جسد المرأة في الخطاب النّسوي دراســة تحليليّــة لعَلاقــة الأزيــاء بالجســد

ميـس صبيـح خليـل زكريـا;

Abstract


شغٍَلت دراسات المرأة حيّزاً من اهتمام الباحثين في مجالات العلم المختلفة، حيث حظيت قضايا المرأة في الآونة الأخيرة باهتمام عالمي؛ فأصبحت بُؤرة اهتمام عدّة مؤتمرات عالميّة تهدف لنشر الوعي بأوضاع المرأة والعمل على تحسينها. وقد سعى الخطاب النسوي إلى تناول قضايا مرحلة ما بعد الحداثة، بمعنى تأثير هذه المرحلة على أوضاع وقضايا النساء، وأبرز هذه القضايا ما يتعلق بأجساد النساء واستخدامها بطريقة تعكس أهداف هذه المرحلة، والتي أُطلق عليها "المجتمع الاستهلاكي" الذي أصبح الجسد فيه – ولا سيّما جسد المرأة – موضوعاً أساسياً للإستهلاك. وتساوقاً مع الاهتمام بالمرأة وقضاياها، شغلت قضيّة الجسد الإنساني وما يرتبط به من قضايا المُفكرين والباحثين والفنانين واللاهوتيّين والعلماء عَبر العصور.
وشهِدت دراسات الجسد – ولا سيّما الدّراسات السوسيولوجيّة – اهتماماً مُتزايداً بالجسد والقضايا المُرتبطة به وتمثيلاته في الحياة اليوميّة واكتساحه لميادين وممارسات كانت غير معروفة، وأصبح موضوعاً لتفضيل الخطاب الجماعي ومرصداً للأحاسيس ومكاناً مميزاً للرفاهية وحسن المظهر؛ من حيث الشكل وبناء الجسم والأزياء والتجميل والحِميَة الغذائيّة ... الخ. فقد كان الجسد موضوع "التابو" الأول، لذا اختلفت نظرة البشريّة له عَبر العصور وتناولته العديد من العلوم، كعلم البيولوجيا وعلم الفسيولوجيا وعلم الطب والفلسفة والعلوم اللاهوتيّة وعلم سُلالة الجسد الحديث والفلسفة الميكانيكيّة لحركة الجسد.
وإذا كان الاهتمام بالجسد الإنساني قد لاقى هذا الاهتمام البالغ، فإن جسد المرأة قد حظي بمزيد من الاهتمام، خاصة مع نمو التيار النّسوي الذي أصبح ظاهرة دوليّة أوجدت تُراثاً جديداً وغزيراً عن النساء ومختلف جوانب حياتهنّ وخبراتهنّ، وهي في أغلبها ترتبط بجسد المرأة – خاصة قضيّة قهر الجسد – في ظل الهيمنة الذكوريّة. ولقد رأت النسويّات أن الاهتمام بالتنظير للجسد يتعلق بالمرأة على وجه الخصوص باعتبار أن جنسها هو الجنس الذي عهد الربط بينه وبين الجسد، فبدون دراسات الجسد لا يمكن أن تتبلور نظريّة نسويّة، ولا يمكن أن يتواجد جسد حديث، والسبب هو أن جسد المرأة نص مفتوح على كل الاحتمالات المُمكنة للتأويل، ومن ثم تتعدّد القراءات لهذا الجسد.
وتضيف الدراسة أن عَلاقة الناس بأجسادهم تعكس نمط عَلاقتهم بالأشياء المحيطة بهم، كما أنها تُحدّد نمط عَلاقاتهم الاجتماعيّة، وينسحب هذا بطبيعة الحال على الأزياء بصفة عامة وأزياء النساء بصفة خاصة. فإن المظهر الخارجي يُمثّل أحد مُحدّدات المكانة الاجتماعيّة، كما أنه يُعتبر مصدراً لتحديد الوضع القِيَمي للشخص، فمظهر الشخص هو الذي يمنح الآخرين انطباعاً بأنهم يواجهون موقفاً رسميّاً أو غير رسمي. بالإضافة إلى ما تُشغله الأزياء من عالم خاص له عَلاقة بالألوان والتصاميم وعالم من الجمال الأخّاذ، حيث تتهافت النساء لاختيار أجمل هذه الأزياء وأحلاها بما يتناسب وأذواقهنّ وفي حدود احتياجاتهنّ. حيث أنّ هناك عَلاقة وطيدة بين الأزياء والجسد منذ الأزل، فقد بدأت الإشارة إلى الأزياء منذ بدء الخليقة حين أشارت الكتب السماويّة. فالزيّ هو أحد لغات قراءة الجسد، كما أنه مرآة لقراءة التاريخ، ومن خلاله يمكن فهم الأبنية والمعاني والأفكار والهويّات، فالثياب هي اللحظة التي يصبح فيها المحسوس دالاً، وبالتالي حاملاً لعَلاقات خاصة ينقلها الجسد كوعاء معرفي إلى اللباس. ولهذا كان الزيّ في مختلف المجتمعات القديمة وسيلة للتعبير عن بعض الظروف والأوضاع الاجتماعيّة، كالمهنة والطبقة والانتماء الديني والمجال الجغرافي.
وانطلاقا مما سبق؛ فإن دراسة العَلاقة بين الجسد والزيّ من ناحية والعَلاقة بينهما (الزيّ والجسد) وبين الهويّة من ناحية أخرى قد لاقت اهتماماً خاصاً، وذلك بسبب الدور الذي لعبته ثقافة الاستهلاك الغربيّة إزاء الجسد، فقد اعتبرها البعض خيانة للجسد وسبباً رئيسيّاً في فقدانه لهويّته، خاصة بعد أن تحول الجسد في سياق هذه الثقافة إلى آليّة إعلانيّة للترويج للشركات المُتعدّدة الجنسيّة لاختراق السوق ونشر مُنتجاتها، وخاصة من الأزياء وأدوات التجميل، والتي تُعدّ من الصور الظاهريّة التي تعبر عن حالة الحِراك الاجتماعي التي شهدتها مجتمعات ما بعد الحداثة.
أولاً: مُشكلة الدّراسة
تحدّدت مشكلة البحث في محاولة رصد التغيّر الذي أحدثته الأزياء في شخصيّة المرأة، وما يتبعه من تأثير على تصورها لجسدها من خلال التغيّر التاريخي لنمط الأزياء في عالم مُتغيّر اقتحمته عوامل الانفتاح والعولمة والثقافة الاستهلاكيّة في ظل مجتمع أبوي منذ الأزل، مما جعلها تعيش نوعاً من التناقض الاجتماعي، ومناقشة ذلك ضمن الخطاب النّسوي الذي أسهم بشكل واضح في العديد من الدّراسات المُتعلقة بالمرأة انطلاقاً من مفهوم النوع، بالإضافة إلى الكشف عن الدور الذي تلعبه الأزياء في تغير صورة جسد المرأة لدى المجتمع.
ثانياً: أهداف الدّراسة
في ضوء مشكلة البحث والقضايا النظريّة هدفت هذه الدراسة إلى:


Other data

Title جسد المرأة في الخطاب النّسوي دراســة تحليليّــة لعَلاقــة الأزيــاء بالجســد
Authors ميـس صبيـح خليـل زكريـا
Issue Date 2014

Attached Files

File SizeFormat
g6168.pdf360.95 kBAdobe PDFView/Open
Recommend this item

Similar Items from Core Recommender Database

Google ScholarTM

Check

views 6 in Shams Scholar
downloads 2 in Shams Scholar


Items in Ain Shams Scholar are protected by copyright, with all rights reserved, unless otherwise indicated.