النفاذ الإلكتروني للقرار الإداري (دراسة تطبيقية مقارنة)
محمد سليمان نايف شبير;
Abstract
في ظل ثورة التكنولوجيا المعاصرة لجأت جهة الإدارة العامة إلى الواقع الإلكتروني لتأدية نشاطها المطلوب منها ولتحقيق صورة جديدة من الاتصال بينها وبين جمهور المتعاملين معها من الأفراد، وفي ذات الوقت فإن هذا الواقع أصبح أيضاً موطناً جديداً للأعمال والتصرفات القانونية أياً كان أطرافها بما في ذلك التي تكون الإدارة طرفاً فيها، فالإدارة لم تكن بمعزل عن هذا التطور بل كانت حريصة على الإلتقاء معه تحقيقاً لرغبتها في الابتكار ومسايرة كل جديد داخل نشاطها، فأوجدت نظام الإدارة الإلكترونية الذي أدى إلى نقل معظم أعمالها إلى الواقع الإلكتروني وأرسى الثقافة الإلكترونية على حساب نظيرتها الورقية، وبناءً على ما تقدم فإن إرساء هذا النظام الجديد أدى إلى ظهور تصرفات الإدارة القانونية بثوب جديد، حيث أن القرار الإداري كما غيره أصبح يخرج إلى الوجود بإجراءات إلكترونية، والتي يُعتمد عليها أيضاً في تحقيق نفاذه وتنفيذه وانهاء وجوده، ونلحظ وجوده على دعامة إلكترونية بعد أن كان يأتي في شكل المستند الورقي.
وبالتأكيد فإن هذا التطور أثير معه مسألة في غاية الأهمية تتمثل في مدى مشروعيته باعتبار أن الأخيرة تعد عنوان واجب لكل جديد داخل العمل الإداري، لا سيما وأن هذا التطور أصاب أهم وسيلة آمرة تمتلكها الإدارة في مواجهة الأفراد ألا وهي القرار الإداري، فضلاً عن أنه امتد إلى أهم مرحلة فيه والتي تتمثل في نفاذه، حيث أن الأخير هو الذي يجعل القرار صالحاً للإنضمام إلى النظام القانوني القائم ومؤثراً فعلياً في مراكز الأفراد القانونية بما يحمله من حقوق وإلتزامات.
وعلى هذا الأساس فإن المرحلة الأهم التي يمر بها القرار الإداري بالنسبة لأطرافه لم تكن بعيدة عن هذا التطور بل كانت حاضرة في ظل تمتع الإجراءات والوسائل الإلكترونية بالقدرة على تحقيق العلم بمضمون القرار الإداري ووصوله إلى أصحاب الشأن من خلال صلاحيتها لانجاز عملية النقل البرمجي للمعلومات والمستندات من وإلى أطراف القرار.
ووفقاً للمعطيات السابقة فإن واقعة النفاذ في صورتها الجديدة أصبحت تنطلق من رحم نظام الإدارة الإلكترونية وترتبط بالقرار الإداري الإلكتروني وتتولى تحقيق العلم بالأخير من خلال وسائل الاتصال الحديثة المتاحة لدى الإدارة والأفراد معاً، وعلى هذا الأساس فإن مشروعيتها مبنية على مشروعية كل من النظام المذكور والقرار الصادر بموجبه.
والثابت أن هذا النظام الجديد لم يكن مرحباً به لدى بعض الفقه خصوصاً وأنه يحمل ذات المخاطر بالنسبة للأفراد باعتباره يشكل أرض خصبة وبيئة جديدة للإمتيازات التي تمتلكها الإدارة وبطابع مختلف عما سبق، إلا أنه كان لدينا -ومع أخرين- رأي مغاير لما ساقه هؤلاء، إنطلاقاً من قاعدة أساسية تتمثل في أن القانون الإداري كان دائماً حاضراً بقواعده المرنة والمتطورة في كل جديد داخل العمل الإداري ولم يسلب حق الإدارة في تطوير أدائها على قاعدة الاتفاق مع المصلحة العامة، كما أن هذا النظام الجديد لا يصادر حقيقة وجود الإدارة لصالح الحاسوب أو يتعارض مع أصول القانون الإداري الذي يخاطب الإدارة لا الحاسوب، بل أنها تبقى حاضرة من خلال عنصرها البشري الفني الذي لا غنى عنه في هذا المقام، وأن الحاسوب وغيره من الوسائل الأخرى مجرد وسائل جديدة بيدها، وأننا أمام إدارة بالحاسوب وليس إدارة حاسوب وفارق كبير بين الاثنين، وأن دور الأخير لا يتعدى القيام بالتعبير عن إرادة الإدارة أو نقلها بصورة برمجية دون أن يحل محلها في إصدار القرارات الإدارية أو إبرام العقود الإدارية وما إلى ذلك.
كما أن الإدارة ملزمة بالإستفادة من وسائل التكنولوجيا في ظل فطرة التحديث التي تلازم عملها وتفرض عليه الانسجام مع التطور القائم وعدم إهماله حتى لا يصبح عقبة أمام تطلعات الأفراد في إنجاز معاملاتهم بأفضل طريقة وأسرع قت، فضلاً عن أن اعتبارات المصلحة العامة تقتضي تفعيل هذا النظام، كذلك فإن دائرة القبول بهذا النظام أصبحت أكثر اتساعاً مع بروز الاتجاه التشريعي الحديث الذي أرسى قوانين المعاملات الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني وغيرها.
ويتمثل القرار الإداري الإلكتروني في المستند الإلكتروني المعبر عن الإرادة الملزمة والمنفردة للإدارة بقصد ترتيب أثر قانوني معين، ويمكن تأكيد مشروعيته أيضاً بالإعتماد على ذات القواعد التقليدية المنظمة لسلطة الإدارة في إصدار القرار الإدارية، فالأخيرة ألزمت الإدارة بالافصاح عن مضمون قرارها دون تقيدها بوسيلة معينة ومن طابع محدد في إتمام ذلك، ومن ثم لها اللجوء إلى ما يوفره الواقع الجديد من إجراءات ووسائل لإصدار قرارها وللكشف عن مضمون إرادتها، الأمر الذي يعني أن القرار في صورته الجديدة مبني على ذات السلطة الأصيلة التي تتمتع بها الإدارة مع اختلافه في وسيلة الافصاح المتبعة في نظيرة القرار الإداري التقليدي.
وواقعة النفاذ في صورتها الجديدة تعكس الصورة الأحدث لها ومرحلة جديدة لا تنفصل عن مراحل تطورها منذ أن ولدت في صورتها البدائية عن طريق الكتابة الحجرية للقوانين والأوامر القديمة، لذلك في مرحلة مكملة لسابقاتها، وتتولى مهمة إدخال القرار الإداري الإلكتروني إلى مرحلة العمل به في مواجهة أطرافه، وتكشف عن استغلال الإدارة لما هو متاح من وسائل إلكترونية لنقل العلم بمضون هذه القرارات من خلال عمليتين رئيسيتين هما الإرسال والاستقبال الإلكتروني لمستند القرار الإداري.
ويستمد التطور القائم في نفاذ القرار الإداري مشروعيته من الطبيعة المرنة لقواعد القانون الإداري التي تتقبل مسايرة أعمال الإدارة والوقائع المتصلة بها لثورة التكنولوجيا وظهورها بطبيعة برمجية، كما أن هذه الأعمال والوقائع تحتاج فطرياً للتحديث وهو أمر وجوبي لإقرار صلاحيتها وفعاليتها في وقتنا الراهن الذي يشهد تغلغل التكنولوجيا إلى كل شيء حتى أصبحت ملمح وعنوان كل نشاط جديد.
ولا تختلف واقعة النفاذ في ثوبها الجديد عن نظيرتها السابقة في أنها تتطلب تحقق الوجود القانوني للقرار الإداري حتى يمكن التسليم بقيامها، مع الأخذ بعين الإعتبار أن هذا الوجود أصبح مرتبطاً بإجراءات ذات طابع جديد، ولا يوجد أدل على ذلك من التوقيع الإلكتروني الذي أصبح يتحقق معه الوجود القانوني للقرار الإداري الإلكتروني بشرط مراعاة الضوابط الفنية والقانونية التي أرساها المشرع في القوانين المنظمة للتوقيع الإلكتروني حتى ينتج أثره القانوني والاعتراف بحجيته في التدليل على هوية أطراف المعاملات الإلكترونية والتأكيد على انصراف إرادتهم لما جاء فيها.
ومما لا شك فيه فإن تطور واقعة النفاذ لن يكون بمعزل عن وسائلها الثلاث، فقد ظهر النشر الإلكتروني للقرارات الإدارية وبدأ يحل تدريجياً محل نظيره الورقي، ويتمثل النشر الجديد في العملية البرمجية التي تهدف إلى نقل العلم بمضمون القرار الإداري إلى الجميع عبر وسائل إلكترونية محددة تتفق مع غاية النشر في تحقيق العلم الجماعي، ومن أهمها "صفحات الويب أو المواقع الإلكترونية".
ولقبول النشر الإلكتروني فإنه يتعين وجود تدخل تشريعي صريح يعالج أحكامه المستجدة، بيد أن ذلك لا يمنعنا من القول بأن النظام القانوني القائم فيه من المرونة ما يسمح بالإعتماد على هذا النشر في بعض الأحيان، وينبني ذلك على التمييز بين أمرين، ويتمثل الأول في حال قام المشرع بتحديد طريقة النشر الواجبة وفي هذا المقام فإن تقيد الإدارة واضح في اتباعها ذات الطريقة المحددة قانوناً إلا أن ذلك لا يمتد إلى تقيدها بالآلية المتبعة في تحقيق هذه الطريقة ومن ثم تملك نقلها إلى الواقع الإلكتروني، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الجريدة الرسمية الورقية لا يمكن نقلها إلى الواقع الجديد إلا من خلال تدخل تشريعي واضح بإصدار قانون الجريدة الرسمية الإلكترونية، وذلك خلافاً للنشر عبر الصحف الإلكترونية والشاشات المرئية في المرافق العامة التي يكفي بالنسبة إليها أن تضع الإدارة الأنظمة واللوائح الخاصة بها وتعميمها على أصحاب الشأن.
بينما إذا لم يقم المشرع بتحديد طريقة النشر فيكون للإدارة حرية اختيار الطريقة المناسبة والتي اشترط فيها القضاء تحقيقها للعلم بالقرار الإداري على أفضل صورة وبما يتناسب مع ظروف المخاطبون به، وفي النهاية يبقى مسلكها هذا خاضعاً لرقابة القضاء وهو ما يقرر صحته من عدمه، مع التأكيد على أنها لن تسطيع حالياً اللجوء لطريقة معينة تحتاج تدخلاً تشريعياً كما في النشر بطريق الجريدة الرسمية الإلكترونية.
ومثل هذه الضمانات التشريعية إن كانت تؤسس لميلاد النشر الإلكتروني وتقبل وجوده من الناحية القانونية فإنه يحتاج لضمان بقائه من خلال توافر شروط وضوابط صحته والتي لا تخرج عن تلك الواجبة في نظيره الورقي، لذلك ينبغي على الإدارة مراعاة طبيعة القرار الإداري المراد نشره بالطرق الإلكترونية، واحترام الطريقة الواجبة قانوناً ووفق الإجراءات المحددة لها من قبل المشرع، وأن يكون النشر على كامل القرار أو بما ينفي الجهالة عنه وربط وقائع النشر المرفقي بالتوزيع الإلكتروني للنشرات على كافة الموظفين المعنيين، وأن التوزيع منتظم وفي تاريخ محدد، وفي كل الأحوال فإن المستند الإلكتروني لا بد وأن يتضمن تاريخ نشر القرار.
كما تطورت عملية إعلان القرارات الإدارية وتأثرت بالطابع البرمجي مثلها في ذلك مثل النشر، ويقصد بالإعلان الإلكتروني العملية البرمجية التي تتولاها جهة الإدارة لأجل إرسال مستند القرار الإداري لصاحب الشأن عبر الوسائل المتاحة بما يؤدي إلى تحقق تسلمه وحيازته في صورة المستند الإلكتروني على جهاز الحاسوب أو الهاتف المحمول، ولأن الإعلان قائم على التبليغ الشخصي بمضمون القرار فإن الإدارة ملتزمة باستخدام وسائل قادرة على القيام بذلك ونجد أهمها تتمثل في رسائل البريد الإلكتروني والهاتف المحمول.
وواقع الحال يدلل على أن عملية الإعلان الإلكتروني للقرارات الإدارية يلازمها إصدار أمر برمجي يأذن بالبدء في تحقيقها من خلال إدخال أمر الإرسال إلى الوسيلة الإلكترونية والمتعلقة بنقل المستند إلى الطرف الأخر، ومحل هذه العملية أو الأمر يتمثل في القرار الإداري ذاته الذي يكون محمولاً على دعامة إلكترونية ومتوطناً المستند الإلكتروني، وأن أمر الإرسال يعد عملاً مادياً ذو طبيعة برمجية أو فنية لا يحد أثره القانوني بخلاف القرار الإداري محل الإرسال، مع الأخذ بعين الاعتبار أن إرسال القرار عبر الفاكس لا يعد من قبيل الإعلان الإلكتروني لأن القرار بالنهاية سيصل إلى صاحب الشأن في صورة المستند الورقي.
وبالتأكيد فإن هذا التطور أثير معه مسألة في غاية الأهمية تتمثل في مدى مشروعيته باعتبار أن الأخيرة تعد عنوان واجب لكل جديد داخل العمل الإداري، لا سيما وأن هذا التطور أصاب أهم وسيلة آمرة تمتلكها الإدارة في مواجهة الأفراد ألا وهي القرار الإداري، فضلاً عن أنه امتد إلى أهم مرحلة فيه والتي تتمثل في نفاذه، حيث أن الأخير هو الذي يجعل القرار صالحاً للإنضمام إلى النظام القانوني القائم ومؤثراً فعلياً في مراكز الأفراد القانونية بما يحمله من حقوق وإلتزامات.
وعلى هذا الأساس فإن المرحلة الأهم التي يمر بها القرار الإداري بالنسبة لأطرافه لم تكن بعيدة عن هذا التطور بل كانت حاضرة في ظل تمتع الإجراءات والوسائل الإلكترونية بالقدرة على تحقيق العلم بمضمون القرار الإداري ووصوله إلى أصحاب الشأن من خلال صلاحيتها لانجاز عملية النقل البرمجي للمعلومات والمستندات من وإلى أطراف القرار.
ووفقاً للمعطيات السابقة فإن واقعة النفاذ في صورتها الجديدة أصبحت تنطلق من رحم نظام الإدارة الإلكترونية وترتبط بالقرار الإداري الإلكتروني وتتولى تحقيق العلم بالأخير من خلال وسائل الاتصال الحديثة المتاحة لدى الإدارة والأفراد معاً، وعلى هذا الأساس فإن مشروعيتها مبنية على مشروعية كل من النظام المذكور والقرار الصادر بموجبه.
والثابت أن هذا النظام الجديد لم يكن مرحباً به لدى بعض الفقه خصوصاً وأنه يحمل ذات المخاطر بالنسبة للأفراد باعتباره يشكل أرض خصبة وبيئة جديدة للإمتيازات التي تمتلكها الإدارة وبطابع مختلف عما سبق، إلا أنه كان لدينا -ومع أخرين- رأي مغاير لما ساقه هؤلاء، إنطلاقاً من قاعدة أساسية تتمثل في أن القانون الإداري كان دائماً حاضراً بقواعده المرنة والمتطورة في كل جديد داخل العمل الإداري ولم يسلب حق الإدارة في تطوير أدائها على قاعدة الاتفاق مع المصلحة العامة، كما أن هذا النظام الجديد لا يصادر حقيقة وجود الإدارة لصالح الحاسوب أو يتعارض مع أصول القانون الإداري الذي يخاطب الإدارة لا الحاسوب، بل أنها تبقى حاضرة من خلال عنصرها البشري الفني الذي لا غنى عنه في هذا المقام، وأن الحاسوب وغيره من الوسائل الأخرى مجرد وسائل جديدة بيدها، وأننا أمام إدارة بالحاسوب وليس إدارة حاسوب وفارق كبير بين الاثنين، وأن دور الأخير لا يتعدى القيام بالتعبير عن إرادة الإدارة أو نقلها بصورة برمجية دون أن يحل محلها في إصدار القرارات الإدارية أو إبرام العقود الإدارية وما إلى ذلك.
كما أن الإدارة ملزمة بالإستفادة من وسائل التكنولوجيا في ظل فطرة التحديث التي تلازم عملها وتفرض عليه الانسجام مع التطور القائم وعدم إهماله حتى لا يصبح عقبة أمام تطلعات الأفراد في إنجاز معاملاتهم بأفضل طريقة وأسرع قت، فضلاً عن أن اعتبارات المصلحة العامة تقتضي تفعيل هذا النظام، كذلك فإن دائرة القبول بهذا النظام أصبحت أكثر اتساعاً مع بروز الاتجاه التشريعي الحديث الذي أرسى قوانين المعاملات الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني وغيرها.
ويتمثل القرار الإداري الإلكتروني في المستند الإلكتروني المعبر عن الإرادة الملزمة والمنفردة للإدارة بقصد ترتيب أثر قانوني معين، ويمكن تأكيد مشروعيته أيضاً بالإعتماد على ذات القواعد التقليدية المنظمة لسلطة الإدارة في إصدار القرار الإدارية، فالأخيرة ألزمت الإدارة بالافصاح عن مضمون قرارها دون تقيدها بوسيلة معينة ومن طابع محدد في إتمام ذلك، ومن ثم لها اللجوء إلى ما يوفره الواقع الجديد من إجراءات ووسائل لإصدار قرارها وللكشف عن مضمون إرادتها، الأمر الذي يعني أن القرار في صورته الجديدة مبني على ذات السلطة الأصيلة التي تتمتع بها الإدارة مع اختلافه في وسيلة الافصاح المتبعة في نظيرة القرار الإداري التقليدي.
وواقعة النفاذ في صورتها الجديدة تعكس الصورة الأحدث لها ومرحلة جديدة لا تنفصل عن مراحل تطورها منذ أن ولدت في صورتها البدائية عن طريق الكتابة الحجرية للقوانين والأوامر القديمة، لذلك في مرحلة مكملة لسابقاتها، وتتولى مهمة إدخال القرار الإداري الإلكتروني إلى مرحلة العمل به في مواجهة أطرافه، وتكشف عن استغلال الإدارة لما هو متاح من وسائل إلكترونية لنقل العلم بمضون هذه القرارات من خلال عمليتين رئيسيتين هما الإرسال والاستقبال الإلكتروني لمستند القرار الإداري.
ويستمد التطور القائم في نفاذ القرار الإداري مشروعيته من الطبيعة المرنة لقواعد القانون الإداري التي تتقبل مسايرة أعمال الإدارة والوقائع المتصلة بها لثورة التكنولوجيا وظهورها بطبيعة برمجية، كما أن هذه الأعمال والوقائع تحتاج فطرياً للتحديث وهو أمر وجوبي لإقرار صلاحيتها وفعاليتها في وقتنا الراهن الذي يشهد تغلغل التكنولوجيا إلى كل شيء حتى أصبحت ملمح وعنوان كل نشاط جديد.
ولا تختلف واقعة النفاذ في ثوبها الجديد عن نظيرتها السابقة في أنها تتطلب تحقق الوجود القانوني للقرار الإداري حتى يمكن التسليم بقيامها، مع الأخذ بعين الإعتبار أن هذا الوجود أصبح مرتبطاً بإجراءات ذات طابع جديد، ولا يوجد أدل على ذلك من التوقيع الإلكتروني الذي أصبح يتحقق معه الوجود القانوني للقرار الإداري الإلكتروني بشرط مراعاة الضوابط الفنية والقانونية التي أرساها المشرع في القوانين المنظمة للتوقيع الإلكتروني حتى ينتج أثره القانوني والاعتراف بحجيته في التدليل على هوية أطراف المعاملات الإلكترونية والتأكيد على انصراف إرادتهم لما جاء فيها.
ومما لا شك فيه فإن تطور واقعة النفاذ لن يكون بمعزل عن وسائلها الثلاث، فقد ظهر النشر الإلكتروني للقرارات الإدارية وبدأ يحل تدريجياً محل نظيره الورقي، ويتمثل النشر الجديد في العملية البرمجية التي تهدف إلى نقل العلم بمضمون القرار الإداري إلى الجميع عبر وسائل إلكترونية محددة تتفق مع غاية النشر في تحقيق العلم الجماعي، ومن أهمها "صفحات الويب أو المواقع الإلكترونية".
ولقبول النشر الإلكتروني فإنه يتعين وجود تدخل تشريعي صريح يعالج أحكامه المستجدة، بيد أن ذلك لا يمنعنا من القول بأن النظام القانوني القائم فيه من المرونة ما يسمح بالإعتماد على هذا النشر في بعض الأحيان، وينبني ذلك على التمييز بين أمرين، ويتمثل الأول في حال قام المشرع بتحديد طريقة النشر الواجبة وفي هذا المقام فإن تقيد الإدارة واضح في اتباعها ذات الطريقة المحددة قانوناً إلا أن ذلك لا يمتد إلى تقيدها بالآلية المتبعة في تحقيق هذه الطريقة ومن ثم تملك نقلها إلى الواقع الإلكتروني، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الجريدة الرسمية الورقية لا يمكن نقلها إلى الواقع الجديد إلا من خلال تدخل تشريعي واضح بإصدار قانون الجريدة الرسمية الإلكترونية، وذلك خلافاً للنشر عبر الصحف الإلكترونية والشاشات المرئية في المرافق العامة التي يكفي بالنسبة إليها أن تضع الإدارة الأنظمة واللوائح الخاصة بها وتعميمها على أصحاب الشأن.
بينما إذا لم يقم المشرع بتحديد طريقة النشر فيكون للإدارة حرية اختيار الطريقة المناسبة والتي اشترط فيها القضاء تحقيقها للعلم بالقرار الإداري على أفضل صورة وبما يتناسب مع ظروف المخاطبون به، وفي النهاية يبقى مسلكها هذا خاضعاً لرقابة القضاء وهو ما يقرر صحته من عدمه، مع التأكيد على أنها لن تسطيع حالياً اللجوء لطريقة معينة تحتاج تدخلاً تشريعياً كما في النشر بطريق الجريدة الرسمية الإلكترونية.
ومثل هذه الضمانات التشريعية إن كانت تؤسس لميلاد النشر الإلكتروني وتقبل وجوده من الناحية القانونية فإنه يحتاج لضمان بقائه من خلال توافر شروط وضوابط صحته والتي لا تخرج عن تلك الواجبة في نظيره الورقي، لذلك ينبغي على الإدارة مراعاة طبيعة القرار الإداري المراد نشره بالطرق الإلكترونية، واحترام الطريقة الواجبة قانوناً ووفق الإجراءات المحددة لها من قبل المشرع، وأن يكون النشر على كامل القرار أو بما ينفي الجهالة عنه وربط وقائع النشر المرفقي بالتوزيع الإلكتروني للنشرات على كافة الموظفين المعنيين، وأن التوزيع منتظم وفي تاريخ محدد، وفي كل الأحوال فإن المستند الإلكتروني لا بد وأن يتضمن تاريخ نشر القرار.
كما تطورت عملية إعلان القرارات الإدارية وتأثرت بالطابع البرمجي مثلها في ذلك مثل النشر، ويقصد بالإعلان الإلكتروني العملية البرمجية التي تتولاها جهة الإدارة لأجل إرسال مستند القرار الإداري لصاحب الشأن عبر الوسائل المتاحة بما يؤدي إلى تحقق تسلمه وحيازته في صورة المستند الإلكتروني على جهاز الحاسوب أو الهاتف المحمول، ولأن الإعلان قائم على التبليغ الشخصي بمضمون القرار فإن الإدارة ملتزمة باستخدام وسائل قادرة على القيام بذلك ونجد أهمها تتمثل في رسائل البريد الإلكتروني والهاتف المحمول.
وواقع الحال يدلل على أن عملية الإعلان الإلكتروني للقرارات الإدارية يلازمها إصدار أمر برمجي يأذن بالبدء في تحقيقها من خلال إدخال أمر الإرسال إلى الوسيلة الإلكترونية والمتعلقة بنقل المستند إلى الطرف الأخر، ومحل هذه العملية أو الأمر يتمثل في القرار الإداري ذاته الذي يكون محمولاً على دعامة إلكترونية ومتوطناً المستند الإلكتروني، وأن أمر الإرسال يعد عملاً مادياً ذو طبيعة برمجية أو فنية لا يحد أثره القانوني بخلاف القرار الإداري محل الإرسال، مع الأخذ بعين الاعتبار أن إرسال القرار عبر الفاكس لا يعد من قبيل الإعلان الإلكتروني لأن القرار بالنهاية سيصل إلى صاحب الشأن في صورة المستند الورقي.
Other data
| Title | النفاذ الإلكتروني للقرار الإداري (دراسة تطبيقية مقارنة) | Authors | محمد سليمان نايف شبير | Issue Date | 2015 |
Recommend this item
Similar Items from Core Recommender Database
Items in Ain Shams Scholar are protected by copyright, with all rights reserved, unless otherwise indicated.