الحمل لحساب الغير أحكامه القانونية وحدوده الشرعية (دراسة مقارنة)

زينب سعيد زينهم السيد;

Abstract


يعتبر موضوع الحمل لحساب الغير من النوازل الطبية المستحدثة، وأيضاً من الموضوعات الحديثة على أسماعنا، وقد تسلل حديثاً إلى مجتمعاتنا، هذه الوسيلة الحديثة قد أجمع فقهاء الشريعة الإسلامية على تحريمها وأيضاً على تجريمها، وذلك لكونها تؤدى إلى انتشار الشر والرذيلة والفساد في المجتمع، وكل ما يؤدي إلى الضرر والحرام فهو حرام، وإن عادة الشارع ألا يترك المفسدة حتى تقع ثم يعالجها بل يحتاط في سد المنافذ إليها، حفاظاً على الأسرة والمجتمع ككل، ولم يختلف موقف الشرائع السماوية الأخرى في هذا الموضوع مع موقف الشريعة الإسلامية الغراء، ورأينا أيضاً بعض الأنظمة المقارنة تعارض تلك الوسيلة، مع وضعها عقوبات جنائية ومدنية على تلك الوسيلة الحديثة التي طرأت على مجتمعاتنا، فكان منها المؤيد وكان منها المعارض، ولأن هذه الوسيلة تؤدي إلى المساس بحرمة الجسد الإنساني الذي كرمه الله- عز وجل- وصانه، والخروج على هذا المبدأ لا يكون إلا لضرورة.
وجسد الإنسان محترم في جميع الشرائع السماوية، والشريعة الإسلامية الغراء قد كرمت الآدمي حياً أو ميتاً، وعُنيت بحماية النفس البشرية وعدم المساس بالجسد الإنساني لما له من حرمة، وأخرجته عن دائرة التعامل، فحرمت نقل الأرحام الأنثوية، لما فيها من خطورة على المرأة، وأيضاً لأن الرحم الأنثوي لا يصلح أن يكون محلاً للعقود أو الاتفاقيات، فحرمت كل ما يؤدي للمساس بالجسد الإنساني، ولأن وسيلة الحمل لحساب الغير جديدة على أسماعنا وعلى مجتمعاتنا، فإن أحكام هذه الوسيلة وطبيعتها القانونية كانت محل خلاف قانوني، فثارت تساؤلات، هل هذه الوسيلة عقد؟ وما طبيعة هذا العقد؟ وهل هو عقد بيع أو إيجار أو عمل أو تنازل عن الحق، أو استصناع، أو وكالة أو زواج، أو مقاولة أو عارية أو وديعة، وإن كانت هذه الوسيلة عقدا من تلك العقود فما طبيعة هذا العقد؟، وإن كان لا يخرج في مجمله عن نطاق الأحكام العامة لنظرية العقد، إلا أن جوهره كعقد يقوم على شغل رحم الأم البديلة بحمل لحساب المرأة صاحبة البويضة وزوجها صاحب الحيوان المنوي، وهذا ما يجعله مستقلاً ببعض الأحكام الخاصة به دون غيره من العقود الأخرى التي تشبهه، فتجعله عقدا من نوع خاص.
ومع اختلاف المراكز القانونية لأطراف عقد الحمل لحساب الغير، إلا أن كل طرف يقع عليه بعض الحقوق والالتزامات لدى الطرف الآخر، فالمرأة المتبرعة بالحمل لها حقوق لدى الزوجين.(صاحبي نطفة الأمشاج) وهو التزامهم بدفع مقابل المنفعة للمتبرعة بالحمل وهو (الحمل حتى الوضع)، وكان المقابل التزام المتبرعة بالحمل أيضاً بالمحافظة على الجنين والامتناع عن كل ما يضر به مع تسليمه بعد ولادته مباشرة إلى أصحاب نطفة الأمشاج، ويلتزم الطبيب تجاه أطراف الحمل لحساب الغير المتمثل في تقديم الخدمات الطبية والرعاية اللازمة لعلاج المريض، ومده بالمعلومات الهامة عن حالته بصورة متفقة مع قدراته العقلية والنفسية، ويلتزم الطبيب ببذل العناية اليقظة، مع التزام أطراف عقد الحمل لحساب الغير بدفع الأتعاب المتفق عليها للطبيب القائم بالعملية، بالرغم من أن هذه الأجرة محرمة، وذلك لأن هذا العقد محرم، كما يحق للمولود المطالبة بالتعويض نتيجة الطريقة التي جاء بها إلى الحياة.
ومن هنا اختلف المركز القانوني للطفل المتخلق من عملية الحمل لحساب الغير بالنسبة للنسب والرضاعة والحضانة، وبما أن النسب هو أول حق يثبت للطفل بعد انفصاله عن أمه، فاختلف الرأي في نسب الطفل المتخلق من رحم المرأة المتبرعة وبويضة الأم البيولوجية، عن نسبه من المرأة المنفردة، كما أيضاً اختلف القول في حقه في الميراث، لأنه بثبوت النسب يثبت الميراث، كما اختلف الكلام عن حقه في الرضاعة والحضانة، فالسؤال: على من تجب حضانته ورضاعته؟ هل على المتبرعة بالحمل أم صاحبة البويضة؟ فهذه الوسيلة الحديثة التي جعلت من جسد المرأة سلعة تباع وتشترى وجعلتها ممتهنة الكرامة.
ولا يزال الخلاف قائما بين العلماء والفقهاء في ثبوت نسب الطفل لأمه، ومن هي الأم هل هي المتبرعة بالحمل أم صاحبة البويضة، وأقل ما يقال على هذه الوسيلة أنها شبهة، وقد أمرنا رسول الله () بترك الشبهات مخافة الوقوع في الحرام، كما أيضاً نهانا النبي () عن مواطن الريبة، ومما لا ريب فيه أن هذه الوسيلة (الحمل لحساب الغير) لا يتقبلها القلب بارتياح ولا تطمئن إليها النفس لما فيها من الريبة والشك، وقد أمرنا بترك ما فيه ريبة وشك إلى ما ليس فيه ذلك، ومما يؤيد رأينا السابق ما قد قرره مجمع البحوث الإسلامية بجلسته المنعقدة في 4 من المحرم عام 1422ه - 29/ 3/ 2001م من أن استخدام امرأة أجنبية لوضع ماء زوجين في رحمها يكون حراماً، سواء أكان الموضوع في رحم تلك المرأة الأجنبية منياً أو بويضة أو جنيناً(1) وكذا ما قررته دار الإفتاء المصرية في فتواها رقم 785 لسنة 1999م، وهذا ما قرره كذلك مجلس نقابة الأطباء في مصر والجمعية المصرية للخصوبة والعقم(2)، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال (إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه).



Other data

Title الحمل لحساب الغير أحكامه القانونية وحدوده الشرعية (دراسة مقارنة)
Authors زينب سعيد زينهم السيد
Issue Date 2015

Attached Files

File SizeFormat
G8830.pdf5.29 MBAdobe PDFView/Open
Recommend this item

Similar Items from Core Recommender Database

Google ScholarTM

Check

views 124 in Shams Scholar
downloads 75 in Shams Scholar


Items in Ain Shams Scholar are protected by copyright, with all rights reserved, unless otherwise indicated.