنون الأخرى، ويبدو أن الهيئة الطيرية نفسها كانت أحد أسباب تقديس الطيور، خاصة الأجنحة التي ميزت جميع الطيور سواء القادرة على الطيران أو الطيور الأرضية، فهذا الجزء كانت له إيحاءات روحية خاصة في ديانات العالم القديم وهو مايدل عليه استخدامه كجزء أساسي للحيوانات الخرافية والكائنات المركبة التي ابتدعتها العقلية اليونانية، فقلما يخلو أحدها من الأجنحة، مثل أبو الهول والسيرينيات والجريفين.
وهذه المكانة الكبيرة للطيور انعكست فنيًا في عدد لا حصر له من نماذج التمثل في الفن الإغريقي وخاصة التصوير على الفخار، وعلى الرغم من ذلك لا توجد دراسة شاملة تتناول تلك الأمثلة من الناحية الفنية، وربما وجدت بعض الدراسات التي شملتها من الناحية الدينية أو الأدبية، ولكنها لم تكن مجمعة ولم تشمل أي ارتباط بين الشكل الفني والجانب الفكري والعقائدي الذي كان عاملًا مؤثرًا بالمقام الأول في تناول تلك الطيور في الفن وكيفية تصويرها بالإضافة إلى الجانب الطبيعي للطائر، فلا يمكن تكوين فكرة كاملة عن الطائر المصور إلا بدمج


Other data

Title "تصوير الطيور المقدسة في الفن الهلِّيني" دراسة في رسوم الفخار
Other Titles The Representation of the Sacred Birds in Hellinc Art Study in Pottery Paintings
Authors سارة سمير محمد مرسي
Issue Date 2015

Attached Files

File SizeFormat
G8746.pdf791.82 kBAdobe PDFView/Open
Recommend this item

Similar Items from Core Recommender Database

Google ScholarTM

Check



Items in Ain Shams Scholar are protected by copyright, with all rights reserved, unless otherwise indicated.