التماسك النصي عند ابن المقفع دراسة في مؤلفاته الإبداعية

Abstract

الحمد لله رب العالمين المنعوت بجميل الصفات، وصلاة وسلامًا على سيِّدنا محمد أشرف الكائنات المبعوث بالهدى ودين الحق؛ليظهره على الدين كله،وعلى آله وصحبه وتابعيه إلى يوم الدين. وبعد: إن لسانيات النص فرع من فروع اللسانيات التى تعنى بدراسة النص وإبراز مميزاته،والبحث عن محتواه الإبلاغى التواصلى؛حيث تحتل النصيَّة فيها مكانًا مرموقًا؛لأنها تجرى على تحديد الكيفيات التى ينسجم بها النص،وتكشف عن الأبنية اللغوية،وكيفية تماسكها،من حيث كونها وحدات لسانية،تتحكم فيها قواعد إنتاجية متتالية. ويتسم هذا العلم بتشعبه إلى حد بعيد؛إذ إننا لا نجد إلا قدرًا ضئيلا من الاتفاق حول مفاهيمه،وتصوراته ومناهجه،حيث إنه قد استوعب حدًا لا يستهان به من المفاهيم؛نظرًا لكثرة منابعه،وأخذت اتجاهات البحث فى هذا العلم أشكالا عدة تبعًا للأسس التى يستند إليها،فنجد اتجاهًا يعتمد على علم اللغة الوصفى،وآخر يعتمد على علم اللغة الوظيفى،وثالثًا يقوم على علم اللغة التركيبى. ولقد بهرنى علم النص وأغرانى كما أغرى غيرى، فوجدت أن من أحق النصوص العربية ميدانًا لتطبيق هذا العلم هو نثر ابن المقفع؛ذلك أن نحو النص لا ينطوى على دراسة اللفظة المفردة أو الجملة التى حدد عناصرها النحاة بأنها ما كانت اسمية أو فعلية،كما حددوا عناصر كل من هاتين الجملتين؛لكن نحو النص يركز على دراسة التراكيب من حيث كونها وحدات الكلام المستخدم فى التعبير،وفى الوقت ذاته لا يهمل اللفظة المفردة تمامًا،وإنما يدرسها بما لها من علاقة مع الوحدات المتجاورة وباقى أجزاء التراكيب الأخرى السابقة له أو اللاحقة عليه؛وذلك باعتبارها كلا واحدًا؛ ومن ثَّم كان التمرد على نحو الجملة والانتقال إلى نحو النص. موضوع الدراسة: إن موضوع هذه الدراسة يهتم بالبحث فىالتماسك النَّصى ووسائله المختلفة وتحليلها،وإبراز دورها فى تحقيق الاتساق والانسجام بين أجزاء النص وتماسك عناصره فى أسلوب ابن المقفع،وذلك من خلال مؤلفاته النثرية الإبداعية- موضوع البحث- المتمثلة فى (الأدب الكبير،والأدب الصغير،ورسالة الصحابة).وقد طبعت هذه الأعمال النثرية السابقة فى عدة دور للنشر منها:عالم الكتب،ودار الهلال،ودار الفكر، ودار الجيل، ودار الكتب العلمية، وغيرها. والحقيقة التى لا مراء فيها،أن ابن المقفع لم يكن مجرد ناثر أو كاتب من كتاب الدواوين والإدارة على نحو ما كان عليه كتّاب سبقوه أو عاصروه فى العهد الأموى والعباسى،وإنما كان كاتبًا متفردًا، وفيًا لإخوانه وأصدقائه، ومثلا أعلى للمروءة والإخلاص، ومصلحا اجتماعيا من طراز خاص، وعاملا– فى الوقت ذاته- على تزويد الثقافة العربية بتيارات فكرية لم تكن معروفة فى الساحة الثقافية فى بغداد أو فى البصرة فى زمانه، ولعل آثاره الأدبية أكبر شاهد على سعة عقله وعبقريته،وأنه جدير بأن يكون صاحب المدرسة الرائدة فى النثر.