" آليَّات تجديد النَّسق النَّظريِّ الخَلْدُونىِّ في علم الاجتماع " "دراسة تحليلية"

محمود فتحى عبدالعال أبودوح;

Abstract


مقدمة عامة :
مثّلتْ أفكار ابن خلدون نسقًا مرجعيًا لعلم الاجتماع شأنها فى ذلك شأن أفكار وإسهامات العديد من الآباء المؤسسين لعلم الاجتماع ؛ إذ جاءت افكاره برؤية علميّة رصينة حول التاريخ والمجتمع ، تضمنت تأكيدًا على ضرورة دراسةً المجتمع دراسة علمية كمدخل مهم لفهم الحقيقة التاريخية والوصول إليها ، وقد قاده ذلك الى وَضْعِ علمٍ جديدٍ حدد له موضوعه ووضع قواعده المنهجية كأداةٍ علميةٍ كاشفةٍ وشارحةٍ للوقائع والحقائق الاجتماعية أطلق عليه " علم العمران البشرى " والذى يوازاى فى مضامينهِ المعرفية البدايات الأولى لعلم الاجتماع ، وبالرغم من ذلك إلا أن الإعلان الأشهر عن علم الاجتماع جاء عن طريق " أوجست كونت " الذى وضع العلم فى إطاره الأكاديمى كعلم مستقل _ وَفْقًا لنظامٍ متسلسل للعلوم جعل (كونت) قاعدته الرياضيات وآخِرَهُ علم الاجتماع ( ) تحقق استقلاله عن الفلسفة خاصة بعد ما امتلك العلم عناصر أساسية كونت له ثالوثًا محكمًا مثلتْ صكا يشير إلى استقلاليته ؛ إذ تمثلت هذه العناصر فى وجود موضوع يُدرُسُه العلم وهو الظاهرة الاجتماعية و أدوات منهجية تعينه على دراسة هذه الظواهر و أُطُر نظريّة تساعده على تفسير وفهم ظواهر المجتمع فى ترددها واختفائِهَا.
والمتأمّل لتلك العناصرِ يجد أنها شديدة الترابط والإحكام فكلاً منها يؤثّر فى الآخَر ويتأثر به ، وبالرغم من أن هذه العناصر قد حققت للعلم استقلالية ما وخلقت له رؤية سوسيولوجيّة فـعليّة " إلا أن الـعلم ظل فى نسقه المفهومى شديد الاعتماد على الفلسفة ". ( )
وفى ضوء ذلك انطلق رواد العلم منذ النشأة إلى التأكيد على أن العلم كى يمتلك عناصر بقائِهِ
واستمراريته، ويخلق لنفسه صفة وشخصية متفردة بين العلوم الاجتماعية، كعلم يهتم بدراسة المجتمع الإنساني لابد وأن يعتمد على أدوات منهجيّةٍ تمثل أساسًا ينطلق منه نحو دراسة المجتمع، شريطةَ أن تحقق له الموضوعيّة والحياديّة التامّة فى رصد الوقائع والتعامل معها ، وفى ضوء تلك الخلفية " درج العلم منذ نشأته على دراسة الآخَرين وَفْقَ معايير الموضوعيّة والحياديّة وهى المنهجيّة التى نُقِلَتْ إليه عن العلوم الطبيعية فى الفترة التى عاصرت نشأته ، وهو النقل المنهجى الذى أوقع علم الاجتماع فى خطإٍ مازال يعانى منه حتى الآن ، وهو الخطأ الذى يتمثل فى اختلاف مادة علم الاجتماع والعلوم الإنسانية جميعًا عن المادة التى تتناولها العلوم الطبيعية ، فالمادة الطبيعية هى بطبيعتها مادة متجانسة، خارجُها مثلُ داخلِها ، ومِنْ ثَمَّ فإن إدراكَهَا من الخارج مثل إدراكَهَا من الداخل بعكس مادة علم الاجتماع( ).
ومن ثَمَّ يمكن القول بأن هذا النقل المنهجىّ قد سبب عجزاً لعلم الاجتماع تمثَّلَ فى عدم قدرته على إدراك الإنسان من داخله، أي إدراك ذاته المتميزة عن غيرها، وإدراك المعانى التى تخلعها على الموضوعات ، ومن ثَمَّ فإن علم الاجتماع وإن حقق تراكمًا معرفيًا هائلاً ووصل إلى قوانين وقضايا بشأن المجتمع توهم صدقها حسبما تذهب المعايير التقليدية للمنهج العلمى ، إلا أنه وجد نفسه فى النهاية عاجزًا عن الضبط الكامل لتفاعله وتحديد اتجاه حركته فى المستقبل؛ ونتيجةً لذلك أدرك الباحثون فى علم الاجتماع أنهم الآن فى أزمة ، وقد وضّحْتُ أهم ملامح وأبعاد هذه الأزمة فى:
 حدوث فجوة بين البنية التصورية للنظرية فى علم الاجتماع ، والحالة التى عليها تفاعل العناصر الواقعية فى العلم ؛ وقد سبب ذلك النقل المنهجى الخاطئ.
 تعرض البنية التصورية للعلم للتغير بفعل متغيرات عديدة: (منها ما هو واقعى ومنها ما هو خاص بالعلم ذاته والمشتغلين به) الأمر الذى أدى إلى عجزها عن الوصول إلى مقولات نظرية تمتلك قَدْرًا من الثبات النسبىّ لفهم الظواهر والتفاعلات الواقعية.
 ترتب على ذلك أن الإنجازات التى تحقَّقَتْ تاريخيًّا لعلم الاجتماع وحتى الآن كانت فى أغلبها إنجازات فى الاتجاه الخطأ ، إذ تجسدت الأزمة فى أن النتائج التى وصل إليها علم الاجتماع لا تساوى قيمتها قدر الجهود التى بذلت تاريخيًّا للوصول إليها. ( )
والمتأمل لما سبق يجد أن الأزمة التى تغلّف علم الاجتماع، والتى تكمن فى بِنْيته الداخلية قد تفاقمت وبلغت أَوْجَها فى نهاية القرن المنصرم وبداية القرن الحالى؛ لتفرز تأكيد مُفاده: " الانحسار الجزئى للمضامين النظرية والمنهجية للعلم، والتى يعتمد عليها فى قراءة وتفسير الواقع ، وضعف قدرتها على فهم وتفسير الظواهر الاجتماعية ومعالجتها بطرق تولد فهمًا حقيقيًا لما يحدث ، وما سوف يحدث ، وقد دعم ذلك وساعد عليه " جملة التحوّلات الواقعية والفكرية الشاملة التى وقعت على ساحة النظام العالمىّ المعاصر، والتى تزامن وقوعها مع نهاية قرنٍ وبداية قرن جديد ، إذْ شكلت هذه النهاية والبداية جوهر الومضة التاريخية التى يتحول عندها التراكم الكَمّىُّ إلى واقع كيفى جديد ، بحيث فرضت هذه التحولات ذاتها – لكثافتها - واقعًا متجسداً عاشت المجتمعات أحداثه وتفاعلاته - ومازالت - والتى أصبحت مؤشراً لنهاية تاريخٍ وبداية تاريخ جديد ؛ وذلك لكون التحوّل الشامل الذى حدث لم يقتصر على تغيرِ نظامٍ عالمى قديم ؛ ليحل محله نظام عالمى جديد ، بل تغير النظام العالمى فى واقعه وفى ثقافته وحتى فى مقولات إدراكه ، حيث ألقت التغيرات التى وقعت بظلال الشك على مقولات الإدراك التى اعْتُقِدَ لقرون خَلَتْ أنها ثابتة ". ( )
وقد ساهم ذلك فى تدعيم زعزعة الثقة فى القيم والمُثل التى دعا إليها عصر التنوير ، مثل: العقل والحرية والمساواة، وقد ترتب على ذلك انهيار أوهام الحداثة ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ساهمت تلك التحولات فى تعميق الإشكاليات المعرفية داخلَ علم الاجتماع ، كتلك المتعلقة بكفاءة النظرية فى وصف وتفسير الواقع إذْ أثبتت هذه التحولات عدم كفاءة النظرية فى فهم الواقع ووصفه وتفسيره ، وعدم قدرتها على تلمس المعطيات الواقعية والإمساك بتلابيب الواقع المتغير الأمر الذى قاد إلى التشكيك فى مصداقية العلم انطلاقاً من كون النظرية تُعَدُّ دالةً على نضج البناء الفكرى للعلم. ( )
كل ذلك مثل المرجعية العامة لتيار " ما بعد الحداثة (•)" داخل علم الاجتماع ذلك التيار الذى ساهم فى ضوء افتراضاته النظرية والمنهجية فى تعميق الأزمة داخل العلم ؛ إذْ انه ساهم فى الإعلان عن انهيار النماذج الكبرى داخل العلم وقد انبثق عن ذلك تأكيدٌ مُفادهُ "أن التغيرات العميقة فى بنية المجتمع العالمى أدت إلى سقوط النماذج القديمة فى العَلاقات الدولية وعلم السياسة وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد ، وبرزت الحاجة إلى صياغة نماذج جديدة لوصف العالم وتفسير ظواهره المتعددة وخصوصًا بعد بروز العولمة وتجلياتها السياسية والاقتصادية والثقافية والاتصالية. ( )
ولقد دفع ذلك كله التنظير الاجتماعى ؛ بل وعلم الاجتماع إلى أن يتأمل ذاته و أوضاعه ، شريطة أن يكون هذا التأمل مهتمًّا فى مقامه الأول بالبحث عن سُبُل الخروج من الأزمة أو الأزمات التى مر بها التنظير الاجتماعى وذلك لتقديم حلول تساعد على استمرار خصوبة وفاعلية هذا التنظير وكفاءته وقدرته على فهم واقعه العالمى الجديد. ( )
ومِنْ ثَمَّ فإن الحاجة إلى صياغة نماذج جديدة لوصف الواقع وفهم تفاعلاته قد أفسحت المجال لِقَبُولِ أُطُر نظرية وتفسيرية ذاتِ خصوصياتٍ متنوعةٍ بغض النظر عن النسق المرجعىّ المغذى لها
أو المرجعية الفكرية التى تنطلق منها ، فالمُهم هنا أن تكون لديها القدرة الكافية كى تفرزَ إبداعاتٍ فكريًة تتلائم مع طبيعة البحث فى علم الاجتماع ، ويكون من شانها أن تتحمل عبء التطوير داخل العلم أو تساهم فى المشاركة فى تجديد العلم .
والمتأمل لذلك يجد أن ما يحتاج إليه العلم من تأمل يدفع إلى التجديد كمخرج أساسىّ له من أزماته المتلاحقة هو ما دعا إليه ابن خلدون فى نهاية كتابته للمقدمة ؛ إذْ إنه حث على ضرورة تأمل ما كتبه بهدف الوصول إلى معانٍ وغايات أخرى داخلَ نسقه الفكرى، قد يكون من شأنها أن تتحرك بالنسق بشكل يضمن إستمراريته ويحافظ عليه من الاندثار ؛ إِذْ أكد ذلك بقوله " وقد استوفينا من مسائله ما حسِبناه كفاية ، ولعل مَنْ يأتى بعدنا ممن يؤيده الله بفكر صحيح وعلم مبين يغوص فى مسائله على أكثر مما كتبناه ، فليس على مستنبط الفن إحصاءُ مسائله ، و إنما عليه تعيين موضوع العلم وتنويع فصوله، وما يتكلم فيه ، والمتأخرون يلحقون المسائل من بعده شيئًا فشيئًا إلى أن يكمل.( )
كل ذلك يقود إلى القول بضرورة التجديد داخل العلم ، إذْ إِن إخراج العلم من أزماته لن يتأتى إلا فى ضوء فكرة التجديد تلك الفكرة التى تساعد على تأمل التراث السوسيولوجىّ بطريقة منهجية بهدف الوصول إلى مضامين نظرية ومنهجية قد تفتح آفاقًا رَحْبة أمام تطوير العلم عامةً ، والنسق خاصةً ، ومِنْ ثَمَّ تحاول الدراسة الحالية الانطلاق إلى فكرة التجديد فى ضوء متصل نظرى ومنهجى يَحْوى بين طَيّاته خُلاصة ما توصل إليه الفكر الغربى فى عملية تجديد النسق - ولا يقتصر الأمر هنا على المحاولات القديمة فقط ، وإنما يشتمل الأمر على الأُطروحات الحديثة أيضًا - وتطبيقها على نسق نظرىّ له خصوصيةٌ ثقافية ذاتُ طابعٍ عربى وهو النسق الخلدونىّ ، ذلك النسق الذى يمتلك من الخصائص البنائية ما يجعل منه نسقًا فكريًا خصبًا من الممكن أن نستنبط منه ما يساعد على إخراج العلم من كَبْواتِهِ المتلاحقة ، شريطةَ أن تُراعِيَ عمليةُ التجديد خصوصيةً النسق الثقافية ( أى السياق الذى ظهر فى ضوئِهِ ) والبنائية _ أي الحفاظ على بنيته الأساسية وعدم المِسَاس بالأصل . وفى ضوء ذلك ، فإن تجديد النسق الخلدونىّ فى ضوء فهم الدراسة يمكن أن يَتم من خلال تطوير مفاهيم النسق وإدخال بُعْدٍ جَديدٍ لها سواء أكان ذلك عن طريق تعديل التوجّه النظرىّ للمفاهيم أو من خلال توسيع الدلالات المعرفية للمفهوم بما يُتيح استخدمات متعددة للمفاهيم ، ويسمح بإعادة إنتاج قضايا النسق فى ضوء الوضعية الجديدة للمفاهيم ، وتتبنى الدراسة الحالية هذا الاتجاه ، والمتمثل فى تجديد وتطوير منظومة المفاهيم داخل النسق ووضع تصور لتجديد منظومة المفاهيم ، وذلك فى ضوء عدد من الاعتبارات :
 إن المفاهيم هى المدخل الحقيقىّ لتشكُّلِ النظرية وبنائها ومِنْ ثَمَّ فإن العمل على وضع تصور لتجديد المفاهيم قد يساعد على تطوير وتجديد النسق وقضاياه .
 إنّ تجديد المفاهيم يساعد على فتح آفاق معرفية جديدة تفسح المجال أمام تجديد القضايا مما قد يساهم فى إعادة صياغة النسق الخلدونىّ.
وقد مثل ما سبق المرجعية الأساسية لإشكالية الدراسة والتى ولدت لها قضاياها الأساسية التى مثلت جوهر الإشكالية ،وقد تمثلت هذه القضايا فى :-
 " إن الواقع الاجتماعى والحضارى قد تطور بشكل تجاوز فيه نسق الأفكار وطَرْح متغيرات واقعية جديدة أثبتت باستمرار تخُّلف الأفكار عن متابعة تفاعلات الواقع وعجزها عن تقديم حلول ناجحة لمشكلاته ، وقد ساهم ذلك فى أنْ تصبح التطورات الواقعية ظرفًا ضاغطًا يفترض تجديد نسق الأفكار حتى يصبح متلائمًا واحتياجات التفاعل الواقعىّ. ( )
 إن السياق العالمىّ بتفاعلاته الواقعية والتى تفرز باستمرار متغيرات جديدة كانت سببًا مباشرًا فى أن يتجاوز الواقع نسق الأفكار.
 إن عملية التجديد هى ضرورة معرفية تفرضها أزمات العلم المتلاحقة وعدم قدرته على مسايرة وفهم ما يحدث فى الواقع.
 إن الآليات التى من شأنها أن تعمل على إضفاء صِيَغٍ تجديدية على النسق ككل أو لجزء منه لإخراجه من كَبْواتِه وأزماته ، تمخَّضت بشكل أساسىّ عن عددٍ من المحاولات التى سجلها تاريخ العلم والتى عَمِلت على تجديد النسق النظرىّ عموما سواء كان وراء ذلك أهداف أيديولوجية أم لا.
 إن آليات التجديد تكمُن فى العلم ذاته ؛ إذ إن تأمل تاريخ العلم يثبت أن هناك آليات تدفع باستمرار على تقدم العلم وتطوره .
 إن الانحسار الجزئىّ للمضامين النظرية والمنهجية لعلم الاجتماع الغربىّ قد أفسح المجال للاعتماد على أُطُر نظرية وتفسيرية أخرى ذات خصوصيات فكرية متنوعة.
وفى ضوء ما سبق يمكن ترجمة إشكالية الدراسة الحالية فى مجموعة من التساؤلات الرئيسية والتى مثلت فى ذات الوقت انعكاسًا لقضايا الدراسة وأهدافها :
 ماذا يعنى مفهوم التجديد ؟ وما المضامين والدلالات المعرفية التى يحتوى عليها ؟وما الفرق بينه وبين المفاهيم ذات الدلالات التجديدية الأخرى وما العلاقة بينها ؟ وما ماهية النسق الخلدونى ؟
 ما المتطلبات المعرفية التى ساهمت فى بروز الدعوة لتجديد النسق النظرىّ الخلدونىّ داخل علم الاجتماع ؟
 ما جملة الآليات التى من شأنها أن تضفىَ صيغًا تجديدية على النسق النظرىّ فى علم الاجتماع ؟وهل نبعت هذه الآليات من داخل العلم ام من خارجه ؟
 هل كان للتراث الثقافىّ والعلمىّ قبل ابن خلدون تأثير فى بلورة نسقه النظرى ؟ وما موقف ابن خلدون من التراث السابق عليه قطيعة أم تواصل ؟ وهل كانت طريقة تعامله مع التراث السبيل لخروجه برؤية إبداعية على المستوى النظرىّ والمنهجىّ فى معالجته للوقائع والأحداث ؟
 ما الأسس المنهجية التى قام عليها النسق الخلدونى وحددت رؤيته تجاه الواقع الاجتماعى؟ وما قواعد المنهج التى طرحها ابن خلدون كمرجعية أساسية للممارسة العلمية للباحثين فى تناول الأخبار والأحداث؟ وهل تتناسب هذه القواعد مع طبيعة المادة التى كان ابن خلدون بصدد معالجتها وتفسيرها ؟
 ما المقولات النظرية التى احتوى عليها النسق الخلدونى ؟ وهل استطاع النسق تفسير عملية التفاعل الاجتماعى والسياسى فى المجتمع؟ وما مدى ملامسة هذه المقولات للواقع الذى عايشه ابن خلدون ؟ما العلاقة بين الأحداث الواقعية التى عايشها ابن خلدون وميزت عصره وبناء نسقه النظرى من حيث مقولاته النظرية وموقفها من هذه الاحداث ؟
 هل يمكن تطبيق آليات التجديد على أحد مفاهيم النسق الخلدونىّ؟ هل يتم إعادة إنتاج المفهوم من داخل النسق ذاته أم بإضافة عناصرَ خارجةٍ عنه ؟ وما العناصر المتبعة فى ذلك ؟
 تعتمد الدراسة الحالية فى تناولها لموضوع التجديد على المادة النظرية المتمثلة فى مجموعة البحوث والدراسات الأجنبية والعربية التى تناولت موضوع تجديد النسق النظرى فى علم الاجتماع مستخدمة فى ذلك :
 منهج التحليل النظرىّ :وذلك لربط الأفكار بمُسلماتها الفكرية والتأليف بين القضايا النظرية بهدف الوصول إلى الفرضيات والقواعد العامة والمشتركة والمتعارف عليها داخل علم الاجتماع فى عملية التجديد والكشف فى ذات الوقت عن جملة الآليات التى تشكل الأساس الجوهرىّ لتجديد النسق النظرى فى علم الاجتماع والتى انبثقت عن جملة المحاولات التى سُجّلت تاريخيًّا داخل العلم.
 منهج التحليل التاريخى : وذلك لكونه يُمكّن من الوصول إلى الأصول الأولى والبداية التاريخية لفكر ابن خلدون ، مما قد يساعد الدراسة على فهم تراث ابن خلدون وإيضاحه واستيعاب دلالاته والوقوف على أبعاده المختلفة ، مما قد يساهم فى التعرف على الطرق المنهجية التى قام فى ضوئها ابن خلدون ببناء مفاهيم وقضايا نسقه المختلفة ، انطلاقًا من أن تجديد الشيء يستوجب منطقيًّا فهم الطريقة التى بنى بها حتى يمكن الحفاظ على الأصل، كما يستوجب أيضًا الوعى التام والفهم التام بالنسق المراد تجديده وفهم مُعضلاته النظرية والمنهجية ، الأمر الذى ييسر على الدراسة معرفة أهم الجوانب الخَصِبِة فى فكر ابن خلدون ، والتى من الممكن أن تكون نواه للتجديد بداخله ، كما أن ذلك يساعد أيضًا فى ما إذا كانت عملية التجديد سوف تتم من داخل النسق ذاته أم بإضافة بعض العناصر الخارجة عنه مع الأخذ فى الاعتبار، محافظتِها على الأصل .
وتحاول الدراسة تحقيق ذلك بالنظر إلى إطار تحليلى يحتوى على ثلاثة أبعاد رئيسيّة :
 البعد المعرفى : ويتركز فى تحديد طبيعة السياق الاجتماعىّ والفكرىّ والذى كان وراء بزوغ الدعوة إلى تجديد النسق النظرىّ فى علم الاجتماع ، وتوضيح العلاقة بين التفاعلات الكائنة بالسياق الاجتماعىّ وبين كفاءة النسق فى قراءة وفهم الواقع وتوجيه تفاعلاته.
 البعد النظرىّ : ويتركز فى معرفة أهم الفرضيات والمسلمات المتعارف عليها داخل العلم فى تجديد النسق والتى يتولد عنها الشروط الواجب توافرها فى عملية تجديد أي نسق نظرىّ داخل علم الاجتماع .
 البعد المنهجى : ويتحدد فى معرفة الأساليب والإجراءات المنهجية التى تعمل على
تجديد النسق .
وفى ضوء ما تقدم تسعى الدراسة لتحقيق أهدافها والإجابة عن تساؤلاتها، وذلك من خلال تقسيم الدراسة الى سبعة فصول :
الفصل الاول : " مفاهيم الدراسة " رؤية تحليلة"
انطلقت الدراسة فى هذا الفصل من تأكيد مفاده " ان توضيح مفاهيم الدراسة ضرورة معرفية يقتضيها التوجه العام للدراسة " فجاء تناول الفصل لجملة من المفاهيم التى تتشابك وتتداخل مع موضوع الدراسة وكان من أهمها مفهوم الآلية ومفهوم التجديد كمفاهيم اساسية للدراسة بهدف الكشف عن المضامين المعرفية ،إذ إن ذلك يعد المدخل الحقيقى لفهم قضايا الدراسة ، كما عمدت الدراسة الى تناول المفاهيم المرتبطة بالتجديد كمحاولة لازالة الخلط بينها وبين مفهوم التجديد ولتوضيح موقع التجديد بينها ، كما اقتضت طبيعة الموضوع التعرض لمفهوم النسق النظرى وماهية النسق الخلدونىّ.
الفصل الثانى : المتطلبات المعرفية لتجديد النسق النظرى فى علم الاجتماع.
انطلقت الدراسة فى هذا الفصل من تأكيد " مفاده إ" ن توضيح وتحديد الضرورات والمتطلبات المعرفية لتجديد النسق النظرىّ الخلدونى فى علم الاجتماع يعطى للدراسة عمقها واهميتها" ؛ لذلك جاء الفصل ليتناول متطلبين او ضرورتين لتجديد النسق الخلدونىّ ؛وهما المتطلبات العلمية والمتطلبات الثقافية ، إذ إن تحديد المتطلبات يُعَدُّ دعوةً مباشرة للجماعة العلمية لتأمل فكر التجديد والتعرف على استراتيجياته وأبعاده
الفصل الثالث :" آليات تجديد النسق النظرىّ فى علم الاجتماع "
تراءى للدراسة فى هذا الفصل تناول أهم الآليات التى ظهرت داخل العلم الاجتماعىّ لتجديد العلم عامةً والنسق خاصة ، فجاء الفصل منقسمين إلى قسمين من الآليات ، قسم تطرق إلى تفنيد الآليات التى حاولت تجديد رؤية العلم الاجتماعىّ تجاه الوقائع ، والأخر تطرق إلى أهم الآليات التى طرحت لتجديد المفاهيم .
الفصل الرابع : القطيعة المعرفية مع التراث الفكرى " نحو بناء منهجية خلدونية لفهم التاريخ والعمران".
وتحاول الدراسة فى هذا الفصل التعرّف على موقف ابن خلدون من التراث الفكرى السابق عليه سواءً كان هذا التراث تراثاً عربياً أم تراثاً غربيا ً وإنعكاس ذلك على الفهم الخلدونىّ للتاريخ من ناحية وفهمه لواقع المجتمع الذى عايشه وتفسيره له من ناحية أخرى ، فجاء الفصل ليغطى مستويين من القطيعة؛ مستوى القطيعة المحدودة مع التراث الفكرى العربى ، و مستوى القطيعة الكلية مع التراث الغربى متمثلاً فى المنطق القديم .
الفصل الخامس : البناء المنهجى للنسق الخلدونى رؤية تحليلة .
يعرض هذا الفصل لأهم المقولا ت المنهجية التى يتكىءُ عليها النسق الخلدونىّ فى دراسته وفهمه للواقع الاجتماعى ، والتى أعطت النسق قدرة على تشكيل رؤية منهجية خاصة به فى فهم المعطيات الواقعية ، كما سعت الدراسة فى هذا الفصل إلى التعرف على أهم القواعد المنهجية التى وَصّى بها ابن خلدون الباحثين الالتزام بها فى دراسة الوقائع والاحداث ومثلت قواعد للمنهج لديه .
الفصل السادس : البناء النظرى للنسق الخلدونىّ رؤية تحليلة
تحاول الدراسة فى هذا الفصل التطرق إلى أهم مقولات البناء العينى للنسق الخلدونى ؛ بهدف الكشف عن تصور ابن خلدون عن التفاعل الواقعى الكائن بين الفرد والمجتمع ، وكذلك تحديد القضايا الرئيسية والتى يشتق منها باقى قضايا النسق النظرىّ، وتحاول الدراسة فى هذا الفص أيضاً الكشف عن جوهر البناء النظرىّ الخلدونىّ بهدف تكوين صورة عامة عن النسق ومفاهيمه وقضاياه مما يساعد الدراسة على تحديد وجهتها فى عملية التجديد.
الفصل السادس " إعادة إنتاج مفهومم العصبية "
تحاول الدراسة فى ضوء ما تحقق لها من إجراءات منهجية تدعم عملية التجديد تطبيقها على مفهومِ العصبية كنموذج تطرحه الدراسة فى محاولة منها لفتح آفاق رَحْبةٍ لعملية التجديد تكسر بها الحاجز المعرفىّ أمام الباحثين .


Other data

Title " آليَّات تجديد النَّسق النَّظريِّ الخَلْدُونىِّ في علم الاجتماع " "دراسة تحليلية"
Other Titles Mechanisms of Renovating the Khaldounian theoretical Layout in Sociology: An Analytical Study
Authors محمود فتحى عبدالعال أبودوح
Issue Date 2017

Attached Files

File SizeFormat
J 787.pdf3.15 MBAdobe PDFView/Open
Recommend this item

Similar Items from Core Recommender Database

Google ScholarTM

Check

views 2 in Shams Scholar


Items in Ain Shams Scholar are protected by copyright, with all rights reserved, unless otherwise indicated.