أساليب التفكير وعلاقتها بالتفكير النقدى والتفكير الابتكارى
عبدالهادى السيد أبوزيد محمد;
Abstract
يتسم العصر الحالى بالعديد من التغيرات والتحولات: الاقتصادية ، والاجتماعية ، والثقافية ، والعلمية، والتكنولوجية ، وغيرها من المجالات ، وكل هذه التغيرات تلقى بالعبء على المؤسسات التربوية والتعليمية باعتبارها المسئولة بصفة أساسية عن بناء الشخصية القادرة على الاستفادة من تجارب الماضى، والتعامل مع مشاكل الحاضر، ومواجهة تحديات المستقبل ، هذا إلى جانب إعداد جيل من المفكرين والمبتكرين الذين ينهضون بالمجتمع ، ويعملون على رقيه وتقدمه فى شتى المجالات ، وهذا لن يتحقق لها إلا بالكشف عن إمكانيات وقدرات الطلاب والعمل على تنميتها ، ولاسيما قدراتهم على التفكير.
ويُعدُّ التفكيرُ من الموضوعات ذات الصلة الوثيقة بتغيرات العصر ؛ نظراً لأنه متداخل فى كل مظاهر وأشكال النشاط العقلى، وهو نشاط عقلى راقٍ يعكس الإنسان فيه الواقع على أساس موضوعى،... وله أهمية كبيرة فى حياته؛ لأنه يتم باستخدام الرمز ويعتمد على التجريد، وهو من أهم الوسائل التى يستعين بها الإنسان فى عمليات التوافـق والتكيف فى حياته اليومية (مجدى عزيز، 2007 : 29 – 30) . كما يُعد التفكير السمة الأساسية المميزة للإنسان(Abdi, 2012: 1719). والحاجة لمهارات التفكير لا تقتصر على مجالات العمل والتربية والتدريب فحسب ، بل نحتاجها كذلك فى مجالات أخرى كعلاقاتنا الأسرية ، والاجتماعية ، والصداقة ، وفى تكوين المعتقدات والقيم الشخصية والعامة ، وتظهر الحاجة لمهارات التفكير بشكل واضح لدى المؤسسات التى تسعى إلى تحقيق المزيد من النجاح؛ لذلك فإنها تقوم بتدريب أعضائها عليها؛ لحل المشكلات واتخاذ القرارات (Moseley, Baumfield, Elliott, Gregson, Higgins, Miller & Newton, 2005: 9).
والاهتمام بالتفكير قديما كان اهتماما بسيطا ، إذ كانت المجتمعات أكثر استقرارا ، وكان حل المشكلات واتخاذ القرارات يعتمد على ما تمليه عليهم العقيدة الدينية والأطر الأخلاقية ، ولكن بعد أن تعقدت ظروف الحياة وتشابكت المصالح والمقاصد ، لم يعد المجتمع – حاليا – مستقرا ، ويموج بالعديد من التغيرات والمتغيرات ؛ ذلك نتيجة التغيرات التى طرأت وتحققت بفعل العلم والتكنولوجيا اللذين يؤثران بشدة على تطلعات الإنسان وظروفه ، ونتيجة لذلك ظهرت الحاجة للتفكير بأساليب وطرائق جديدة ؛حيث لم تعد العادات والتقاليد والأعـراف القـديمة المتوارثة كافية لحـل المشـكلات التى يصادفها الإنسـان فى وقتـنا هـذا ( مجدى عزيز ، 2007: 54 ) . مما وجه العلماء والباحثين إلى الاهتمام بدراسة قدرات التفكير لدى الأفراد والعمل على تنميتها.
ونمطا التفكير : الناقد والابتكارى من أهم أنماط التفكير التى يهتم الباحثون والعلماء فى التربية وعلم النفس بدراستها ؛ نظراً لأهميتها ، فتعليم التفكير الناقد للناشئة من أهم الأهداف التى تهتم بتحقيقها المؤسسات التربوية. ويعتبر المربون أن تدريب النشء وتعليمهم مهارات التفكير الناقد من المهام الأولية للتربية ، وعمادهم فى ذلك أن من مشكلات البشر الحيوية هى التمييز بين الغث والسمين أو بين الصحيح والزائف (علاء الدين كفافى ،2000: 48) . والابتكار- من وجهة النظر الاجتماعية - ضرورة يقتضيها حفظ البقاء الاجتماعى ، كان الأمر- كذلك – دائما ، وأصبح كذلك بصورة أشد إلحاحا فى العصر الحديث ، فى هذه الأيام وفى هذه الأعوام ومادام الابتكار ضرورة - بهذا المعنى- فقد وجب بكل المعايير أن نكشف عن شروطه وأن نمكّن لها- ما استطعنا - إلى ذلك سبيلا ( مصطفى سويف،2000 : 106 ) ، وهو ضرورة أيضا لتحقيق تقدم المجتمع حيث يرى كل من هرتلى وبلوكر2012Hartley & Plucker أننا نعيش فى مجتمع عالمٍ سريع التغيير ، ويقودنا الابتكار لإنتاج الجديد ، وطرق جديدة فى التفكير ، وطرق جديدة من حلّ المشكلات ، فالابتكار ضرورى لكلّ المجالات ، فى العمل ، والعلم ، والتقنية ، والتعليم . وإذا أهملـنا الابتكار، فإنـنا نُهمل التـقدّم(Hartley & Plucker, 2012 :193) .
ونحتاج إلى التفكير الناقد والتفكير الابتكارى معاً ، ويؤكد على ذلك دى بونو 1995 ؛ بقوله : التفكير الناقد يلعب دورا مهما لأنك إذا عرفت أن فروضك ستُنتقد ستقوم بالبحث عما يجعلها أقوى . لكن النقد الهدام لأحد الفـروض لا يُمكِّن من إنتاجه على نحو جيد ، والذى يُمكِّــننا من إنتاج الفــروض الجـيدة هو الابتكار (De Bono, 1995:15) .
والتفكير دالة الشخصية الإنسانية ؛ فهو جزء عضوى وظيفى من بنية الشخصية ككل ؛ فنظام الحاجات والدوافع والعواطف والانفعالات لدى الفرد ، واتجاهاته وقيمه وميوله وخبراته السابقة ، وإحباطاته وإشباعاته كل هذا ينعكس على تفكير الفرد ويوجهه ( مجدى عبد الكريم ، 1996: 41 ) , وبات من المسلم به أن هناك تفاعلا بين التنظيم العقلى ممثلا فى الوظائف العقلية المعرفية كالذكاء العام والقدرات الخاصة والتنظيم الوجدانى ممثلا فى أساليب النشاط الانفعالى والنزوعى , هذا التفاعل أو التداخل هو ما يشكل خصائص الفرد المنتجة لأسلوبه المميز فى مواقف الأداء المعرفى بوجه خاص (أمينة إبراهيم،2002: 87). مما وجه اهتمام العـديد من الباحثين والعلماء فى مجالى علم النفس والتربية وغيرهما من المجالات إلى دراسة أساليب الأفـراد - ومنها أساليب التفكير- وانشغل العديد منهم بفحـص دور هذه الأساليب فى الأداء والسـلوك الإنسانى فى مختلف المجالات.
وتُعـد أساليب التفكير thinking styles من مـصادر الفـروق الفـردية فى الأداء الأكاديمى ، وهـى لا تتمـثل فى القـدرات ، ولكـنـها تتمـثل فى كيفـية تفضـيل الأفـراد لاستـخـدام قـدراتـهم (Zhang & Sternberg 2000: 469). فالأفـراد يختلفـون فى الطـرق التى يفضلون بها استخدام قدراتهم العقلية ، فهم لديهم أسلوب معين أو طريقة مميزة فى الأداء ، البعض يحب عمل الأشياء بطريقـتهم الخاصة (لديهم أسلوب مبتكر) ، وآخرون يحبون اتباع طرق ثابتة فى أداء الأشياء (لديهم أسلوب آلى) ؛ فهم يفضلون تطبيق أفكار الآخرين أكثر من تطبيق أفكارهم الخاصة ، وجماعة أخرى تفضل أن تلاحظ الآخرين ، وتلخص أو تنتقد ما يفعله الآخرون ، فهم يمتلكون أسلوباً للتقييم ، ويؤدون عملهم كنقاد وحكام على نحوٍ أكثر من كونهم منفـذين للأعمال ، وكل فرد من الأفراد لديه كل الأساليب ، ولكـن بدرجات متفاوتة ، والاختلافات بين الأفـراد تـكون فى شـدة التفـضـيل(Sternberg , O'Haro & Lubart, 1997:12)، وأخذ هذه الأسالـيب فى الحسـبان يمكن أن يحـسّن من تعليم وتقييم الطلاب ، وعدم أخذها فى الحسبان يمنع الطـلاب من الاستفادة بدرجـة كبـيرة وكافـية أو يضـعـف من تعليمهم ومن ثـَمَّ يكونون دون المسـتوى الأفـضل. (Sternberg, Grigorenko & Zhang, 2008:486)
وقد أيدت العديد من الدراسات أن أساليب التفكير من العوامل المهمة فى تفسير الفروق الفردية فى عملية التعلم، حيث إنها ترتبط بمداخل وأساليب التعلم مثل: دراسة كل من زهانج وستيرنبرج Zhang & Sternberg 2000 ، وعبد المنعم الدردير 2003، وترتبط بنمطى التعلم الصريح والضمنى مثل دراسة أكسى وجاو وكينج Xie , Gao & King 2013، وتؤثـر على التحصيل الدراسى للطلاب مثل: دراسة كل من جريجورينكو وستيرنبرج Grigorenko & Sternberg1997، و داى وفيلدهوسينDai & Feldhusen 1999 ، وأمينة شلبي 2002، وماجدة على 2004 ، كما أن أساليب التفكير تنبئ- على نحو دالٍ- بقدرات الطلاب وأدائهم الأكاديمى ونجاحهم المدرسى مثل دراسة ستيرنبرج1995 ، تنبئ أيضا على نحو دال بالتحصيل الدراسى المرتفع بدرجة أكبر من القدرات المقدرة ذاتيا لدى الطلاب مثل دراسة زهانج وستيرنبرج 1998 ، وهى توضح الفرق بين الموهوبين تحصيليا والعاديين مثل: دراسة كيم ويوو ويوم وتشى ولى Kim, Yoo ,Yeum ,Cha & Lee 2007 ، كما أنها تؤثر على كفاءة فريق العمل والأداء مثل دراسة بوديجانتو Budijanto 2013 .
وعليه فإن محاولة تفسير الفروق الفردية فى الأداء الأكاديمى من خلال الشخصية فقط أو الذكاء فقط لا تنجح ؛ بسبب تجاهل الأساليب التى تعد همزة الوصل بين الذكاء والشخصية (ماجدة على،2004 : 3 ) ، ويوضح ذلك جريجورينكو وستيرنبرج1997 بقولهما : ربما يكون لدى اثنين أو أكثر من الأفراد نفس المستويات أو الأنماط من القدرات ؛ ومع ذلك لديهم أساليب تفكير مختلفة ، وكذلك ربما يكون لدى اثنين من الأفـراد خصائص شخصـية متـماثلة ولكنهما يختلفان فى أساليب تفكـيرهما، ومن ثم فإن أساليب التفكير لا تَكْـمُن فى القـدرات السائدة أو الشخـصية السائدة ؛ ولكنها تكمن فى حلقة الوصل Interface بين الاثنين (Grigorenko & Sternberg, 1997: 297) وتتفق معهما فى ذلك زهانج2002 بقولها : إنه لمن العادى أن يحصل أحد الطلاب على نفس المستوى من القدرة لطالب آخر ، غير إنه يفشل فى الاختبارات ، والفروق بينهما فى الأداء الأكاديمى ربما ترجع إلى إنهما يستخدمان قدراتهما على نحو مختلف (Zhang, 2002 : 245). ووجد أن الأساليب مهمة بقدر أهمية القدرات فى تفسير الفروق الفردية فى الأداء البشرى(Zhang,2010 :88). وأشارت نتائج دراسة Piaw 2011إلى أن الاهتمام بأسلوب التفكير لا يتماشى مع قدرات الفرد يشكل إعاقة لهذه القدرات.
وعليه فإن أساليب التفكير التى يستخدمها الفرد لا تقل فى أهميتها عما يتوفر لديه من مستوى قدراته على التفكير ، وهى قد تحدد مدى استفادته من قدراته على التفكير سواء أكان هذا التفكير نقديا أم ابتكاريا . فيمكن أن نجد أفرادا لديهم مستوى عالٍ من القدرات على التفكير الناقد أو الابتكارى ، ومع ذلك لم يتمكنوا من الاستغلال الكامل لها ولم ينجحوا فى أداء أعمالهم بشكل كبير ؛ وقد يرجع ذلك لعدم استخدامهم الأسلوب المناسب لهذه القدرات أو أنهم ينقصهم الأسلوب المناسب. ويمكن أن نجد أفرادا آخرين لديهم مستوى عادىّ من القدرات على التفكير الناقد والابتكارى ومع ذلك نجحوا فى القيام بأعمالهم بشكل أكبر من الذين يفوقونهم فى مستوى هذه القدرات ، وقد يرجع ذلك إلى أنهم توفرت لديهم أساليب التفكير التى مكنتهم من استغلال قدراتهم بشكل كامل.
والاهتمام بأسلوب التفكير يأتى من الحرص على استعمال الإنسان لقدراته العقلية والابتكارية بشكل أمثل فى الكثير من الأعمال وفى مختلف جوانب الحياة ، فالتكـيّف يؤدّى إلى الوصول للنجاح ويحسن الأداء، وربما يكون ذلك ناتجا عن مطابقة أسلوب التفكير مع البيئة ، ونتائج البحث فى أساليب التفكّير تمدنا بفهمٍ أعمقَ للطرق المختلفة التى يركز عليها الناس فى تكوين المفهوم واستعماله فى العالم الخارجى. والمتغيّرات المختلفة لها تأثير كبير على أسلوب تفكير الفرد منها الأسرة ومكان عمله . ودلت الأدبيات على أنّ الناس قد يختارون العيش والعـمل فى السياقات التى تناسب أسلوبهم فى التفكير ، وأكدت على أن أسلوب التفكـير يؤثر على الأداء (Volpentesta, Ammirato &Sofo, 2009:787)
وعلى ذلك فإنه ينبغى الاهتمام بدراسة التفكير كقدرة وأسلوب معا، ويذكر داى وفيلدهسون Dai & Feldhusen1999 : أنه لا يمكن فهم القدرات العقلية للأفراد على نحو تام ما لم نعرف أيضا كيف يطبّقها الأفراد فى التكيف مع متطلبات البيئة Dai & Feldhusen, 1999 : 302 )). والأساليب يجب أن تُفهم أولا ، وكما أنـــــــــــها هـامة لجـودة العمل الذى نقــوم به واستمــــــــتاعنا بهذا العـــــــــمل ، فهى هـامة أيضا بالنســـــــبة للقـــــدرات (Sternberg, 1997:81) ؛ حيث تسهل بعض الأساليب العقلية تطبيق العمليات العـــــــقلية والمعرفــــــــــــــية بتوجــــــيه الفرد نحو مــــــــداخـــل المشــــــــــــكلة التى يــــمكن أن تكون غـــير مألوفة (Sternberg, 1995 : 47) .
ويُعدُّ التفكيرُ من الموضوعات ذات الصلة الوثيقة بتغيرات العصر ؛ نظراً لأنه متداخل فى كل مظاهر وأشكال النشاط العقلى، وهو نشاط عقلى راقٍ يعكس الإنسان فيه الواقع على أساس موضوعى،... وله أهمية كبيرة فى حياته؛ لأنه يتم باستخدام الرمز ويعتمد على التجريد، وهو من أهم الوسائل التى يستعين بها الإنسان فى عمليات التوافـق والتكيف فى حياته اليومية (مجدى عزيز، 2007 : 29 – 30) . كما يُعد التفكير السمة الأساسية المميزة للإنسان(Abdi, 2012: 1719). والحاجة لمهارات التفكير لا تقتصر على مجالات العمل والتربية والتدريب فحسب ، بل نحتاجها كذلك فى مجالات أخرى كعلاقاتنا الأسرية ، والاجتماعية ، والصداقة ، وفى تكوين المعتقدات والقيم الشخصية والعامة ، وتظهر الحاجة لمهارات التفكير بشكل واضح لدى المؤسسات التى تسعى إلى تحقيق المزيد من النجاح؛ لذلك فإنها تقوم بتدريب أعضائها عليها؛ لحل المشكلات واتخاذ القرارات (Moseley, Baumfield, Elliott, Gregson, Higgins, Miller & Newton, 2005: 9).
والاهتمام بالتفكير قديما كان اهتماما بسيطا ، إذ كانت المجتمعات أكثر استقرارا ، وكان حل المشكلات واتخاذ القرارات يعتمد على ما تمليه عليهم العقيدة الدينية والأطر الأخلاقية ، ولكن بعد أن تعقدت ظروف الحياة وتشابكت المصالح والمقاصد ، لم يعد المجتمع – حاليا – مستقرا ، ويموج بالعديد من التغيرات والمتغيرات ؛ ذلك نتيجة التغيرات التى طرأت وتحققت بفعل العلم والتكنولوجيا اللذين يؤثران بشدة على تطلعات الإنسان وظروفه ، ونتيجة لذلك ظهرت الحاجة للتفكير بأساليب وطرائق جديدة ؛حيث لم تعد العادات والتقاليد والأعـراف القـديمة المتوارثة كافية لحـل المشـكلات التى يصادفها الإنسـان فى وقتـنا هـذا ( مجدى عزيز ، 2007: 54 ) . مما وجه العلماء والباحثين إلى الاهتمام بدراسة قدرات التفكير لدى الأفراد والعمل على تنميتها.
ونمطا التفكير : الناقد والابتكارى من أهم أنماط التفكير التى يهتم الباحثون والعلماء فى التربية وعلم النفس بدراستها ؛ نظراً لأهميتها ، فتعليم التفكير الناقد للناشئة من أهم الأهداف التى تهتم بتحقيقها المؤسسات التربوية. ويعتبر المربون أن تدريب النشء وتعليمهم مهارات التفكير الناقد من المهام الأولية للتربية ، وعمادهم فى ذلك أن من مشكلات البشر الحيوية هى التمييز بين الغث والسمين أو بين الصحيح والزائف (علاء الدين كفافى ،2000: 48) . والابتكار- من وجهة النظر الاجتماعية - ضرورة يقتضيها حفظ البقاء الاجتماعى ، كان الأمر- كذلك – دائما ، وأصبح كذلك بصورة أشد إلحاحا فى العصر الحديث ، فى هذه الأيام وفى هذه الأعوام ومادام الابتكار ضرورة - بهذا المعنى- فقد وجب بكل المعايير أن نكشف عن شروطه وأن نمكّن لها- ما استطعنا - إلى ذلك سبيلا ( مصطفى سويف،2000 : 106 ) ، وهو ضرورة أيضا لتحقيق تقدم المجتمع حيث يرى كل من هرتلى وبلوكر2012Hartley & Plucker أننا نعيش فى مجتمع عالمٍ سريع التغيير ، ويقودنا الابتكار لإنتاج الجديد ، وطرق جديدة فى التفكير ، وطرق جديدة من حلّ المشكلات ، فالابتكار ضرورى لكلّ المجالات ، فى العمل ، والعلم ، والتقنية ، والتعليم . وإذا أهملـنا الابتكار، فإنـنا نُهمل التـقدّم(Hartley & Plucker, 2012 :193) .
ونحتاج إلى التفكير الناقد والتفكير الابتكارى معاً ، ويؤكد على ذلك دى بونو 1995 ؛ بقوله : التفكير الناقد يلعب دورا مهما لأنك إذا عرفت أن فروضك ستُنتقد ستقوم بالبحث عما يجعلها أقوى . لكن النقد الهدام لأحد الفـروض لا يُمكِّن من إنتاجه على نحو جيد ، والذى يُمكِّــننا من إنتاج الفــروض الجـيدة هو الابتكار (De Bono, 1995:15) .
والتفكير دالة الشخصية الإنسانية ؛ فهو جزء عضوى وظيفى من بنية الشخصية ككل ؛ فنظام الحاجات والدوافع والعواطف والانفعالات لدى الفرد ، واتجاهاته وقيمه وميوله وخبراته السابقة ، وإحباطاته وإشباعاته كل هذا ينعكس على تفكير الفرد ويوجهه ( مجدى عبد الكريم ، 1996: 41 ) , وبات من المسلم به أن هناك تفاعلا بين التنظيم العقلى ممثلا فى الوظائف العقلية المعرفية كالذكاء العام والقدرات الخاصة والتنظيم الوجدانى ممثلا فى أساليب النشاط الانفعالى والنزوعى , هذا التفاعل أو التداخل هو ما يشكل خصائص الفرد المنتجة لأسلوبه المميز فى مواقف الأداء المعرفى بوجه خاص (أمينة إبراهيم،2002: 87). مما وجه اهتمام العـديد من الباحثين والعلماء فى مجالى علم النفس والتربية وغيرهما من المجالات إلى دراسة أساليب الأفـراد - ومنها أساليب التفكير- وانشغل العديد منهم بفحـص دور هذه الأساليب فى الأداء والسـلوك الإنسانى فى مختلف المجالات.
وتُعـد أساليب التفكير thinking styles من مـصادر الفـروق الفـردية فى الأداء الأكاديمى ، وهـى لا تتمـثل فى القـدرات ، ولكـنـها تتمـثل فى كيفـية تفضـيل الأفـراد لاستـخـدام قـدراتـهم (Zhang & Sternberg 2000: 469). فالأفـراد يختلفـون فى الطـرق التى يفضلون بها استخدام قدراتهم العقلية ، فهم لديهم أسلوب معين أو طريقة مميزة فى الأداء ، البعض يحب عمل الأشياء بطريقـتهم الخاصة (لديهم أسلوب مبتكر) ، وآخرون يحبون اتباع طرق ثابتة فى أداء الأشياء (لديهم أسلوب آلى) ؛ فهم يفضلون تطبيق أفكار الآخرين أكثر من تطبيق أفكارهم الخاصة ، وجماعة أخرى تفضل أن تلاحظ الآخرين ، وتلخص أو تنتقد ما يفعله الآخرون ، فهم يمتلكون أسلوباً للتقييم ، ويؤدون عملهم كنقاد وحكام على نحوٍ أكثر من كونهم منفـذين للأعمال ، وكل فرد من الأفراد لديه كل الأساليب ، ولكـن بدرجات متفاوتة ، والاختلافات بين الأفـراد تـكون فى شـدة التفـضـيل(Sternberg , O'Haro & Lubart, 1997:12)، وأخذ هذه الأسالـيب فى الحسـبان يمكن أن يحـسّن من تعليم وتقييم الطلاب ، وعدم أخذها فى الحسبان يمنع الطـلاب من الاستفادة بدرجـة كبـيرة وكافـية أو يضـعـف من تعليمهم ومن ثـَمَّ يكونون دون المسـتوى الأفـضل. (Sternberg, Grigorenko & Zhang, 2008:486)
وقد أيدت العديد من الدراسات أن أساليب التفكير من العوامل المهمة فى تفسير الفروق الفردية فى عملية التعلم، حيث إنها ترتبط بمداخل وأساليب التعلم مثل: دراسة كل من زهانج وستيرنبرج Zhang & Sternberg 2000 ، وعبد المنعم الدردير 2003، وترتبط بنمطى التعلم الصريح والضمنى مثل دراسة أكسى وجاو وكينج Xie , Gao & King 2013، وتؤثـر على التحصيل الدراسى للطلاب مثل: دراسة كل من جريجورينكو وستيرنبرج Grigorenko & Sternberg1997، و داى وفيلدهوسينDai & Feldhusen 1999 ، وأمينة شلبي 2002، وماجدة على 2004 ، كما أن أساليب التفكير تنبئ- على نحو دالٍ- بقدرات الطلاب وأدائهم الأكاديمى ونجاحهم المدرسى مثل دراسة ستيرنبرج1995 ، تنبئ أيضا على نحو دال بالتحصيل الدراسى المرتفع بدرجة أكبر من القدرات المقدرة ذاتيا لدى الطلاب مثل دراسة زهانج وستيرنبرج 1998 ، وهى توضح الفرق بين الموهوبين تحصيليا والعاديين مثل: دراسة كيم ويوو ويوم وتشى ولى Kim, Yoo ,Yeum ,Cha & Lee 2007 ، كما أنها تؤثر على كفاءة فريق العمل والأداء مثل دراسة بوديجانتو Budijanto 2013 .
وعليه فإن محاولة تفسير الفروق الفردية فى الأداء الأكاديمى من خلال الشخصية فقط أو الذكاء فقط لا تنجح ؛ بسبب تجاهل الأساليب التى تعد همزة الوصل بين الذكاء والشخصية (ماجدة على،2004 : 3 ) ، ويوضح ذلك جريجورينكو وستيرنبرج1997 بقولهما : ربما يكون لدى اثنين أو أكثر من الأفراد نفس المستويات أو الأنماط من القدرات ؛ ومع ذلك لديهم أساليب تفكير مختلفة ، وكذلك ربما يكون لدى اثنين من الأفـراد خصائص شخصـية متـماثلة ولكنهما يختلفان فى أساليب تفكـيرهما، ومن ثم فإن أساليب التفكير لا تَكْـمُن فى القـدرات السائدة أو الشخـصية السائدة ؛ ولكنها تكمن فى حلقة الوصل Interface بين الاثنين (Grigorenko & Sternberg, 1997: 297) وتتفق معهما فى ذلك زهانج2002 بقولها : إنه لمن العادى أن يحصل أحد الطلاب على نفس المستوى من القدرة لطالب آخر ، غير إنه يفشل فى الاختبارات ، والفروق بينهما فى الأداء الأكاديمى ربما ترجع إلى إنهما يستخدمان قدراتهما على نحو مختلف (Zhang, 2002 : 245). ووجد أن الأساليب مهمة بقدر أهمية القدرات فى تفسير الفروق الفردية فى الأداء البشرى(Zhang,2010 :88). وأشارت نتائج دراسة Piaw 2011إلى أن الاهتمام بأسلوب التفكير لا يتماشى مع قدرات الفرد يشكل إعاقة لهذه القدرات.
وعليه فإن أساليب التفكير التى يستخدمها الفرد لا تقل فى أهميتها عما يتوفر لديه من مستوى قدراته على التفكير ، وهى قد تحدد مدى استفادته من قدراته على التفكير سواء أكان هذا التفكير نقديا أم ابتكاريا . فيمكن أن نجد أفرادا لديهم مستوى عالٍ من القدرات على التفكير الناقد أو الابتكارى ، ومع ذلك لم يتمكنوا من الاستغلال الكامل لها ولم ينجحوا فى أداء أعمالهم بشكل كبير ؛ وقد يرجع ذلك لعدم استخدامهم الأسلوب المناسب لهذه القدرات أو أنهم ينقصهم الأسلوب المناسب. ويمكن أن نجد أفرادا آخرين لديهم مستوى عادىّ من القدرات على التفكير الناقد والابتكارى ومع ذلك نجحوا فى القيام بأعمالهم بشكل أكبر من الذين يفوقونهم فى مستوى هذه القدرات ، وقد يرجع ذلك إلى أنهم توفرت لديهم أساليب التفكير التى مكنتهم من استغلال قدراتهم بشكل كامل.
والاهتمام بأسلوب التفكير يأتى من الحرص على استعمال الإنسان لقدراته العقلية والابتكارية بشكل أمثل فى الكثير من الأعمال وفى مختلف جوانب الحياة ، فالتكـيّف يؤدّى إلى الوصول للنجاح ويحسن الأداء، وربما يكون ذلك ناتجا عن مطابقة أسلوب التفكير مع البيئة ، ونتائج البحث فى أساليب التفكّير تمدنا بفهمٍ أعمقَ للطرق المختلفة التى يركز عليها الناس فى تكوين المفهوم واستعماله فى العالم الخارجى. والمتغيّرات المختلفة لها تأثير كبير على أسلوب تفكير الفرد منها الأسرة ومكان عمله . ودلت الأدبيات على أنّ الناس قد يختارون العيش والعـمل فى السياقات التى تناسب أسلوبهم فى التفكير ، وأكدت على أن أسلوب التفكـير يؤثر على الأداء (Volpentesta, Ammirato &Sofo, 2009:787)
وعلى ذلك فإنه ينبغى الاهتمام بدراسة التفكير كقدرة وأسلوب معا، ويذكر داى وفيلدهسون Dai & Feldhusen1999 : أنه لا يمكن فهم القدرات العقلية للأفراد على نحو تام ما لم نعرف أيضا كيف يطبّقها الأفراد فى التكيف مع متطلبات البيئة Dai & Feldhusen, 1999 : 302 )). والأساليب يجب أن تُفهم أولا ، وكما أنـــــــــــها هـامة لجـودة العمل الذى نقــوم به واستمــــــــتاعنا بهذا العـــــــــمل ، فهى هـامة أيضا بالنســـــــبة للقـــــدرات (Sternberg, 1997:81) ؛ حيث تسهل بعض الأساليب العقلية تطبيق العمليات العـــــــقلية والمعرفــــــــــــــية بتوجــــــيه الفرد نحو مــــــــداخـــل المشــــــــــــكلة التى يــــمكن أن تكون غـــير مألوفة (Sternberg, 1995 : 47) .
Other data
| Title | أساليب التفكير وعلاقتها بالتفكير النقدى والتفكير الابتكارى | Other Titles | Thinking styles and its relationship with critical and creative thinking | Authors | عبدالهادى السيد أبوزيد محمد | Issue Date | 2016 |
Recommend this item
Similar Items from Core Recommender Database
Items in Ain Shams Scholar are protected by copyright, with all rights reserved, unless otherwise indicated.