الدور الاقتصادي للقاضي الإداري في مصر وفرنسا (دراسة مقارنة)

محمد محمود سلامة جبر;

Abstract


لئن كانت دراسة تطور القضاء الإداري الفرنسي تعكس تاريخًا طوي ً لا
من الكفاح المستمر ضد خطر اتساع السلطة التقديرية للإدارة ، وكا ن هذ ا
الكفاح، قد مر بمراحل عديدة تنوعت وتعددت فيها وسائل وأساليب رقابته علي
أعمال الإدارة، وأدت في النهاية إلى الظهور التدريجي لأوجه إلغا ء القرا ر
الإداري حتى ظهور الوجه الأخير، وهو الغلط البين في الستينيات من القر ن
الماضي، فإن هذا التطور في دور القاضي الإداري كان يعكس في الوقت ذاته
تطورًا في وظائف الدولة، ووسائل وأساليب تدخلها في مختل ف المجالات ،
وبصفه خاصة في المجال الاقتصادي الذي شهد تحولات كبيرة ف ي النص ف
الثاني من القرن العشرين،وعلي وجه الخصوص، في العقود الثلاثة الأخير ة
تحت تأثير عوامل متعددة في مقدمتها تسارع وتبره التطورات العالمي ة ف ي
المجال الاقتصادي نتيجة لزيوع العولمة بما تقوم عليه من إزالة القيو د بي ن
الدول أمام التبادل التجاري، وإطلاق قوى المنافسة بينها، وأدت إلى تغييرا ت
جذرية في النظم والمراكز الاقتصادية، وغيرت الكثير من طبيعة العلاقات بين
الدول.
وقد عزز من حدوث هذه التحولات الاقتصادية، اعتماد الدول لاتفاقيات
تحرير التجارة العالمية وما أدت إليه من إنسياب حرك ة الأفرا د والبضائ ع
ورؤوس الأموال بين الدول.
كما ساعد علي ذلك أيضًا تنامي الاهتمام العالم ي بحقو ق الإنسا ن
وحرياته الأساسية، وفي مقدمتها حرية التجارة ، وحري ة ممارس ة النشا ط
الاقتصادي، وحرية العمل والحرية النقابية، وحرية المنافسة، وحرية التملك ،
وغيرها من الحريات التي شهدت تحو ً لا جذريًا في القر ن العشري ن حت ى
استقرت في الضمير الإنساني باعتبارها تمثل البنيان الذي يجب أن يقوم علي ه
نظام الحكم في أي دولة، بل والنظام الاقتصادي والاجتماعي لأي مجتمع.
ولئن كانت العوامل والتطورات الاقتصادية المتقدمة وما صاحبها م ن
تطورات قانونية وسياسية، قد أدت إلى تنوع وتعدد صور تدخل الدول ة ف ي
- ١٠٦٤ -
المجال الاقتصادي، وما أفضي إليه ذلك من بروز شكل جديد من أشكال تدخل
الدولة، وهو الدور التنظيمي،فقد أدت أيضًا إلي إضفاء طابع خاص علي نظ م
وقواعد التدخل، لكونها محصلة لمجموعة م ن الاعتبارا ت المعقد ة فنيًا ،
والمتشابكة اقتصاديًا من جهة، والمرتبطة بسياسة الدولة العليا، وعلاقتها بالدول
الأخرى من جهة أخرى.
واقتضى ذلك كله وجوب تمتع الإدارة بسلطات واسع ة تمكنه ا م ن
مواجهة هذه التطورات، ومواكبة هذه المتغيرات بما يضم ن تكي ف العم ل
الإداري معها، ويساير المستلزمات الحديثة للمنافسة الاقتصادية ، ويستجي ب
والسياسة الاقتصادية للدولة، ويلبي احتياجاتها.
وإزاء هذه الظروف، وهذا التغير والتنوع في الحياة الاقتصادية، وف ي
أساليب التدخل الاقتصادي للدولة، فقد أصبح من الضرور ي وجو د رقاب ة
قضائية فعالة ومتعمقة على أساليب ووسائل التدخل الاقتصادي للدولة، وعل ي
كافة القرارات الصادرة في المجال الاقتصادي، كي تواجه السلط ة التحكمي ة
للإدارة واختصاصاتها الواسعة في هذا المجال، رقابة تتحر ر م ن الإطا ر
التقليدي لرقابة للقضاء الإداري، وتنزل علي مفاهيم النظام الاقتصادي ومعاييره
وقواعده، وتتابع تطوره السريع، وما يعترك علاقاته من منافسات اقتصادية ،
مسلطة الضوء علي غاية المشرع من النصوص، والغرض الذي سع ى إل ى
تحقيقه. وقد أدى ذلك كله إلى إضفاء طابع خاص على الرقابة القضائية عل ى
القرارات الصادرة في المجال الاقتصادي، ليس فقط في مداها، ولكن في طريقة
ممارستها وطبيعتها.
هذه الشرعية الاقتصادية الجديد ة فرض ت عل ي القاض ي الإداري
استحداث وسائل وأساليب جديدة لرقابته تتوافق مع هذه المتغيرات في المجا ل
الاقتصادي. فالقاضي الإداري لا يعيش بمعزل عنها، بل يتأثر بها ويؤثر بها ،
وينفعل بها، ويتفاعل معها، من أجل ممارسة رقابة أكثر فاعلية ليس فقط عل ى
أسباب القرار الإداري- كما تجري الرقابة التقليدية- وإنم ا عل ي الظرو ف
والممارسات الاقتصادية. فتقدير شرعية القرار الاقتصادي لا يكون بالنظر إلى
- ١٠٦٥ -
أسبابه ووسائله والآثار التي ترتبت عليه فقط، وإنما أيض ًا إل ى ممارسات ه
وظروفه. ومن المؤكد أن ذلك لن يتحقق إلا من خلال قيام ه بدو ر إنشائ ي
وإبداعي خلاق نزو ً لا على خصيصه أساسية للقضا ء الإداري، وه ي كون ه
قضاءًا إنشائيًا وليس قضاءًا تطبيقيًا، وحرية واسعةيتمتع بها في ممارسة دوره
الإنشائي، وهي حرية تتصف بالمرونة، وتمكنه من مواجهة ظرو ف الواق ع
ومتغيراته.
ولا ريب أن العوامل المتقدمة قد أدت إلى التحولات الاقتصادية الت ي
شهدها العالم وما صاحبها من بروز أشكال خاصة لوسائ ل وأسالي ب ت دخل
الدولة، وما ترتب عليها من آثار على صعيد اتساع سلطا ت الإدارة، وأهمي ة
اتساع سلطات القاضي الإداري وتفعيل دوره في ابتداع الحلو ل للمنازعا ت
المطروحة عليه، والقيام بدوره الإنشائي بسد الفرا غ الناش ئ ع ن غيا ب
النصوص التشريعية أو غموضها، أو عدم كفايتها، أو اكتشاف شروط قانوني ة
جديدة أو أسباب لم ينص عليها المشرع، وهو ما يؤدي في النهاية إلى وجود ما
يسمى بالسلطة المقيدة قضائيًا.
وقد جسدت هذه التطورات في النهاية أهمية الدور الاقتصادي للقاضي
الإداري، وشكلت محاور مهمة لهذه الدارسة حيث قمنا بتقسيمها إل ى أربع ة
أبواب وأنهيتها بخاتمة.
وقد تناولنا في الباب الأول بيان ماهي ة الدو ر الإنشائ ي للقاض ي
الإداري، مبرزين أهمية القضاء الإداري كمصد ر للقانو ن الإداري، ومد ى
اختلاف دور القاضي الإداري عن دور القاضي المدني ، واختلا ف طبيع ة
وخصوصية المنازعات التي ينظرها كل منهما وأن الخلاف بينهما ليس خلاف ًا
في طبيعة الدور، بل في الدرجة والحرية التي يتمتع بها كل منهما في ممارسته
لدوره، وأن ما يميز القاضي الإداري دوره الأساسي في المحافظة على تحقيق
التوازن بين سلطات الإدارة واحتياجات المرافق العامة، وحماية حقوق الأفراد
وحرياتهم،


Other data

Title الدور الاقتصادي للقاضي الإداري في مصر وفرنسا (دراسة مقارنة)
Authors محمد محمود سلامة جبر
Issue Date 2014

Attached Files

File SizeFormat
G7374.pdf1.51 MBAdobe PDFView/Open
Recommend this item

Similar Items from Core Recommender Database

Google ScholarTM

Check

views 13 in Shams Scholar
downloads 13 in Shams Scholar


Items in Ain Shams Scholar are protected by copyright, with all rights reserved, unless otherwise indicated.