الشخصية في روايتي "شكست" و"غدار" لكرشن ﭼندر دراسة ثقافية جمالية

Abstract

نشأت الدراسات الثقافية في حِجْر علماء الاجتماع ؛ لذا فهي تنحو دائمًا منحى الاتجاه الاجتماعي ، وتصطبغ الدراسات الثقافية بالصبغة الاجتماعية , ثم انتقلت فيما بعد إلى علوم مختلفة مثل : علم الإنسانيات ، علم النفس ، اللغويات ، النقد الأدبي ، نظرية الفن ، الفلسفة ، العلوم السياسية ...... وغيرها . وعلى الرغم من كونها كينونة منفصلة عن الاتجاهين الاجتماعي والسياسي ، فإن الدراسات الثقافية ليست مجرد دراسة للثقافة . فالهدف الرئيسي لها هو فهم الثقافة بجميع أشكالها المركبة والمعقدة , وتحليل السياق الاجتماعي والسياسي في إطار المجتمع الذي يحوي هذه الثقافة. وليس من السهل وضع تعريف دقيق للدراسات الثقافية ؛ لأن مفهوم الثقافة نفسه يتميز بكثير من التعقيد والغموض , ومع ذلك فالدراسات الثقافية ليست نظرية بما يعنيه ذلك من تجانس في المفاهيم , وانتمائها إلى حقل معين من المعرفة , وإنما هي مزيج من النظريات والمقاربات , التي توظف لقراءة أنماط القوى الاجتماعية والثقافية , وارتباطها بالهويات والجماعات . فالنظام الثقافي السائد في المجتمعات على مراحل تطورها ، يقابله وعي معين هو الذي ينتج الخطاب ، والخطاب يجسّد الوعي والنظام الثقافي/ الاجتماعي معاً . فالنظام الذي يشكل الوعي لا يبقى على حالة واحدة بحكم الزمن فهو متغيّر ، ويرتبط بالتحوّلات السياسية والتاريخية التي تطرأ على المجتمعات ، وتراكم المعارف داخل الوعي يساعد على وجود خبرة معرفية , تمكِّن الوعي من ممارسة فاعليته في نقد الثقافة ومساءلتها في صورة خطاب معرفي ، وتطور هذا الخطاب دليل على تطور الوعي والعكس . والدراسات الثقافية تُنشيء مجالاً واسعاً من الأفكار , في محاولة لتفسير الجوانب المتعددة للتصرفات الإنسانية في عناصر المكان والزمان والبيئة والظروف الاجتماعية . ويقصد بالدراسات الثقافية ما يتصل بدراسة عدة مجالات أو ظواهر , تكوّن أو تؤثر أو ترتبط بسلوك بشري عام أو خاص في بيئة معينة . ويعتمد مجال الدراسات الثقافية في الأساس على التراث المجتمعي وعلم الإنسان , من أجل توضيح العادات وأساليب الحياة والمعتقدات والعلاقات والفنون في المجتمعات المطلوب دراستها . والدراسات الثقافية تعتمد أيضًا على دراسة التاريخ وعلم الآثار القديم ؛ للتعرف على التقدم الحضاري على مر الزمن , وتأثير بقايا الحضارة أو الحضارات القديمة على سلوك الإنسان . كما يشكل علم الاجتماع عنصراً ضرورياً, حيث إن الدراسات الثقافية تقيّم التأثير الناتج عن عدة مظاهر اجتماعية . ويغطي المصطلح المعاصر للثقافة والشخصية سلسلة مترابطة من الدراسات , التي تشكل عاملاً مشتركاً بين علم النفس وعلم الاجتماع والعلوم الإنسانية , وذلك انطلاقاً من أن دراسة الثقافة تدفع الباحث فيها إلى خوض ميادين علم الاجتماع وعلم الإنسانيات , في حين يدخل موضوع الشخصية في نطاق علم النفس الفردي وعلم النفس الاجتماعي . فإذا كانت الشخصية مجموعة دلالات متغيرة ومتطورة , باعتبارها نتاجاً اجتماعياً , وباعتبارها أيضاً نتاجاً تاريخياً, فإن المجتمع والتاريخ يعتبران منابع حضارية وثقافية لمكونات الشخصية الإنسانية . ولذا كان اعتماد الباحث في هذه الدراسة على المنهج الاجتماعي بشكل أساسي في الباب الأول , حيث إنه أقدر المناهج على فهم النص الثقافي بشموليته واتساع مدلوله. كما يعني بدراسة تطورات المجتمعات المختلفة وتحولاتها طبقاً للبيئات والظروف والعصور , ويربط بين الأدب وبين المستويات المختلفة في المجتمع , وتمثيل الأدب للحياة على المستوى الجماعي وليس المستوى الفردي.إلى جانب استخدام المنهج التاريخي ؛ لتوضيح مدى تأثير الأحداث والتحولات السياسية والتاريخية في تشكيل ثقافة الشخصية . وأيضاًالمنهج النفسي الأكثر قدرة على استجلاء مكنون الشخصية وسلوكها ودوافعها النفسية . أما في الباب الثاني فقداعتمد الباحث على المنهج الجمالي بشكل رئيسي؛ لإبراز مواطن الجمال في الرواية , ومدى تأثر الشخصية بالزمان والمكان المحيطين بها , ودور الأسلوب الروائي في إظهار ثقافة الشخصية وفكرها ومستواها الاجتماعي . وقد وقع اختيار الباحث في هذه الدراسة على روايتي "غدار" و"شكست" للكاتب الهندي كرشن ﭼندر , وهو من أشهر كتاب اللغة الأردية في القرن العشرين , وقد ترك إنتاجاً أدبياً ضخماً على مدار سنوات عمره الأدبية التي تخطت الأربعين عاماً , ما بين قصص قصيرة وروايات ومسرحيات ومقالات . وقد تميزت كتاباته بكونها تمس المجتمع ومشاكله بشكل مباشر , وتناقش أوضاع الطبقة المتوسطة , وطبقة العمال والفلاحين , فقد كان كرشن مؤمناً بالفكر الاشتراكي , يركز في أعماله الأدبية على مظاهر الفساد المنتشرة في المجتمع الهندي في عصره , مع طرحه لوجهة نظره الإصلاحية . كما اصطدم في كتاباته بالعادات والتقاليد الدينية والاجتماعية البالية , داعياً إلىالتحرر من سيطرتها , ومنادياًبالمساواة الإنسانية وبغض الفرقة والتعصب .