المساجد العثمانية الباقية بمدينة بنغازي الليبية من العصر العثماني حتى الاحتلال الإيطالي (958-1329ه/ 1551-1911م)

Abstract

ازدهرت العمارة والفنون الإسلامية في ليبيا ازدهارا كبيرا وخاصة في القرون الأربعة الأولى للهجرة، ولا تزال كثير من المدن الليبية تزخر بالعديد من الآثار الإسلامية التي يعود تاريخها إلى فترات حكم الدول المختلفة التي توالت على حكم هذه البلاد، خاصة تلك التي ترجع إلى العصر العثماني بعهديه: الأول 958-1123ه/1551-1711م، والعهد القرمانلي 1123-1251ه/1711-1835م، والثاني 1251-1329ه/1835-1911م. ولعلَّ أهم ما يميز الفن والعمارة الإسلامية في ليبيا بصفة عامة هو البساطة وعدم التعقيد خاصة في المعمار الديني سواء تلك التي شُيدت في الفترات التي سبقت فترة الحُكم العثماني أم تلك التي شيدت في فترته بعهودها الثلاثة. ويرجع ذلك إلى الفلسفة المتجذرة في نفوس المعماريين والبنائين والمزخرفين والأهالي وهي البساطة في البناء، والخلوّ من الزخرفة، والنظر إلى تخطيط وتنفيذ المسجد على أنه أنشِئَ لغرض وظيفي معين. ولم تلق الآثار الإسلامية في بنغازي العناية الكافية من قبل الدارسين والباحثين الذين اهتموا بوضع الموسوعات الضخمة عن الفن الإسلامي، فلم تحظ إلا بصفحات قصيرة فيما كتبوه. ويرجع السبب في ذلك إلى أمور عدة تأتي في مقدمتها صعوبة الكتابة في هذا الموضوع لقلة المصادر والمراجع بل وندرتها، وفي الوقت ذاته تتطلب الكتابة الدراسة العلمية الصحيحة لهذا الموضوع، وضرورة مشاهدة هذه الآثار، وما تحويه من تُحف ثابتة ومنقولة، وفحصها، ودراستها، ورفعها رفعا معماريا دقيقا، ثم تحليل عناصرها المعمارية والزخرفية لمعرفة خصائصها ومميزاتها، يلي ذلك استخلاص النتائج العلمية المتعلقة بدراستها والمؤثرات البيئية، والتأثيرات الوافدة. ولم يتبق من مساجد بنغازي المبكرة إلا قليل جدًّا، حيث اندثر عدد كبير من المساجد الأثرية ببنغازي التي تعود للعصر العثماني بفعل التقادم وعوامل الطبيعة أو عبث الإنسان. ونلاحظ أن هذه المساجد متنوعة الطراز، وربما يكون هذا التنوع ناتجًا عن عمق التقاليد المحلية الموروثة، واختلاف مواد البناء، وتباين المناخ بين المناطق (الساحلية والصحراوية)، فضلاً عن التأثيرات الوافدة عن طريق الأتراك، أو عن طريق التنقل بهدف ا