الحماية الجنائية لحقوق الإنسان في مرحلة جمع الاستدلالات محاولة لإجراء التوازن بين سلطات مأموري الضبط القضائي وحقوق الإنسان

Abstract

تتناول الدراسة شرحاً لمرحلة جمع الاستدلالات التي يعمل فيها مأمور الضبط القضائي، وتكمن الدراسة موضوعاً هاماً وشائكاً، وهو خلق أو إيجاد توازن بين حقين أساسيين من حقوق الإنسان، وهما الحق في الأمن، وما يتطلبه ذلك من إجراءات لمكافحة الجريمة لتحقيق الأمن، وبين حق الإنسان في الحرية وعدم المساس بكرامته الإنسانية في أثناء قيام سلطات الضبط القضائي بالبحث عن الجرائم ومرتكبيها. فسوء استخدام رجال السلطة العامة المكلفين بإنفاذ القوانين لسلطاتهم ينعكس على النظام السياسي في الدولة، وتعتبر أداة لتقييم مدى التزام الدولة باحترام حقوق الإنسان ومراعاة الديمقراطية، بل وأصبحت معياراً لقياس إدارة الحكم الصالح، أي مدى التزام النظام بسيادة القانون. واعتمدنا في تحقيق ذلك التوازن على عدة محاور رئيسية، فالمحور الأول – تمهيدي – وهو تناول وظيفة الضبط القضائي وبيان خصائصها، وشرح لمفهوم حقوق الإنسان وبيان مدلول تلك العبارة وخصائصها وقيمتها القانونية وطرق حمايتها. والمحور الثاني – إجرائي – وهو بيان سلطات مأمور الضبط القضائي في مرحلة جمع الاستدلالات، وتم من خلاله استعراض المقصود بمرحلة جمع الاستدلالات وطبيعتها وإيضاح وسائل جمع الاستدلالات التي يستخدمها مأمور الضبط القضائي، وتناولت الدراسة السلطات الاستثنائية التي منحها المشرع لمأمور الضبط القضائي لمواجهة الجريمة المتلبس بها. فالتوازن بين حماية مبادئ حقوق الإنسان وبين سلطة الدولة في تعقب الجرائم يتطلب وجود تشريع إجرائي سليم متمثل في قانون الإجراءات الجنائية من خلال ما يتضمنه من تنظيم لسلطة الدولة في تعقب المجرمين، وكفالة الضمانات للمشتبه فيهم والمتهمين، التي وردت في مبادئ حقوق الإنسان، وتضمن تلك القواعد عدم التعسف في استخدام السلطة من قبل الدولة من خلال عدة محاور منها، بطلان الإجراءات التعسفية (غير القانونية)، وأيضاً توقيع العقوبات على من يقترفها، وكذلك توجيه القائمين على تلك السلطة بما يجب عليهم فعله، وبما يجب أن يتجنبوه، ومن زاوية أخرى تضمن تلك القواعد تحقيق المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان من خلال النص على الضمانات الممنوحة للمتهم في أثناء سير التحقيقات وقبلها بهدف تنمية القيم الإنسانية التي استقرت عليها البشرية، ذلك أن المجرم رغم ارتكابه للجريمة فإنه ما زال يحمل الصفة الإنسانية وتجب معاملته كإنسان مخطئ تقتص منه الدولة بالقانون من خلال العقوبة، وفي أثناء ذلك تحاول إصلاحه وجعله عضواً نافعاً. والمحور الثالث – موضوعي – وهو شرح لأهم المبادئ الدستورية التي نص عليها الدستور لضمان حقوق الإنسان في تلك المرحلة، وكذلك الجرائم التي وضعها المشرع الجنائي التي ترتكب ضد المتهم أو المشتبه فيه في أثناء تعرضه لسلطات الضبط القضائي، وذلك من خلال إلقاء الضوء على جريمة التعذيب وجريمة استعمال القسوة ضد المشتبه فيه أو المتهم. كما تضمن ذلك المحور حماية المشرع لحرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وكيف قام المشرع بتطويع النصوص القانونية لإعلاء حق من الحقوق الإنسانية، نص عليه جميع الإعلانات العالمية والدساتير الحديثة وهو أن المتهم برئ حتي تثبت إدانته. وتناولت الدراسة تلك المحاور مدعمة بما جاء في الاتفاقيات الدولية والإقليمية والمحلية التي تتعلق بحماية حقوق الإنسان، كذلك المبادئ الدستورية التي استقرت عليها أحكام المحكمة الدستورية العليا فيما يتعلق بحماية حقوق الإنسان في تلك المرحلة، وأخيراً أحكام محكمة النقض المصرية التي أوضحت الكثير من الضوابط التي يتعين على مأمور الضبط القضائي الالتزام بها أثناء عمله في مرحلة جمع الاستدلالات حتى لا يقع في التعدي على الحقوق الإنسانية للمشتبه فيهم أثناء عمله. واختتمت الدراسة بالنتائج التي توصل إليها الباحث من خلال الدراسة والتي تتعلق بوظيفة الضبط القضائي، ومرحلة جمع الاستدلالات، وقواعد حقوق الإنسان التي يجب احترامها والالتزام بها في أثناء تلك المرحلة. وذلك لإيجاد ترابط وتكامل وخلق مزيج بين حق الإنسان في الأمن وما يتطلبه ذلك من نشاط لجهات الضبط القضائي، وبين حق الإنسان في الكرامة الإنسانية وعدم الاعتداء على حريته وخصوصيته. وانتهي الباحث إلى مجموعة من التوصيات توجه بها إلى القائمين على إعداد مأموري الضبط القضائي، وإلى المشرع الجنائي، وإلى مأمور الضبط القضائي، مناشداً إياهم أن يقوموا بعلاج أوجه القصور التي تكشفت للباحث أثناء إعداده للبحث، والتمسك بالضوابط القانونية والمعايير الدولية والإقليمية والمحلية التي ذكرها الباحث لتحقيق التوازن المطلوب بين تحقيق الأمن والحفاظ على حقوق الإنسان أثناء مرحلة جمع الاستدلالات.