مفهوم الرجولة كما تعكسه تنشئة الأم لأبنائها في المجتمع المصري: دراسة سوسيو- أنثروبولوجية

Abstract

على الرغم مما تشهده الدراسات الاجتماعية في الغرب من زخم متزايد في الدراسات النقدية للرجولة والنقاشات الدائرة حول قضايا الرجل، لا زال أمامنا في مصر والعالم العربي الكثير في هذا المقام؛ ذلك أننا بصدد قضية لم تُنظَر بَعد، هي قضية الرجل المصري.فمكتبة العلوم الاجتماعية في مصر بوجه خاص، وفي العالم العربي بشكل عام، في حاجة للمزيد من هذه الدراسات ( Abidi, 2008; Ouzgane, ND; Moghadam, 2003; Joseph, 1999; 1993; 1986) والمرصفي،2007؛ Keen, 1992). وكمحاولة لرأب هذ الصدع، تعتبر الدراسة الحالية محاولة للتعريف بهذا الحقل العلمي الحديث نسبياً، مع التركيز على مبحث "صناعة" الرجولة. أما عن التطبيقات المأمولة لهذا التخصص الهام، فنرجو أن تتم وفق رؤية سياقية لا تبتعد منهجياً أو نظرياً عن خصوصية الثقافة المحلية. ومن خلال توظيف مدخل نظري بيني وتكاملي، تهدف الدراسة إلى فهم العلاقة بين "صناعة" الهوية الذاتية لدى الرجل وغرس مفهوم الرجولة من ناحية، وبين تنشئة الأم من ناحية أخرى. وقد سعت الباحثة في سبيل ذلك إلى التركيز على الأبعاد السوسيو-ثقافية للموضوع، وهو ما استلزم تخطى قضية "الذكورة" ذات الدلالة البيولوجية. وفي هذه الأثناء، سعت الدراسة إلى تكوين تصور سياقي contextualعن المدلول الجمعي لمفهوم "الرجولة"، وأنماط هذه الرجولة التي تشكلها تنشئة الأم. وبالإضافة إلى ما سبق، تعتبر الدراسة محاولة للاقتراب من بعض القضايا الخاصة بالرجل المصري، والتي قلما تم تناولها في البحوث العلمية والأوساط الأكاديمية بشكل متعمق. ويتناول الفصل التالي هذا المبحث. ويتناول الفصل الحالي: (1) مشكلة الدراسة وأهدافها وأهميتها وتساؤلانها وأسباب اختيار موضوعها، و(2) فصول الدراسة، ثم (3) أهم المفاهيم والتعريفات الإجرائية الواردة في الدراسة. أولاً: مشكلة الدراسة إن قضايا ومشكلات الرجل لا تنفصل عن قضايا ومشكلات المرأة. فوضع المرأة لا بد أن يكون له مردود على حياة الرجل أيضاً، وأحوال الرجل لا بد أن تنعكس على حياة المرأة. وقد لمست الباحثة إشكالية مبدئية تتمثل في القصور الملحوظ في الدراسات الاجتماعية التي تتداخل فيها قضايا الرجل مع قضايا المرأة. كما لاحظت أن الدراسات التي تتناول الرجل والرجولة تندرج في الغالب ضمن دراسات المرأة أو الدراسات النسوية. ومن هنا، سعت الباحثة لاستكشاف حقل دراسات الرجل وأنماط الرجولة، وذلك من خلال محاولة التعرف على أساليب إنتاج الهوية الذاتية للرجل عن طريق تنشئة الأم في المجتمع المصري. وفي سياق ندرة الدراسات التي تتناول الرجل، لاحظت الباحثة أيضا غياب ملحوظ لمدلول واضح ومُحدَّد لمفهوم الرجولة، علاوة على بعض القصور في الاهتمام البحثي "بقضايا الرجل" المصري ومشاكله، مقارنةً بالاهتمام الواسع بقضايا وحقوق المرأة. وترتيباً على ما سبق، تتمحور مشكلة الدراسة حول الأبعاد الاجتماعية والثقافية التي تلعب دوراً في تنشئة الأم لأبنائها، ودورها في تخليد المفاهيم والإرث الثقافي المتصل بالرجولة والأنوثة وتوريثها للأبناء. وتتطرق الدراسة أيضاً لبعض الإشكاليات، ومنها ضرورة إيجاد تعريف سياقي للرجولة في المجتمع المصري؛ وهو ما يعتبرمهمة محفوفة بالمآزق العلمية "الموضوعية". فقد تبين أهمية عدم التقيد بتعريفات سالفة دون مراجعة نقدية وتنقية تحليلية Connell &Messerschmidt, 2005: 831)) . كما تتضح أهمية مراجعة بعض القوالب الثقافية السائدة، مثل وقوع المرأة دائما ضحية لقهر الرجل، في حين أن ثمة شواهد تدلل على أن المرأة تَتسبب أحياناً في قهر الآخر، رجالاً ونساءً. وتظهر هنا ضرورة استكشاف دور الأم في ترسيخ وتوريث الموروثات التي تكرّس اضطهاد المستضعَفين والأقل حظاً ضمن محيطها الاجتماعي، وخاصة المرأة. ثانياً: أهداف الرسالة تهدف الدراسة- أولاً- إلى سد النقص في تراث العلوم الاجتماعية في مصر بوجه خاص، وفي العالم العربي بشكل عام، فيما يتعلق بالدراسة العلمية والنقدية لمفهوم الرجولة، وإعادة قراءة ما يرتبط به من مفاهيم من منظور أكثر ملاءمة لواقعنا الاجتماعي المعاصر وتاريخنا وثقافتنا. وتتوجه الدراسة في الوقت نفسه نحو بناء رؤية متكاملة عن الرجولة باعتبارها انعكاسا لتنشئة الأم لأبنائها في المجتمع المصري. وتطمح الباحثة أن تكون الدراسة نقطة مضيئة ملهمة لبحوث لاحقة تسعى لتفكيك بعض المفاهيم التي تؤخر البناء الإنساني والاجتماعي. كما تهدف الدراسة إلى استكشاف أنماط التنشئة التي يمكن أن تساهم في حصول الرجل والمرأة على استحقاقاتهما الإنسانية كاملةً، دون أن يكون ذلك على حساب الطرف الآخر. وتصبو الباحثة أيضاً إلى التعرف على بعض الموروثات التي ترسخها الأم، والمتصلة بالأدوار والتوقعات المرتبطة بالنوع. وأخيراً، ترجو الباحثة أن تساهم الدراسة في مناقشات نظرية مثيرة وجديرة بالاهتمام. ثالثاً: أهمية الدراسة لكل دراسة أكاديمية أهميتها التي تدفع الباحث لسبر أغوارها، ومحاولة التوصل إلى نتائج تجيب على تساؤلاته، عن طريق توظيف أدوات ومناهج مختلفة بشكل علمي موضوعي (عبد الهادي الجوهري، 1997: 99). وتستمد الدراسة الحالية أهميتها من خلال أربعة محاور أساسية، يتعلق أحدها بالحداثة النسبية لموضوع الدراسة وما يمكن إضافته لما سبق من دراسات، والثاني بالجانب النظري والمفاهيمي الذي يتم من خلاله تناول موضوع الدراسة، أما المحور الثالث فيتعلق بالأهمية التطبيقية، بمعنى توظيف البحث في وضع خطط إصلاحية وفق ما يرتضيه التطور الطبيعي للمجتمع. وأخيراً، تكمن أهمية الدراسة في جانبها المنهجي والعملي. وتوضح السطور التالية كلاً من هذه الجوانب. أ‌- أهمية الدراسة بالنسبة لما سبقها من دراسات أما من حيث أهمية حداثة موضوع الدراسة الحالية، فتأمل الباحثة أن تتميز الدراسة بكونها قيمة علمية مضافة، تسد النقص في مكتبة علم الاجتماع والأنثروبولوجيا العربية فيما يتعلق بالدراسات النقدية للرجل وأنماط الرجولة". فقد ركزت الدراسات السابقة جَلّ اهتمامها على قضايا المرأة، مع إغفال ملحوظ لمبحث الرجولة وتنشئة الأم "صانعة" الرجال بمعاونة موروثات ثقافية تكرسها هي وتعيد إنتاجها. فالباحثة تطمح تكون الدراسة الحالية قاعدة تنطلق منها دراسات أخرى عن الرجولة في مصر والعالم العربي. ب-الأهمية النظرية والمفاهيمية تكمن الأهمية الثانية للدراسة في إطارها النظري والمفهومي، من حيث تبني رؤية نظرية نقدية للتراث الثقافي السائد في المجتمع المصري وما يتضمنه من مفاهيم، والاستعانة بمداخل نظرية تساعد في رصد وتفسير الرؤى المعرفية الجمعية لمفهوم "الرجولة" وارتباطه بتنشئة الأم باعتبارها أفصح من يعبر عن حفظ وتوريث المفاهيم والرموز الثقافية. كما تقدم الباحثة أطروحة "تأنيث القهر"، بمعنى دور المرأة، خاصة الأم، في وقوع القهر على نفسها وعلى من هم أضعف أو أقل حظا منها.