الجريمة فى الريف المصرى بين الضبط الاجتماعى والواقع دراسة أنثروبولوجية لبعض قرى محافظة الشرقية

نادية عبد القادر محمد مرسى;

Abstract


أولاً: مشكلة الدراسة
تشير أدبيات التراث السوسيولوجى الريفى إلى أن المجتمع الريفى يتسم بأنه متجانس، وبسيط ومستودع للقيم، وأن الضوابط غير الرسمية ذات فعالية، مما يقلل من حجم الجريمة فى المجتمعات الريفية، ويجعل من الجرائم التى تقترف فيها ما هى إلا جرائم بسيطة وليست خطيرة، كما تتحدد نوعيتها وتتسم بأنها جرائم تقليدية مرتبطة بخصائص تلك المجتمعات، وهذا أدى إلى عدم الاهتمام بدراسة الجريمة فى الريف، وبالتالى ندرة الدراسات الخاصة بها على المستوى المحلى والعالمى .( Steven C. Deller & Melissa A. Deller, 2010: 221 )
وترتبط الجريمة بالمجتمع الذى تنشأ فيه ارتباطاً وثيقاً؛ ولذلك فلابد من دراستها فى إطار السياق المجتمعى الذى وجدت فيه، وكذلك فى إطار الظروف المجتمعية والمتغيرات المحيطة لهذا المجتمع ( رباب رشاد، 2006: 111). وعن الجريمة فى مصر، يمكن القول أن المجتمع المصرى شهد مجموعة من التغيرات والتحولات المجتمعية التى أثرت على بنيته الاجتماعية، وأدت إلى انتشار صور مختلفة من الجريمة سواء على مستوى الأفراد أو المجتمع ككل ( ياسر السيد، 2006: 187 )، وبصفه خاصة المجتمع الريفى الذى هو جزء من المجتمع المصرى، ويأخذ حيزاً كبيراً على خريطة الواقع الاجتماعى الثقافى؛ نظراً لأن سكان الريف يمثلون أغلبية سكان المجتمع المصرى ( مروة حمدى سعد، 2002: 24 )، فضلاً عما تشهده القرية المصرية من تغيرات متلاحقة أثرت على بنيتها، وأدت إلى أن الجريمة التى كانت تقليدية، أخذت آليات جديدة فى التنفيذ والانتشار، إلى جانب ظهور أنماط حديثة من الجرائم التى من طبيعتها أنها جرائم حضرية، حيث أصبحت القرية الريفية تتسم ببعض ملامح الحياة الحضرية حتى فى ارتكاب الجريمة فيها.
ويرى "باركلى" أحد علماء نظرية الفرصة، أن القرى الريفية البسيطة تغيرت بنيتها؛ نتيجة لانفتاحها على المجتمعات المجاورة لها، وانتشار وسائل الاتصال الحديثة فيها من المحمول والأنترنت، إلى جانب التليفزيون، مما أدى إلى تطور الجريمة فى هذه القرى، ولم تعد هى الجريمة التقليدية المرتبطة بالطبيعة الريفية، والتى تدور أحداثها حول الأرض الزراعية وما يتعلق بها، بل ظهرت جرائم حديثة مرتبطة بهذا التغير والتطور ( Daniel P. Mears, et al, 2007: 158).
وتشير بيانات تقرير الأمن العام إلى تنوع الجريمة وانتشارها فى المحافظات الريفية، والدليل على ذلك اتساع النطاق الريفى فى محافظة الشرقية، فهى تعد من أولى المحافظات الريفية فى جمهورية مصر العربية ( الشرقية أون لاين: مصر فى أرقام، تقدير أعداد السكان طبقاً للمحافظات: حضر وريف، فى 1/7/2010 )، وجاء فيها أنواع من الجرائم التقليدية والمستحدثة، كما بلغ اجمالى الجرائم فيها عام 2011 ما يقدر بـ (940) جريمة بنسبة 1,9% من اجمالى الجمهورية البالغ عدده (48350) جريمة ( الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء/ النشرة السنوية لإحصاءات الخدمات الاجتماعية، 2011: 50 ).
ونظراً لأن تقارير الأمن العام لا تُفرد للجريمة فى الريف إحصاءات خاصة؛ لذلك توضح نتائج الدراسة الحالية أن الجريمة فى القرى موضوع الدراسة متنوعة ومنتشرة ما بين: جرائم القتل التى بلغ عددها 47 جريمة بنسبة 33,8% من اجمالى الجرائم البالغ عدده (139 جريمة)، وجرائم الخطف وبلغ عددها 19 جريمة بنسبة 13,7% من اجمالى الجرائم خلال فترة الدراسة الميدانية من عام 2009 إلى عام 2013، وجرائم أخرى كان من الصعب حصرها – بسبب انتشارها- خلال هذه الفترة مثل: تعاطى المخدرات والاتجار فيها، والسرقات، فضلاً عن الجرائم المستحدثة التى برز فيها استخدام المحمول والأنترنت، وكذلك جرائم البلطجة وسرقة السيارات.
ومن خلال استقراء الببليوجرافية الشارحة للإنتاج العربى فى علم الاجتماع – خلال الفترة من عام 1924 إلى عام 2000 - والخاص بدراسات الجريمة نلاحظ كثرة الدراسات الخاصة بالجريمة بشكل عام، وكذلك الجريمة فى الحضر أو الحضر والريف معاً من واقع دراسة المؤسسات العقابية، كما تركز هذه الدراسات اهتمامها على دراسة نمط واحد من الجريمة وتحليل إحصاءاته، والكشف عن كيفية وعوامل ارتكابه ( محمد الجوهرى، أحمد زايد، 2001، 2003 ).
كما أن الإنتاج العلمى لدراسة الجريمة – خلال الفترة من عام 1952 إلى عام 2002 - كان يركز فى معظمه على الجانب النظرى الذى يغلب عليه الطابع القانونى، ويرتكز على النصوص القانونية وشرح أحكام القضاء، والإجراءات الجنائية والدراسات المقارنة بين الشريعة والقانون فى مجال الجريمة، أما الدراسات التطبيقية على الجريمة فقد كانت فى معظمها تحاول الإجابة عن تساؤلات خاصة بالمشكلات الاجتماعية الاقتصادية لمرتكبى الجرائم، وكذلك السمات النفسية، والمؤسسات التربوية والاجتماعية التى تعمل فى مجال إعادة التأهيل، وهى بالفعل تعد قليلة وهناك حاجة ملحة للاهتمام بتلك النوعية من الدراسات التطبيقية التى تهتم بالواقع الفعلى، الأمر الذى يؤدى بدوره إلى توفير الرؤية المتعمقة لظاهرة الجريمة ( نيفين علم الدين، 2006: 30 ).
وانطلاقاً مما سبق، يتبين قلة الدراسات التى اهتمت بالجريمة فى الريف من حيث: أنماطها، وحجم انتشارها، وكذلك وسائل وعوامل ارتكابها، وآليات مواجهتها، وأيضاً ارتباط كل ذلك بطبيعة المجتمع الريفى.
ومن هنا، تبرز إشكالية الدراسة لتركز على الجريمة فى الريف من منظور الثقافة الريفية التى تتسم بالتضامن الآلى، والأخلاق الجمعية، وعلاقات الوجه للوجه، وسيادة العرف، حيث تم رصد بعض الجرائم التى تم ارتكابها فى بعض القرى الريفية بمحافظة الشرقية، والتى تكشف عن أنواع الجرائم وحجم انتشارها، وعلاقة ذلك بالطبيعة الجغرافية والإيكولوجية لهذه القرى، وكذلك الكشف عن كيفية وعوامل ارتكاب هذه الجرائم، وآليات الضبط الاجتماعى الرسمية وغير الرسمية فى مواجهتها والحد من انتشارها وخطورتها فى الريف.
ثانياً: أهداف الدراسة
1- اختبار المقولة التى طرحها التراث السوسيولوجى الريفى ومؤداها أن: "المجتمع الريفى يتسم بأنه متجانس، وبسيط ومستودع للقيم، وأن الضوابط غير الرسمية ذات فعالية، مما يقلل من حجم الجريمة فى تلك المجتمعات، ويجعل من الجرائم التى تقترف فيها ما هى إلا جرائم بسيطة وليست خطيرة، كما تتحدد نوعيتها وتتسم بأنها جرائم تقليدية مرتبطة بخصائص البيئة الريفية الزراعية.
2- رصد أنواع الجريمة، وأيها أكثر انتشاراً فى مجتمعات الدراسة.
3- الكشف عن الطبيعة الجغرافية والإيكولوجية لمحافظة الشرقية وعلاقة ذلك بالجريمة فى قرى الدراسة.
4- التعرف على كيفية اقتراف الجريمة حسب خصوصية كل نوع منها، وخصائص مرتكبيها
وضحاياها فى قرى الدراسة.
5- الكشف عن عوامل ارتكاب الجريمة وعلاقتها ببنية القرى موضوع الدراسة.
6- التعرف على آليات الضبط الاجتماعى الرسمية وغير الرسمية فى مواجهة الجريمة فى قرى الدراسة.
ثالثاً: تساؤلات الدراسة
تحاول الدراسة الإجابة على تساؤل رئيس هو: ما أنواع الجرائم، وأيها أكثر انتشاراً وارتباطاً بطبيعة المجتمع الريفى؟ وينبثق من هذا التساؤل مجموعة أسئلة فرعية هى:
1- ما مدى صدق المقولة التى ترى أن الجريمة فى الريف بسيطة وتقليدية وحجم انتشارها ضئيل؟
2- ما وجهة نظر أفراد قرى مجتمعات الدراسة فى الجريمة الريفية من حيث: التعريف، والأنواع؟
3- ما أنواع الجرائم التى تُرتكب فى قرى الدراسة، وما أكثرها انتشاراً، ولماذا؟
4- ما كيفية اقتراف الجريمة وفقاً لخصوصية كل نوع منها فى قرى الدراسة؟
5- ما الخصائص الديموجرافية لمرتكبى الجريمة وضحاياها فى قرى الدراسة؟
6- ما عوامل ارتكاب الجريمة، وعلاقة هذه العوامل بطبيعة المجتمع الريفى وبنية قرى الدراسة؟
7- ما آليات الضبط الاجتماعى الرسمية وغير الرسمية فى مواجهة الجريمة فى قرى الدراسة؟
رابعاً: أهمية الدراسة
1- الأهمية النظرية والمنهجية:
تكمن الأهمية النظرية للدراسة فى اختبار أو تطويع بعض النظريات المفسرة للجريمة مثل: نظرية الصراع، ونظرية الأنومى لدى كل من "دوركايم وميرتون"، ونظرية المخالطة الفاصلة، ونظرية بناء الفرصة، والوصمة والتسمية الانحرافية، وكذلك نظرية الضبط الاجتماعى.
أما عن الأهمية المنهجية للدراسة، ففى إطار تطوير المنهج الأنثروبولوجى تم الاستعانة بأسلوب المسح، والذى ندر استخدامه فى البحوث الأنثروبولوجية. وهذا المسح لم يتم باستخدام المنهج الإحصائى، ولكن من خلال الاستعانة بدليل جمع المادة الميدانية والإخباريين والمقابلات التى لم تستلزم الإقامة والمعايشة لفترات طويلة، حيث تم إجراء مسح إيكولوجى على مجموعة من القرى بلغ عددها (25) قرية موزعه جغرافياً على خريطة محافظة الشرقية.
2- الأهمية التطبيقية:
تتمثل الأهمية التطبيقية للدراسة فى كون نتائجها قد تفيد فى فهم واقع القرى الريفية، ومدى التغير الذى لحق بأوجه الحياة بها، وما أحدثه هذا التغير من ظهور أنماط من الجريمة يرتكبها بعض الأفراد أو يتعرضون إليها. وقد تفيد هذه النتائج صناع القرار والجهات المعنية بالريف وأمنه فى وضع الاستراتيجيات الخاصة بردع الجريمة وتحقيق الأمن والاستقرار فيه.


Other data

Title الجريمة فى الريف المصرى بين الضبط الاجتماعى والواقع دراسة أنثروبولوجية لبعض قرى محافظة الشرقية
Other Titles “Crime in the Egyptian Rural Between Social Control and Reality” An Anthropological Study in Some Villages of Sharkia Governorate
Authors نادية عبد القادر محمد مرسى
Issue Date 2015

Attached Files

File SizeFormat
G12114.pdf2.11 MBAdobe PDFView/Open
Recommend this item

Similar Items from Core Recommender Database

Google ScholarTM

Check

views 6 in Shams Scholar
downloads 4 in Shams Scholar


Items in Ain Shams Scholar are protected by copyright, with all rights reserved, unless otherwise indicated.