الحماية المدنية للمضرور من حوادث المركبات الآلية "دراسة مقارنة بين القانون المصري والقانون الليبي"

عبد الرحيم معمر عبد السلام الجابري;

Abstract


أدى التقدم التقني الذي نشهده في هذا العصر، وما صحبه من تطورات علمية، وفنية، ونهضة صناعية غير مسبوقة في مجال التكنولوجيا، وخاصة في صناعة الآلة، والتي من ضمنها المركبات الآلية( )، إلى جعل هذه المركبات ضرورة ملحة فرضت نفسها على الساحة الواقعية، فهي نعمة سخرها الله للإنسان في هذه الحياة، إذ يقول الله تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾( )، وقد أصبحت تمثل في الوقت الحالي حاجة أساسيةمثل المأكل، والملبس، والمسكن، وليس بالسهل الاستغناء عنها، ففي ظل الحاجة إليها تكون النتيجة هي ازدياد عددها على الطرقات، وهو ما يشكل خطراً على الإنسان؛ حيث إن استعمالها ينطوي على خطورة لا تخفى على أحد، وخير دليل ما أثبته الواقع العملي من أن حوادثها تتسبب بأضرار لا تعد ولا تحصى، لذلك نجد أن معظم الدول تحرص منذ البداية على تأهيل كل من يريد قيادة هذه المركبات، ونظمت لذلك القوانين، واستلزمت رخص قيادة لمن أراد استعمالها على الطرقات العامة، إلا أن الأمر لم يكن بهذه السهولة، ولم يكن وردياً بلون الزهر، بل كان في الكثير من الأحيان ممزوجاً بلون الدم، وحزن الأهل، وذلك لما ينتج عن استخدام هذه المركبات من حوادث تؤدي إلى أضرار لا يحمد عقباها، فلا يمر يوم إلا ويقع حادث، وتشرب بسببه رمال الطرقات من دم ضحايا هذه الحوادث.
وأسباب حوادث المركبات الآلية عديدة، منها قيادة المركبة الآلية بدون خبرة، وعدم اتخاذ عوامل الحيطة والحذر من قبل السائقين، وكذلك قد تكون بسبب عدم صلاحية المركبة الآلية للاستخدام من الناحية الفنية، وحالة الطرق السيئة، وغياب رجل المرور المدرب، وقلة برامج التوعية المرورية، وسوء الإدارة من ناحية محاسبة المخطئ، وعدم وجود نصوص قانونية رادعة له، وغيرها من الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى وقوع هذه الحوادث، فحوادث الطرق لا تقل خطورة عن الحروب التي تشهدها البشرية، والتي يزداد تفاقهما يوماً بعد يوم، وبالنتيجة تزداد الأضرار المترتبة عنها؛ حيث إن هذه الأضرار، سواء أكانت بدنية أو غير بدنية، لا تنعكس نتائجها على الحياة الاجتماعية ــــ فقط ـــ وإنما تمتد إلى الميادين الاقتصادية ـــأيضاً ـــ فضحايا هذه الحوادث منهم من تصيبه إعاقة جسدية، ومنهم من يلقى حتفه تاركاً وراءه أسرة بدون عائل، وهنا ما كان على الفكر القانوني إلا بدء التفكير في إيجاد حل لمعادلة صعبة، تتمثل في أن التطور العلمي في ميدان صناعة المركبات الآلية ووسائل النقل لا يمكن أن يتوقف، وفي نفس الوقت لابد من جبر ضرر كل من تضرر بسبب استعمال هذه المركبات، وذلك من خلال إيجاد نظام قانوني جيد لحماية أرواح مستعملي الطرق، وتحسين شروط السلامة لعابريها.
ولقد حرصت العديد من البلدان على وضع تنظيم خاص للمسئولية الناشئة عن حوادث المركبات الآلية، ضماناً لحصول المضرور منها على حقه في التعويض، مثل انجلترا، والنمسا، والمانيا( )، وهذا يدل على قابلية القانون للتطور ومواكبته لكل ما يستحدث من وقائع، فقد كان يستلزم لقيام المسئولية المدنية توافر عناصرها الثلاثة وهي: الخطأ، والضرر، وعلاقة السببية، إلا أنه وأمام ازدياد المخاطر التي ترجع إلى السهو والرعونة بصورة لافتة للنظر، حتى إن الشخص شديد الحرص والانتباه أصبح لا يمكنه تفادي هذه الأخطاء، بعد أن وضعت تحت تصرفه مركبات آلية ذات إمكانيات عالية يصعب السيطرة عليها، فازداد عدد المضرورين والضحايا، وتضاءلت فرص حصولهم على التعويض بسبب صعوبة إثبات عناصر المسئولية، والتي من أبرزها الخطأ في جانب من تسبب في حصول الأضرار لهم، الأمر الذي دفع بالفقه والقضاء إلى إعادة التفكير في الأساس التقليدي الذي قامت عليه المسئولية المدنية، وهو الخطأ الثابت، بعد أن تبين قصوره وعجزه عن توفير الحماية للمضرورين، والبحث عن حلول أكثر إنسانية،وتم التوصل إلى تبني فكرة الخطأ المفترض الذي لا يقبل إثبات العكس( )، ورغم إمعان المشرع ورغبته في توفير الحماية لجمهور المضرورين من حوادث المركبات الآلية، وذلك بافتراض الخطأ في المسئولية المدنية بنوعيها ــــ تقصيرية وعقدية ــــإلا أن هذه الحماية يشوبها طول إجراءات التقاضي، وعدم إلزام المسئول بالتعويض الجابر للضرر إلا بعد صيرورة الحكم باتاً، وكذلك احتمالية تمكن المسئول عن الحادث من التخلص من مسئوليته بإثبات السبب الأجنبي، وأيضاً، حتى وإن تمكن المضرور من إثبات مسئولية قائد المركبة الآلية، فقد يصطدم بعدم قدرته على تعويضه نتيجة لإعساره، هذا إن وجد المسئول عن الحادث، وأما إذا بقى مجهولاً، فلن يجد المضرور أمامه شخصاً آخر يطالبه بالتعويض، سواء أكان معسراً أم موسراً.
فعيوب المطالبة بالتعويض وفقاً للقواعد العامة في المسئولية، هي التي دفعت المشرع إلى البحث عن نظام قانوني آخر للتعويض عن ما ينتج عن حوادث المركبات الآلية من أضرار، ويسهل على المضرور الحصول عليه بأيسر الطرق من طرف يكون في أغلب الأحيان موسراً وفي أقل وقت وبأقل جهد، ويتمثل هذا النظام في قانون التأمين الإجباري من المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث المركبات الآلية، وهو الذي تم بمقتضاه إجبار مالكي المركبات الآلية على التأمين عليها لتغطية مسئولياتهم الناشئة عن ما تسببه هذه المركبات من أضرار للغير، وكذلك منح المضرور بموجبه حق رفع الدعوى المباشرة قبل المؤمن، وزيادة في دعم هذا الحق، اعتبر المشرع أن التأمين الإجباري عن حوادث المركبات الآلية يقوم على اعتبارات عينية لا شخصية، بمعنى أن المؤمن يلتزم بتعويض المضرور من حوادث هذه المركبات أياً كان الشخص المسئول عن الحادث، طالما كان مؤمناً عليها.
وقانون التأمين الإجباري في مصر وليبيا وإن حقق نوعاً من التطور في مجال حماية المضرورين من حوادث المركبات الآلية، إلا أن هذه الحماية لم تكن كاملة؛ إذ إن التطبيق العملي لهذا القانون كشف عن بقاء عدد من المضرورين خارج هذه الحماية، ولم تشملهم التغطية التأمينية، وكذلك فإن تحديد المشرع لمسئولية المؤمن بالنسبة لمجموع مبلغ التعويض عن الحادث الواحد بحيث لا يلتزم بدفع أكثر من السقف المحددقلص من الحماية التي كان من المفترض أن تكون كافية للمضرور؛ وذلك لأن مبلغ التأمين المحدد وفقاً لقانون التأمين الإجباري قد لا يكفي لجبر ما أصاب المضرور من أضرار في بعض الحالات؛ فالمشرع مهما كان حريصاً في محاولة تغطية كل الفروض، إلا أن وجود ثغرات وعيوب تشوب القانون أمر حتمي ولا مفر منه.
وتتمثل أهمية موضوع البحث في دراسة مواطن القوة والضعف فيما أورده المشرع في كل من مصر وليبيا من نصوص قانونية بهدف توفير الحماية للمضرورين من حوادث المركبات الآلية، وكذلك إبراز الدور الذي يلعبه القانون في حماية حقوق ومصالح المضرورين من حوادث المركبات الآلية، فمن يطلع على صفحات المجلات والصحف وما ينشر فيها من إحصائيات، يعرف ما ينشأ عن هذه الحوادث من عشرات القتلى والمصابين وأصحاب العاهات في كل بلدان العالم.


Other data

Title الحماية المدنية للمضرور من حوادث المركبات الآلية "دراسة مقارنة بين القانون المصري والقانون الليبي"
Authors عبد الرحيم معمر عبد السلام الجابري
Issue Date 2017

Attached Files

File SizeFormat
V276.pdf803.64 kBAdobe PDFView/Open
Recommend this item

Similar Items from Core Recommender Database

Google ScholarTM

Check

views 2 in Shams Scholar
downloads 8 in Shams Scholar


Items in Ain Shams Scholar are protected by copyright, with all rights reserved, unless otherwise indicated.