المراجعات الفكرية للجما عات الدينية فـي مصر منذ أواخر القرن العشرين

Abstract

الخطأ شيمة البشر، وهو صفة لازمة لهم في حياتهم وفي اجتهاداتهم؛ يعملون فيصيبون ويخطئون، والسويّ هو من يقف مع نفسه ليراجع مواقفها ويعيد النظر فيها؛ من أجل تصويب الوجهة، وتصحيح المسار، وأخذ الدروس، والاعتبار مما وقع من أخطاء منعًا لتكرارها، وتلك هي عملية المراجعة التي لا ريب أنها غالبًا ما تكون وليدة خطأ وغلو وتطرف، لاسيما إذا ما اقترنت بالفكر والاعتقاد، ومن هذا القبيل كانت مراجعات الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد المصريتين أواخر القرن العشرين، والتي كان لها آثارها الكبيرة على الساحتين المصرية والعالمية، وهي موضوع هذه الدراسة. فعلى غير مثالٍ سبق في الفكر والتاريخ الحديث والمعاصر، جاءت مراجعات الجماعتين سالفتي الذكر بعد نحو عقدين من النشوز والعنف والقتل، لتحولهما من جماعات عنفية مسلحة إلى جماعات دعوية سلمية، وليتوقف على إثرها شلالات من الدم المصان، وتحيا نفوس آلاف من البشر كانت معرضة للضياع وللهلاك، ما كان لها أن تقع ولا أن تكون لولا عدة أفكار تضمنتها مجموعة من الأدبيات التي نظّرت لجاهلية المجتمعات، وفكر الخروج على لحكام، وحتمية المواجهة، وسوّغت للقتال والاعتداء على السائحين والأقباط. وبهذه المراجعات صنعت الجماعتان ظاهرة فريدة من نوعها، سيظل يذكرها التاريخ ويسطرها المفكرون والمؤرخون على السواء؛ إنها ظاهرة النقد الداخلي، ومراجعة الأفكار السابقة، وتقييمها، وتبني أضدادها بعد اعتناقها والمنافحة عنها ردحًا من الزمن، بما يعبر عن منجزٍ من أفكارٍ مختبرة ومصهورة في بوتقة التجربة والمعاناة في المواجهة مع المجتمع والأنظمة الحاكمة والعالم الخارجي. وهذه الدراسة ترصدتلك التجربة الرائدة والفريدة والمهمة في تحولات جماعات العنف الديني، وتبحثها من أصولها وجذورها، وجوهرها هو ما أنجزته هذه المراجعات من وثائق وأدبيات فكرية وفقهية جاوزت العشرين مؤلفًا للجماعتين، تنتقدان فيها الفكر القديم وتنقضانه،