شعر ذي الرُّمَّة غيلان بن عقبة العدوي (دراسة أسلوبية )

صفوت محمد أمين قائد;

Abstract


لقد سعى الباحث إلى تبيان تجليات الأسلوبية ، التي ينماز بها شعر (ذي الرُّمَّة ) ، عبر المنهج الأسلوبي ، بطريقته الحديثة ، القائمة على أعمدتها الخماسية :( الذات ، والموضوع ، وخطوط الدلالة ، والتناص والاستدعاء الثقافي ، والتشكيل اللغوي ) .
وقد تشكلت الدراسة في أربعة فصول ، تضمن كل فصل على مباحث عدّة ، أمّا الفصل الأول فقد احتوى تحليلا لتجليات (الذات ) في شعر ذي الرُّمَّة ، وتم دراستها في ثلاثة مباحث رئيسية ، هي (تجليات الذات من خلال فاعليتها ومفعوليتها ، وتجليات الذات من خلال ضمائرها ، وتجليات الذات من خلال علاقتها بالآخر ) ، وتبين لنا من خلال الدراسة التحليلية أن فاعلية الذات التكوينية مسبوقة دائما بتدميرها ، وهذا التدمير غالبا ما يأتي مسبوقا بالرفض ، وهذا الرفض تسبقه الرؤية الواعية ، ومن هنا تحققت للذات مواجهة واقعها التدميري بكل صوره وأشكاله ، ثم محاولتها خلق حالة من التوازن والانسجام فيه .
وتبين لنا كذلك أن تجليات الذات المتكلمة في شعر (ذي الرُّمَّة ) من خلال علاقتها بالآخر، تتجلى في أحوال شتى ، فتبدو في بعض المواقف مستعلية ، وفي مرات أخرى هابطة ، وذلك ما يعكس حالة (الذات) الشعورية في واقعها المعيش ، ومواقفها منه .
أمّا في الفصل الثاني ، الذي جاء بعنوان (الموضوع وخطوط الدلالة ) ، وقد تحددت الدراسة فيه في أربعة مباحث رئيسية ، هي ) الطلل ، والغزل ، والناقة ، والمدح والهجاء ) ، إذ يتمثل كل موضوع في عدة خطوط دلالية ، تشي بدلالة الموضوع وفاعليته في شعر (ذي الرُّمَّة ) ، وقد تشكل موضوع (الطلل) في خطوط دلالية تعكس حالة (الذات ) في واقعها المعيش ، وبما يعكس حالتها الشعورية فيه ، المبنية على (السلب والإيجاب ) ، القائمة على دلالتي (الرفض والقبول ) . وينشأ خط الأمل بالحياة ، المتمثل في أنسنة الطلل بمحاكاتها ومخاطبتها بالتحية والسلام ، أو الدعاء بالسقيا لها .
أمّا (الغزل ) في شعر (ذي الرُّمَّة ) فيتمثل في إحداث الألم بكل أبعاده المظلمة ، الذي غطى الخطاب الشعري في شعره ، فهو خطاب شاكٍ من الدرجة الأولى . وينشأ خط التذكر ، الذي يخفف من نفسية الذات وآلامها بالعودة إلى الزمن الماضي الجميل .
أما موضوع (الناقة) ، فنجدها تتمثل في امتلاكها كل سمات القوة والصلابة ، لمواجهة ذلك الواقع بكل قساوته . ونلحظ كذلك أن الناقة ، تمثل علاقة اتصال حميمة مع (الذات المتكلمة ) وذلك بجعلها معادلا موضوعيا لها من خلال أنسنتها ، التي ترمي إلى نوع من التفاهم والمحاورة الكلامية معها ، وتجعل من الناقة وكأنها ذاتها ، التي تفصح عن كيانها وتتشهى رغباتها ومطالبها .
أمّا موضوعي (المدح والهجاء ) فقد ظلت الصفات القديمة تتكرر فيهما،وتتضح علاقة (الذات ) بالآخرفيهما من خلال أنماط متعددة ، منها ما يتعلق بالجوانب النفسية ، وهو الغالب ، ومنها ما يتعلق بالصفات الجسمية ، ومنها بالصفات الدينية .
أما الفصل الثالث ، وهو بعنوان ( التناص ، والاستدعاء الثقافي )وقد تحدد في ثلاثة مباحث رئيسية ، هي : (التناص الديني ، والاستدعاء التأريخي والسطوري والثقافي ، والتناص الشعري ) ، وتبين لنا من خلال الدراسة والتحليل في ظاهرة التناص والاستدعاء في شعر( ذي الرُّمَّة) في مستوياته وأشكاله كافة (الظاهرة منه والخفية ) ، التناصية والتنصيصية ،أنها كان لها الدور الأساسي والفاعل في بناء الوعي الثقافي والذاتي داخل ديوانه الشعري ، الذي صار ينبع من خلال هذه التقاليد الثقافية ، حيث وقد ظل هذا التناص مظهرا من مظاهر تشرب النصوص السابقة ، والتفاعل معها ، وتحديد منطلقات شعره الإبداعية والفنية ، سواء كان ذلك في استدعاء الخطاب الديني والأسطوري والثقافي ، أو في حضور السياق الأدبي القديم ، ولا تعني كثافة الاستدعاء ـ هنا ـ على ذوبان الخطاب الحاضر في الموروث القديم ، وافتقاده الأصالة الإبداعية والفنية ، بل إنه يظل خطابا صاحب استقلالية ، تمتلك القدرة على التحدي والمنافسة الأدبية .
أما الفصل الرابع والأخير ، الذي جاء بعنوان (التشكيل اللغوي والثقافي في بناء القصيدة ) ، قد تشكل في ثلاثة مباحث رئيسية هي (البناء الجمالي والثقافي للجملة ، الصورة البيانية ، الإيقاع الداخلي ) ، وبعد الدراسة التفصيلية فيه تبين لنا الآتي :
فعلى مستوى الجملة وتشكيلاتها في شعر ذي (ذي الرُّمَّة ) نلاحظ غلبة تردد حضور (الجملة الخبرية ) على (الإنشائية ) في شعره ، ذلك بحسب الإحصاء للقصائد الخمس الأولى في الديوان ، وهذا ما يدل على أنه يميل إلى الماضي بثقافته اللغوية ، والجملة الخبرية بطبيعتها العامّة غالبا ما تدل على حقائق واقعية ، في حين أن الجملة الإنشائية غالبا ما تدل على إثارة . ومن هنا فقد ساهمت في بث الحركة والحيوية في قصائده . وقد أفرغت الجملة الخبرية في شعر (ذي الرُّمَّة ) من قصد الإخبار والإعلام وخرجت منزاحة إلى أغراض بلاغية أخرى بديلة تُفهم من السياق وقرائن الأحوال ، وتشي بحالة الذات المتكلمة ، ومنها ( إظهار الضعف والاستسلام ، وإظهار التحسر ، والاسترحام والاستعطاف ، والفخر ، والمدح ، والمدح ، والتوبيخ ، والهجاء ، والغزل ، والتمني ) وكل ذلك ساعد في بناء الشعر ومعانيه في ديوان (ذي الرُّمَّة ) . وقد تعددت الأساليب الإنشائية في بنية تركيب الجملة في شعره ، وقد دُرست منها الأساليب الإنشائية الطلبية ، ومنها ( الأمر ، والنهي ، والاستفهام ، والنداء ) ، وتجلت تلك المظاهر في شعره خصائص أسلوبية موجودة بالفعل ، وهو ما اقتضى دراستها وأوجبه ، وصحّ لنا أن الشاعر لم يكن يستخدم تلك المظاهر اعتباطا ، وإنما يخضعها لمقتضيات ودلالات بلاغية ، وبما يتناسب مع مقتضيات الحال والمقام ، وقد تخرج تلك المظاهر عن مقتضياتها ودلالاتها الأساسية منزاحة إلى دلالات بلاغية أخرى بديلة ، كما أشارت إليه الدراسة والتحليل سابقا ، ومن أساليب هياكل الكلام كذلك في شعر (ذي الرُّمَّة ) ما كان الحديث في الجملة (الاسمية والفعلية) ، وقد غلب تردد حضوراستخدام الجملة (الفعلية) ، وهذا ما يؤكد انسجام شعره مع الطبية العربية ، التي تعتمد غالبا على الحركة والتجدد الدائم . وقد تنوعت درجات الكلام في شعره ، ولم تمض على نسق لغوي واحد ، فمنه ما جاء على أصول النظم النحوية ، وإن منه لما ينزاح عنه ، لمقتضيات ودلالات لغوية وبلاغية أخرى ، ومنها ما يحدث تغييرا في بنية تركيب الجملة بتقديم وتأخير ، ومنها ما يكون بالاستغناء عن عنصر في أصل جملة التركيب ، أو مكملاتها ، وفي كل الأحوال تظل الغاية من ذلك تحقيق معنى جديد يتناسب مع مقتضيات الحال . وكلها متغيرات أسلوبية بارزة في شعر (ذي الرُّمَّة ) ، وقد لعبت دورا بارزا في إنتاج الدلالة وإبداعها ، وذلك لتحقيق غايات دلالية بالإضافة إلى إشراك (المتلقي ) في العملية الإبداعية وتحريك ذهنه . ثم أُتبعت الدراسة لهياكل الكلام بالحقول الدلالية في الديوان ، وتم دراستها في سياقيها (الرصيد الجمعي ، والتحليلي ) ، وقد تنوعت الحقول الدلالية في الديوان بين موجودات الطبيعة الحيّة ، وغير الحية ، وتشكل مظاهر الطبيعة بنوعيها سمة أسلوبية بارزة في معجم الشاعر ، بما يدل على ثقافته المتنوعة ، وتفننه في تصويرها ، وقد شغلت حيِّزا كبيرا في خطابه الشعري . وقد أفضى تحليل الصورة البيانية في شعر (ذي الرُّمَّة ) ، (بنية وينبوعا ) ـ وهو موضوع المبحث الثاني ـ إلى أن الصورة في شعره قد تشكلت في بنى متنوعة ، منها ما جاء في بنيته البسيطة مفردا ، ومنها ما جاء في بنيته المعقدة مركبا ، ومن خلال الدراسة في بنية الصورة في شعر (ذي الرُّمَّة ) وتجلياتها ، اتّضح لنا أن الصورة التشبيهية تشكل أبرز مظاهر التصوير البياني حضورا في شعره . وقد تنوعت أشكال الصورة التشبيهية لكل بنية في أشكالٍ متغايرة . والشاعر يحكم بُنى الصورة التشبيهية كما تجلت في شعره ، وربطه الصورة برابط وجداني . وقد تفنن ذو الرُّمَّة في استعمال (الأداة) ، وتنوعت مقاصده في الاستعمال ، حيث أكثر من استخدام الأداة (كأن) ، لما لها من دلالة التقريب بين أركان الصورة ، ثم تأتي الأداة ( الكاف ) وغيرها من الأدوات الأخرى . وتمتاز الصورة التشبيهية في شعره بالعمق في الدلالة . ونلاحظ في الصورة التشبيهية أن الشاعر قد يوغل في تفاصيل (المشبه به ) وذلك ، ليقرب صورة (المشبه ) للمتلقي ويزيده حيوية وحركة ، وقد يأتي بترتيب عناصرها على الأصل ، وقد يحدث فيها تغييرا يخالف في تركيب عناصر الصورة . وهنا تكمن أهمية التصوير ودقته . وقد يخالف بين عنصري التشبيه ، وهذا ما يدل على عمق التصوير ودقته . وتنتج بنية الاستعارة في شعر (ذي الرُّمَّة ) في مستويات متنوعة ، وتتراءى كل بنية على هيئات تمكن الشاعر من تجديد وسائط التعبير فتتنوع أحوالا ، فمنها ما جاء حسيا ، ومنها ما جاء متسما بالتجريد أو الترشيح ، أو التجسيد ، ومنها ما جاء على هيئة الصورة البسيطة ، ومنها ما جاء على هيئة البنية المركبة . ومن خلال الدراسة والتحليل في بنية الصورة فقد تبين لنا غلبة حضور بنية الاستعارة في شعره ، التي جاءت بصورتيها البسيطة ، والمركبة . وقد ترددت تبعا لنوعية النقل الدلالي إلى (الاستعارة التجسيدية ، أو التشخيصية ، أو الحسية ) ، وهذا الحضور الفاعل في بنية الصورة ، يدلنا على أن الشاعر نظر إلى موجودات الكون من حوله بنظرة متعمّقة فاحصة ، وذلك بمنحها الحيوية والقدرة الفاعلية .
وتشكل الصورة البيانية كذلك حضورا لافتا من خلال بنية الصورة (الكنائية ) ، التي كان لها حضورها البارز في شعر (ذي الرُّمَّة ) ، وقد تنوعت (الكناية) في شعره بصفاتها المعنوية ، حيث إنها قد وردت في أنواع شتى ، فمنه ما هو مركب ، تكثر فيه الوسائط وتتعدد الدلالات ، ومنه ما هو بسيط تقل فيه الوسائط ، ويعكس تعدد الصورة الكنائية في شعر (ذي الرُّمَّة ) ـ كما سبق دراستها وتحليلها ـ قدرة الشاعر على إعادة تشكيل صورالتراث القديمة بألوان فنية جديدة ، وقدرته على الخروج عمّا هو مألوف في التعبير التصويري . ويتلو حديث البنية هذا حديث عن (ينابيع الصورة ) وحقولها الدلالية ، التي تحددت دراستها في نوعين وهما (المصادر البيئية ، والمصادر الثقافية ) . وذو الرُّمَّة يتخير من الصور ما يتلائم مع مقاصده ، ويشف عن غاياته في القول ، ليكشف عن إحساسه الباطني ، وما يجول بخاطره . فقد تعددت ثقافته الواسعة في منابعه الخاصة ، التي استلهم منها صوره المبنية على ثقافة مجتمعه وواقعه المعيش ، أو المستلهمة من منبع الحضارة فيه ، أو من ينبوع الثقافة الدينية ، أو التراث القديم ، وهذا ما يؤكد على اتساع ثقافته . ولم تكن الحقول الدلالية ، التي نهل منها الشاعر صوره على مستوى واحد من حيث أهميتها ، ففي حين تبرز بعض الحقول الدلالية ، تتراءى أخرى ضعيفة الحضور في تحريك خيال الشاعر ، وقد يجتمع حقلان مختلفان معا ، وقد يوحد بينهما ، وذلك بما يتناسب مع مقاصده في القول . وقد ختم الفصل بدراسة (الإيقاع الداخلي ) ، ويشكل في شعره خصيصة أسلوبية بارزة ، حيث إنه لم يكن الشاعر معتمدا في شعرة كثيرا على (الصنعة ) في تشكيل إيقاعه ، ولكن ما جاء منه فهو عفو الخاطر ، أقرب إلى الفطرة والطبع ، كما أنه يستعمل من مظاهر الإيقاع ما يتلاءم مع حالته الشعورية والوجدانية ، لما يحقق في شعره نغما إيقاعيا تنتظم فيه الأحاسيس ، وهنا نجد في شعره بروز بعض المظاهر الإيقاعية وخفوت بعضها ، وقد يتكثف حضورها في نص ما ، وينعدم أو يخفت في آخر . وقد تم اقتصار الدراسة هنا على أبرز المظاهر المتجلية في شعره وهما ( التكرار ، والتجنيس) ، وقد تم توظيفهما توظيفا إيقاعيا بطريقة فنية ، دون تكلف . وقد أسهم ذلك في خلق إيقاع الجرس الصوتي والموسيقي من خلال ( اللفظ والمعنى ) ، وهذا ما ساعد على تشكيل النغم الموسيقي الفعّال في الإيقاع الكلي في النص .
وبعد ، فهذه خلاصة ما انتهت إليه الدراسة في شعر (ذي الرُّمَّة ) ، ولست زاعما أنني قد أحطت بما لم تستطعه الأوائل ، ولكني كلي أمل بالله عز وجل أن أكون قد وفقت ، وما توفيقي إلّا بالله ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ، هو حسبنا وكفى .


Other data

Title شعر ذي الرُّمَّة غيلان بن عقبة العدوي (دراسة أسلوبية )
Other Titles The poetry of Dhirrumah; Ghailan Bin Aukbah El-Adawi: (A stylistic study)
Authors صفوت محمد أمين قائد
Issue Date 2015

Attached Files

File SizeFormat
G7448.pdf547.74 kBAdobe PDFView/Open
Recommend this item

Similar Items from Core Recommender Database

Google ScholarTM

Check

views 16 in Shams Scholar
downloads 11 in Shams Scholar


Items in Ain Shams Scholar are protected by copyright, with all rights reserved, unless otherwise indicated.