شعر ذي الرُّمَّة غيلان بن عقبة العدوي (دراسة أسلوبية )
صفوت محمد أمين قائد;
Abstract
لقد سعى الباحث إلى تبيان تجليات الأسلوبية ، التي ينماز بها شعر (ذي الرُّمَّة ) ، عبر المنهج الأسلوبي ، بطريقته الحديثة ، القائمة على أعمدتها الخماسية :( الذات ، والموضوع ، وخطوط الدلالة ، والتناص والاستدعاء الثقافي ، والتشكيل اللغوي ) .
وقد تشكلت الدراسة في أربعة فصول ، تضمن كل فصل على مباحث عدّة ، أمّا الفصل الأول فقد احتوى تحليلا لتجليات (الذات ) في شعر ذي الرُّمَّة ، وتم دراستها في ثلاثة مباحث رئيسية ، هي (تجليات الذات من خلال فاعليتها ومفعوليتها ، وتجليات الذات من خلال ضمائرها ، وتجليات الذات من خلال علاقتها بالآخر ) ، وتبين لنا من خلال الدراسة التحليلية أن فاعلية الذات التكوينية مسبوقة دائما بتدميرها ، وهذا التدمير غالبا ما يأتي مسبوقا بالرفض ، وهذا الرفض تسبقه الرؤية الواعية ، ومن هنا تحققت للذات مواجهة واقعها التدميري بكل صوره وأشكاله ، ثم محاولتها خلق حالة من التوازن والانسجام فيه .
وتبين لنا كذلك أن تجليات الذات المتكلمة في شعر (ذي الرُّمَّة ) من خلال علاقتها بالآخر، تتجلى في أحوال شتى ، فتبدو في بعض المواقف مستعلية ، وفي مرات أخرى هابطة ، وذلك ما يعكس حالة (الذات) الشعورية في واقعها المعيش ، ومواقفها منه .
أمّا في الفصل الثاني ، الذي جاء بعنوان (الموضوع وخطوط الدلالة ) ، وقد تحددت الدراسة فيه في أربعة مباحث رئيسية ، هي ) الطلل ، والغزل ، والناقة ، والمدح والهجاء ) ، إذ يتمثل كل موضوع في عدة خطوط دلالية ، تشي بدلالة الموضوع وفاعليته في شعر (ذي الرُّمَّة ) ، وقد تشكل موضوع (الطلل) في خطوط دلالية تعكس حالة (الذات ) في واقعها المعيش ، وبما يعكس حالتها الشعورية فيه ، المبنية على (السلب والإيجاب ) ، القائمة على دلالتي (الرفض والقبول ) . وينشأ خط الأمل بالحياة ، المتمثل في أنسنة الطلل بمحاكاتها ومخاطبتها بالتحية والسلام ، أو الدعاء بالسقيا لها .
أمّا (الغزل ) في شعر (ذي الرُّمَّة ) فيتمثل في إحداث الألم بكل أبعاده المظلمة ، الذي غطى الخطاب الشعري في شعره ، فهو خطاب شاكٍ من الدرجة الأولى . وينشأ خط التذكر ، الذي يخفف من نفسية الذات وآلامها بالعودة إلى الزمن الماضي الجميل .
أما موضوع (الناقة) ، فنجدها تتمثل في امتلاكها كل سمات القوة والصلابة ، لمواجهة ذلك الواقع بكل قساوته . ونلحظ كذلك أن الناقة ، تمثل علاقة اتصال حميمة مع (الذات المتكلمة ) وذلك بجعلها معادلا موضوعيا لها من خلال أنسنتها ، التي ترمي إلى نوع من التفاهم والمحاورة الكلامية معها ، وتجعل من الناقة وكأنها ذاتها ، التي تفصح عن كيانها وتتشهى رغباتها ومطالبها .
أمّا موضوعي (المدح والهجاء ) فقد ظلت الصفات القديمة تتكرر فيهما،وتتضح علاقة (الذات ) بالآخرفيهما من خلال أنماط متعددة ، منها ما يتعلق بالجوانب النفسية ، وهو الغالب ، ومنها ما يتعلق بالصفات الجسمية ، ومنها بالصفات الدينية .
أما الفصل الثالث ، وهو بعنوان ( التناص ، والاستدعاء الثقافي )وقد تحدد في ثلاثة مباحث رئيسية ، هي : (التناص الديني ، والاستدعاء التأريخي والسطوري والثقافي ، والتناص الشعري ) ، وتبين لنا من خلال الدراسة والتحليل في ظاهرة التناص والاستدعاء في شعر( ذي الرُّمَّة) في مستوياته وأشكاله كافة (الظاهرة منه والخفية ) ، التناصية والتنصيصية ،أنها كان لها الدور الأساسي والفاعل في بناء الوعي الثقافي والذاتي داخل ديوانه الشعري ، الذي صار ينبع من خلال هذه التقاليد الثقافية ، حيث وقد ظل هذا التناص مظهرا من مظاهر تشرب النصوص السابقة ، والتفاعل معها ، وتحديد منطلقات شعره الإبداعية والفنية ، سواء كان ذلك في استدعاء الخطاب الديني والأسطوري والثقافي ، أو في حضور السياق الأدبي القديم ، ولا تعني كثافة الاستدعاء ـ هنا ـ على ذوبان الخطاب الحاضر في الموروث القديم ، وافتقاده الأصالة الإبداعية والفنية ، بل إنه يظل خطابا صاحب استقلالية ، تمتلك القدرة على التحدي والمنافسة الأدبية .
أما الفصل الرابع والأخير ، الذي جاء بعنوان (التشكيل اللغوي والثقافي في بناء القصيدة ) ، قد تشكل في ثلاثة مباحث رئيسية هي (البناء الجمالي والثقافي للجملة ، الصورة البيانية ، الإيقاع الداخلي ) ، وبعد الدراسة التفصيلية فيه تبين لنا الآتي :
فعلى مستوى الجملة وتشكيلاتها في شعر ذي (ذي الرُّمَّة ) نلاحظ غلبة تردد حضور (الجملة الخبرية ) على (الإنشائية ) في شعره ، ذلك بحسب الإحصاء للقصائد الخمس الأولى في الديوان ، وهذا ما يدل على أنه يميل إلى الماضي بثقافته اللغوية ، والجملة الخبرية بطبيعتها العامّة غالبا ما تدل على حقائق واقعية ، في حين أن الجملة الإنشائية غالبا ما تدل على إثارة . ومن هنا فقد ساهمت في بث الحركة والحيوية في قصائده . وقد أفرغت الجملة الخبرية في شعر (ذي الرُّمَّة ) من قصد الإخبار والإعلام وخرجت منزاحة إلى أغراض بلاغية أخرى بديلة تُفهم من السياق وقرائن الأحوال ، وتشي بحالة الذات المتكلمة ، ومنها ( إظهار الضعف والاستسلام ، وإظهار التحسر ، والاسترحام والاستعطاف ، والفخر ، والمدح ، والمدح ، والتوبيخ ، والهجاء ، والغزل ، والتمني ) وكل ذلك ساعد في بناء الشعر ومعانيه في ديوان (ذي الرُّمَّة ) . وقد تعددت الأساليب الإنشائية في بنية تركيب الجملة في شعره ، وقد دُرست منها الأساليب الإنشائية الطلبية ، ومنها ( الأمر ، والنهي ، والاستفهام ، والنداء ) ، وتجلت تلك المظاهر في شعره خصائص أسلوبية موجودة بالفعل ، وهو ما اقتضى دراستها وأوجبه ، وصحّ لنا أن الشاعر لم يكن يستخدم تلك المظاهر اعتباطا ، وإنما يخضعها لمقتضيات ودلالات بلاغية ، وبما يتناسب مع مقتضيات الحال والمقام ، وقد تخرج تلك المظاهر عن مقتضياتها ودلالاتها الأساسية منزاحة إلى دلالات بلاغية أخرى بديلة ، كما أشارت إليه الدراسة والتحليل سابقا ، ومن أساليب هياكل الكلام كذلك في شعر (ذي الرُّمَّة ) ما كان الحديث في الجملة (الاسمية والفعلية) ، وقد غلب تردد حضوراستخدام الجملة (الفعلية) ، وهذا ما يؤكد انسجام شعره مع الطبية العربية ، التي تعتمد غالبا على الحركة والتجدد الدائم . وقد تنوعت درجات الكلام في شعره ، ولم تمض على نسق لغوي واحد ، فمنه ما جاء على أصول النظم النحوية ، وإن منه لما ينزاح عنه ، لمقتضيات ودلالات لغوية وبلاغية أخرى ، ومنها ما يحدث تغييرا في بنية تركيب الجملة بتقديم وتأخير ، ومنها ما يكون بالاستغناء عن عنصر في أصل جملة التركيب ، أو مكملاتها ، وفي كل الأحوال تظل الغاية من ذلك تحقيق معنى جديد يتناسب مع مقتضيات الحال . وكلها متغيرات أسلوبية بارزة في شعر (ذي الرُّمَّة ) ، وقد لعبت دورا بارزا في إنتاج الدلالة وإبداعها ، وذلك لتحقيق غايات دلالية بالإضافة إلى إشراك (المتلقي ) في العملية الإبداعية وتحريك ذهنه . ثم أُتبعت الدراسة لهياكل الكلام بالحقول الدلالية في الديوان ، وتم دراستها في سياقيها (الرصيد الجمعي ، والتحليلي ) ، وقد تنوعت الحقول الدلالية في الديوان بين موجودات الطبيعة الحيّة ، وغير الحية ، وتشكل مظاهر الطبيعة بنوعيها سمة أسلوبية بارزة في معجم الشاعر ، بما يدل على ثقافته المتنوعة ، وتفننه في تصويرها ، وقد شغلت حيِّزا كبيرا في خطابه الشعري . وقد أفضى تحليل الصورة البيانية في شعر (ذي الرُّمَّة ) ، (بنية وينبوعا ) ـ وهو موضوع المبحث الثاني ـ إلى أن الصورة في شعره قد تشكلت في بنى متنوعة ، منها ما جاء في بنيته البسيطة مفردا ، ومنها ما جاء في بنيته المعقدة مركبا ، ومن خلال الدراسة في بنية الصورة في شعر (ذي الرُّمَّة ) وتجلياتها ، اتّضح لنا أن الصورة التشبيهية تشكل أبرز مظاهر التصوير البياني حضورا في شعره . وقد تنوعت أشكال الصورة التشبيهية لكل بنية في أشكالٍ متغايرة . والشاعر يحكم بُنى الصورة التشبيهية كما تجلت في شعره ، وربطه الصورة برابط وجداني . وقد تفنن ذو الرُّمَّة في استعمال (الأداة) ، وتنوعت مقاصده في الاستعمال ، حيث أكثر من استخدام الأداة (كأن) ، لما لها من دلالة التقريب بين أركان الصورة ، ثم تأتي الأداة ( الكاف ) وغيرها من الأدوات الأخرى . وتمتاز الصورة التشبيهية في شعره بالعمق في الدلالة . ونلاحظ في الصورة التشبيهية أن الشاعر قد يوغل في تفاصيل (المشبه به ) وذلك ، ليقرب صورة (المشبه ) للمتلقي ويزيده حيوية وحركة ، وقد يأتي بترتيب عناصرها على الأصل ، وقد يحدث فيها تغييرا يخالف في تركيب عناصر الصورة . وهنا تكمن أهمية التصوير ودقته . وقد يخالف بين عنصري التشبيه ، وهذا ما يدل على عمق التصوير ودقته . وتنتج بنية الاستعارة في شعر (ذي الرُّمَّة ) في مستويات متنوعة ، وتتراءى كل بنية على هيئات تمكن الشاعر من تجديد وسائط التعبير فتتنوع أحوالا ، فمنها ما جاء حسيا ، ومنها ما جاء متسما بالتجريد أو الترشيح ، أو التجسيد ، ومنها ما جاء على هيئة الصورة البسيطة ، ومنها ما جاء على هيئة البنية المركبة . ومن خلال الدراسة والتحليل في بنية الصورة فقد تبين لنا غلبة حضور بنية الاستعارة في شعره ، التي جاءت بصورتيها البسيطة ، والمركبة . وقد ترددت تبعا لنوعية النقل الدلالي إلى (الاستعارة التجسيدية ، أو التشخيصية ، أو الحسية ) ، وهذا الحضور الفاعل في بنية الصورة ، يدلنا على أن الشاعر نظر إلى موجودات الكون من حوله بنظرة متعمّقة فاحصة ، وذلك بمنحها الحيوية والقدرة الفاعلية .
وتشكل الصورة البيانية كذلك حضورا لافتا من خلال بنية الصورة (الكنائية ) ، التي كان لها حضورها البارز في شعر (ذي الرُّمَّة ) ، وقد تنوعت (الكناية) في شعره بصفاتها المعنوية ، حيث إنها قد وردت في أنواع شتى ، فمنه ما هو مركب ، تكثر فيه الوسائط وتتعدد الدلالات ، ومنه ما هو بسيط تقل فيه الوسائط ، ويعكس تعدد الصورة الكنائية في شعر (ذي الرُّمَّة ) ـ كما سبق دراستها وتحليلها ـ قدرة الشاعر على إعادة تشكيل صورالتراث القديمة بألوان فنية جديدة ، وقدرته على الخروج عمّا هو مألوف في التعبير التصويري . ويتلو حديث البنية هذا حديث عن (ينابيع الصورة ) وحقولها الدلالية ، التي تحددت دراستها في نوعين وهما (المصادر البيئية ، والمصادر الثقافية ) . وذو الرُّمَّة يتخير من الصور ما يتلائم مع مقاصده ، ويشف عن غاياته في القول ، ليكشف عن إحساسه الباطني ، وما يجول بخاطره . فقد تعددت ثقافته الواسعة في منابعه الخاصة ، التي استلهم منها صوره المبنية على ثقافة مجتمعه وواقعه المعيش ، أو المستلهمة من منبع الحضارة فيه ، أو من ينبوع الثقافة الدينية ، أو التراث القديم ، وهذا ما يؤكد على اتساع ثقافته . ولم تكن الحقول الدلالية ، التي نهل منها الشاعر صوره على مستوى واحد من حيث أهميتها ، ففي حين تبرز بعض الحقول الدلالية ، تتراءى أخرى ضعيفة الحضور في تحريك خيال الشاعر ، وقد يجتمع حقلان مختلفان معا ، وقد يوحد بينهما ، وذلك بما يتناسب مع مقاصده في القول . وقد ختم الفصل بدراسة (الإيقاع الداخلي ) ، ويشكل في شعره خصيصة أسلوبية بارزة ، حيث إنه لم يكن الشاعر معتمدا في شعرة كثيرا على (الصنعة ) في تشكيل إيقاعه ، ولكن ما جاء منه فهو عفو الخاطر ، أقرب إلى الفطرة والطبع ، كما أنه يستعمل من مظاهر الإيقاع ما يتلاءم مع حالته الشعورية والوجدانية ، لما يحقق في شعره نغما إيقاعيا تنتظم فيه الأحاسيس ، وهنا نجد في شعره بروز بعض المظاهر الإيقاعية وخفوت بعضها ، وقد يتكثف حضورها في نص ما ، وينعدم أو يخفت في آخر . وقد تم اقتصار الدراسة هنا على أبرز المظاهر المتجلية في شعره وهما ( التكرار ، والتجنيس) ، وقد تم توظيفهما توظيفا إيقاعيا بطريقة فنية ، دون تكلف . وقد أسهم ذلك في خلق إيقاع الجرس الصوتي والموسيقي من خلال ( اللفظ والمعنى ) ، وهذا ما ساعد على تشكيل النغم الموسيقي الفعّال في الإيقاع الكلي في النص .
وبعد ، فهذه خلاصة ما انتهت إليه الدراسة في شعر (ذي الرُّمَّة ) ، ولست زاعما أنني قد أحطت بما لم تستطعه الأوائل ، ولكني كلي أمل بالله عز وجل أن أكون قد وفقت ، وما توفيقي إلّا بالله ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ، هو حسبنا وكفى .
وقد تشكلت الدراسة في أربعة فصول ، تضمن كل فصل على مباحث عدّة ، أمّا الفصل الأول فقد احتوى تحليلا لتجليات (الذات ) في شعر ذي الرُّمَّة ، وتم دراستها في ثلاثة مباحث رئيسية ، هي (تجليات الذات من خلال فاعليتها ومفعوليتها ، وتجليات الذات من خلال ضمائرها ، وتجليات الذات من خلال علاقتها بالآخر ) ، وتبين لنا من خلال الدراسة التحليلية أن فاعلية الذات التكوينية مسبوقة دائما بتدميرها ، وهذا التدمير غالبا ما يأتي مسبوقا بالرفض ، وهذا الرفض تسبقه الرؤية الواعية ، ومن هنا تحققت للذات مواجهة واقعها التدميري بكل صوره وأشكاله ، ثم محاولتها خلق حالة من التوازن والانسجام فيه .
وتبين لنا كذلك أن تجليات الذات المتكلمة في شعر (ذي الرُّمَّة ) من خلال علاقتها بالآخر، تتجلى في أحوال شتى ، فتبدو في بعض المواقف مستعلية ، وفي مرات أخرى هابطة ، وذلك ما يعكس حالة (الذات) الشعورية في واقعها المعيش ، ومواقفها منه .
أمّا في الفصل الثاني ، الذي جاء بعنوان (الموضوع وخطوط الدلالة ) ، وقد تحددت الدراسة فيه في أربعة مباحث رئيسية ، هي ) الطلل ، والغزل ، والناقة ، والمدح والهجاء ) ، إذ يتمثل كل موضوع في عدة خطوط دلالية ، تشي بدلالة الموضوع وفاعليته في شعر (ذي الرُّمَّة ) ، وقد تشكل موضوع (الطلل) في خطوط دلالية تعكس حالة (الذات ) في واقعها المعيش ، وبما يعكس حالتها الشعورية فيه ، المبنية على (السلب والإيجاب ) ، القائمة على دلالتي (الرفض والقبول ) . وينشأ خط الأمل بالحياة ، المتمثل في أنسنة الطلل بمحاكاتها ومخاطبتها بالتحية والسلام ، أو الدعاء بالسقيا لها .
أمّا (الغزل ) في شعر (ذي الرُّمَّة ) فيتمثل في إحداث الألم بكل أبعاده المظلمة ، الذي غطى الخطاب الشعري في شعره ، فهو خطاب شاكٍ من الدرجة الأولى . وينشأ خط التذكر ، الذي يخفف من نفسية الذات وآلامها بالعودة إلى الزمن الماضي الجميل .
أما موضوع (الناقة) ، فنجدها تتمثل في امتلاكها كل سمات القوة والصلابة ، لمواجهة ذلك الواقع بكل قساوته . ونلحظ كذلك أن الناقة ، تمثل علاقة اتصال حميمة مع (الذات المتكلمة ) وذلك بجعلها معادلا موضوعيا لها من خلال أنسنتها ، التي ترمي إلى نوع من التفاهم والمحاورة الكلامية معها ، وتجعل من الناقة وكأنها ذاتها ، التي تفصح عن كيانها وتتشهى رغباتها ومطالبها .
أمّا موضوعي (المدح والهجاء ) فقد ظلت الصفات القديمة تتكرر فيهما،وتتضح علاقة (الذات ) بالآخرفيهما من خلال أنماط متعددة ، منها ما يتعلق بالجوانب النفسية ، وهو الغالب ، ومنها ما يتعلق بالصفات الجسمية ، ومنها بالصفات الدينية .
أما الفصل الثالث ، وهو بعنوان ( التناص ، والاستدعاء الثقافي )وقد تحدد في ثلاثة مباحث رئيسية ، هي : (التناص الديني ، والاستدعاء التأريخي والسطوري والثقافي ، والتناص الشعري ) ، وتبين لنا من خلال الدراسة والتحليل في ظاهرة التناص والاستدعاء في شعر( ذي الرُّمَّة) في مستوياته وأشكاله كافة (الظاهرة منه والخفية ) ، التناصية والتنصيصية ،أنها كان لها الدور الأساسي والفاعل في بناء الوعي الثقافي والذاتي داخل ديوانه الشعري ، الذي صار ينبع من خلال هذه التقاليد الثقافية ، حيث وقد ظل هذا التناص مظهرا من مظاهر تشرب النصوص السابقة ، والتفاعل معها ، وتحديد منطلقات شعره الإبداعية والفنية ، سواء كان ذلك في استدعاء الخطاب الديني والأسطوري والثقافي ، أو في حضور السياق الأدبي القديم ، ولا تعني كثافة الاستدعاء ـ هنا ـ على ذوبان الخطاب الحاضر في الموروث القديم ، وافتقاده الأصالة الإبداعية والفنية ، بل إنه يظل خطابا صاحب استقلالية ، تمتلك القدرة على التحدي والمنافسة الأدبية .
أما الفصل الرابع والأخير ، الذي جاء بعنوان (التشكيل اللغوي والثقافي في بناء القصيدة ) ، قد تشكل في ثلاثة مباحث رئيسية هي (البناء الجمالي والثقافي للجملة ، الصورة البيانية ، الإيقاع الداخلي ) ، وبعد الدراسة التفصيلية فيه تبين لنا الآتي :
فعلى مستوى الجملة وتشكيلاتها في شعر ذي (ذي الرُّمَّة ) نلاحظ غلبة تردد حضور (الجملة الخبرية ) على (الإنشائية ) في شعره ، ذلك بحسب الإحصاء للقصائد الخمس الأولى في الديوان ، وهذا ما يدل على أنه يميل إلى الماضي بثقافته اللغوية ، والجملة الخبرية بطبيعتها العامّة غالبا ما تدل على حقائق واقعية ، في حين أن الجملة الإنشائية غالبا ما تدل على إثارة . ومن هنا فقد ساهمت في بث الحركة والحيوية في قصائده . وقد أفرغت الجملة الخبرية في شعر (ذي الرُّمَّة ) من قصد الإخبار والإعلام وخرجت منزاحة إلى أغراض بلاغية أخرى بديلة تُفهم من السياق وقرائن الأحوال ، وتشي بحالة الذات المتكلمة ، ومنها ( إظهار الضعف والاستسلام ، وإظهار التحسر ، والاسترحام والاستعطاف ، والفخر ، والمدح ، والمدح ، والتوبيخ ، والهجاء ، والغزل ، والتمني ) وكل ذلك ساعد في بناء الشعر ومعانيه في ديوان (ذي الرُّمَّة ) . وقد تعددت الأساليب الإنشائية في بنية تركيب الجملة في شعره ، وقد دُرست منها الأساليب الإنشائية الطلبية ، ومنها ( الأمر ، والنهي ، والاستفهام ، والنداء ) ، وتجلت تلك المظاهر في شعره خصائص أسلوبية موجودة بالفعل ، وهو ما اقتضى دراستها وأوجبه ، وصحّ لنا أن الشاعر لم يكن يستخدم تلك المظاهر اعتباطا ، وإنما يخضعها لمقتضيات ودلالات بلاغية ، وبما يتناسب مع مقتضيات الحال والمقام ، وقد تخرج تلك المظاهر عن مقتضياتها ودلالاتها الأساسية منزاحة إلى دلالات بلاغية أخرى بديلة ، كما أشارت إليه الدراسة والتحليل سابقا ، ومن أساليب هياكل الكلام كذلك في شعر (ذي الرُّمَّة ) ما كان الحديث في الجملة (الاسمية والفعلية) ، وقد غلب تردد حضوراستخدام الجملة (الفعلية) ، وهذا ما يؤكد انسجام شعره مع الطبية العربية ، التي تعتمد غالبا على الحركة والتجدد الدائم . وقد تنوعت درجات الكلام في شعره ، ولم تمض على نسق لغوي واحد ، فمنه ما جاء على أصول النظم النحوية ، وإن منه لما ينزاح عنه ، لمقتضيات ودلالات لغوية وبلاغية أخرى ، ومنها ما يحدث تغييرا في بنية تركيب الجملة بتقديم وتأخير ، ومنها ما يكون بالاستغناء عن عنصر في أصل جملة التركيب ، أو مكملاتها ، وفي كل الأحوال تظل الغاية من ذلك تحقيق معنى جديد يتناسب مع مقتضيات الحال . وكلها متغيرات أسلوبية بارزة في شعر (ذي الرُّمَّة ) ، وقد لعبت دورا بارزا في إنتاج الدلالة وإبداعها ، وذلك لتحقيق غايات دلالية بالإضافة إلى إشراك (المتلقي ) في العملية الإبداعية وتحريك ذهنه . ثم أُتبعت الدراسة لهياكل الكلام بالحقول الدلالية في الديوان ، وتم دراستها في سياقيها (الرصيد الجمعي ، والتحليلي ) ، وقد تنوعت الحقول الدلالية في الديوان بين موجودات الطبيعة الحيّة ، وغير الحية ، وتشكل مظاهر الطبيعة بنوعيها سمة أسلوبية بارزة في معجم الشاعر ، بما يدل على ثقافته المتنوعة ، وتفننه في تصويرها ، وقد شغلت حيِّزا كبيرا في خطابه الشعري . وقد أفضى تحليل الصورة البيانية في شعر (ذي الرُّمَّة ) ، (بنية وينبوعا ) ـ وهو موضوع المبحث الثاني ـ إلى أن الصورة في شعره قد تشكلت في بنى متنوعة ، منها ما جاء في بنيته البسيطة مفردا ، ومنها ما جاء في بنيته المعقدة مركبا ، ومن خلال الدراسة في بنية الصورة في شعر (ذي الرُّمَّة ) وتجلياتها ، اتّضح لنا أن الصورة التشبيهية تشكل أبرز مظاهر التصوير البياني حضورا في شعره . وقد تنوعت أشكال الصورة التشبيهية لكل بنية في أشكالٍ متغايرة . والشاعر يحكم بُنى الصورة التشبيهية كما تجلت في شعره ، وربطه الصورة برابط وجداني . وقد تفنن ذو الرُّمَّة في استعمال (الأداة) ، وتنوعت مقاصده في الاستعمال ، حيث أكثر من استخدام الأداة (كأن) ، لما لها من دلالة التقريب بين أركان الصورة ، ثم تأتي الأداة ( الكاف ) وغيرها من الأدوات الأخرى . وتمتاز الصورة التشبيهية في شعره بالعمق في الدلالة . ونلاحظ في الصورة التشبيهية أن الشاعر قد يوغل في تفاصيل (المشبه به ) وذلك ، ليقرب صورة (المشبه ) للمتلقي ويزيده حيوية وحركة ، وقد يأتي بترتيب عناصرها على الأصل ، وقد يحدث فيها تغييرا يخالف في تركيب عناصر الصورة . وهنا تكمن أهمية التصوير ودقته . وقد يخالف بين عنصري التشبيه ، وهذا ما يدل على عمق التصوير ودقته . وتنتج بنية الاستعارة في شعر (ذي الرُّمَّة ) في مستويات متنوعة ، وتتراءى كل بنية على هيئات تمكن الشاعر من تجديد وسائط التعبير فتتنوع أحوالا ، فمنها ما جاء حسيا ، ومنها ما جاء متسما بالتجريد أو الترشيح ، أو التجسيد ، ومنها ما جاء على هيئة الصورة البسيطة ، ومنها ما جاء على هيئة البنية المركبة . ومن خلال الدراسة والتحليل في بنية الصورة فقد تبين لنا غلبة حضور بنية الاستعارة في شعره ، التي جاءت بصورتيها البسيطة ، والمركبة . وقد ترددت تبعا لنوعية النقل الدلالي إلى (الاستعارة التجسيدية ، أو التشخيصية ، أو الحسية ) ، وهذا الحضور الفاعل في بنية الصورة ، يدلنا على أن الشاعر نظر إلى موجودات الكون من حوله بنظرة متعمّقة فاحصة ، وذلك بمنحها الحيوية والقدرة الفاعلية .
وتشكل الصورة البيانية كذلك حضورا لافتا من خلال بنية الصورة (الكنائية ) ، التي كان لها حضورها البارز في شعر (ذي الرُّمَّة ) ، وقد تنوعت (الكناية) في شعره بصفاتها المعنوية ، حيث إنها قد وردت في أنواع شتى ، فمنه ما هو مركب ، تكثر فيه الوسائط وتتعدد الدلالات ، ومنه ما هو بسيط تقل فيه الوسائط ، ويعكس تعدد الصورة الكنائية في شعر (ذي الرُّمَّة ) ـ كما سبق دراستها وتحليلها ـ قدرة الشاعر على إعادة تشكيل صورالتراث القديمة بألوان فنية جديدة ، وقدرته على الخروج عمّا هو مألوف في التعبير التصويري . ويتلو حديث البنية هذا حديث عن (ينابيع الصورة ) وحقولها الدلالية ، التي تحددت دراستها في نوعين وهما (المصادر البيئية ، والمصادر الثقافية ) . وذو الرُّمَّة يتخير من الصور ما يتلائم مع مقاصده ، ويشف عن غاياته في القول ، ليكشف عن إحساسه الباطني ، وما يجول بخاطره . فقد تعددت ثقافته الواسعة في منابعه الخاصة ، التي استلهم منها صوره المبنية على ثقافة مجتمعه وواقعه المعيش ، أو المستلهمة من منبع الحضارة فيه ، أو من ينبوع الثقافة الدينية ، أو التراث القديم ، وهذا ما يؤكد على اتساع ثقافته . ولم تكن الحقول الدلالية ، التي نهل منها الشاعر صوره على مستوى واحد من حيث أهميتها ، ففي حين تبرز بعض الحقول الدلالية ، تتراءى أخرى ضعيفة الحضور في تحريك خيال الشاعر ، وقد يجتمع حقلان مختلفان معا ، وقد يوحد بينهما ، وذلك بما يتناسب مع مقاصده في القول . وقد ختم الفصل بدراسة (الإيقاع الداخلي ) ، ويشكل في شعره خصيصة أسلوبية بارزة ، حيث إنه لم يكن الشاعر معتمدا في شعرة كثيرا على (الصنعة ) في تشكيل إيقاعه ، ولكن ما جاء منه فهو عفو الخاطر ، أقرب إلى الفطرة والطبع ، كما أنه يستعمل من مظاهر الإيقاع ما يتلاءم مع حالته الشعورية والوجدانية ، لما يحقق في شعره نغما إيقاعيا تنتظم فيه الأحاسيس ، وهنا نجد في شعره بروز بعض المظاهر الإيقاعية وخفوت بعضها ، وقد يتكثف حضورها في نص ما ، وينعدم أو يخفت في آخر . وقد تم اقتصار الدراسة هنا على أبرز المظاهر المتجلية في شعره وهما ( التكرار ، والتجنيس) ، وقد تم توظيفهما توظيفا إيقاعيا بطريقة فنية ، دون تكلف . وقد أسهم ذلك في خلق إيقاع الجرس الصوتي والموسيقي من خلال ( اللفظ والمعنى ) ، وهذا ما ساعد على تشكيل النغم الموسيقي الفعّال في الإيقاع الكلي في النص .
وبعد ، فهذه خلاصة ما انتهت إليه الدراسة في شعر (ذي الرُّمَّة ) ، ولست زاعما أنني قد أحطت بما لم تستطعه الأوائل ، ولكني كلي أمل بالله عز وجل أن أكون قد وفقت ، وما توفيقي إلّا بالله ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ، هو حسبنا وكفى .
Other data
| Title | شعر ذي الرُّمَّة غيلان بن عقبة العدوي (دراسة أسلوبية ) | Other Titles | The poetry of Dhirrumah; Ghailan Bin Aukbah El-Adawi: (A stylistic study) | Authors | صفوت محمد أمين قائد | Issue Date | 2015 |
Recommend this item
Similar Items from Core Recommender Database
Items in Ain Shams Scholar are protected by copyright, with all rights reserved, unless otherwise indicated.