الإعلام الجديد والحركات الاجتماعية تحليل إثنوجرافي للنصوص المدونة على الموقع الرسمي لحركتي "كفاية" "شباب 6إبريل

abdelaim, Asmaa Elbadry;

Abstract


:مقدمة
بلور الإعلام الجديد مفاهيم جديدة لاكتساب المعارف والتواصل، دعمت الحق فى الاتصال وتداول المعلومات وحريات الرأى والتعبير، وغيرت من طبيعة علاقة المستخدم بالوسيلة؛ إذ لم يعد متلقِّيًا سلبيًّا وإنما أصبح مشاركًا فى صناعتها، وهذا يظهر فى المواقع وصفحات فيسبوك والمدونات التى منحت المستخدم القدرة على التعبير عن ذاته والتواصل مع الآخرين. كما أتاح الإعلام الجديد للمستخدمين الفرصة لإنشاء مواقع تقدم: تقارير، وأخبارًا، ومقابلات، وتبث لقطات إخبارية متنوعة بالصوت والصورة من مواقع الأحداث.
بالإضافة إلى دور الإعلام الجديد فى الاحتجاجات التى اجتاحت المنطقة العربية من قبل شريحة الشباب العربى بالاعتماد عليها، والتى وجدوا فيها منفذًا للتعبير عن آمالهم ورغباتهم فى التغيير، حتى أصبحت بمثابة محرك فاعل ومؤثر فى المظاهرات والأحداث التى شهدتها المنطقة العربية. وقد تمكَن الإعلام الجديد من تنشيط الحركات الاجتماعية وتقويتها حيث أصبح يؤدى دورًا مهمًّا فى حدوث مزيد من الاحتجاجات ونقل المعلومات عن المظاهرات.
يقدم هذا الفصل
أولًا- الإعـــــــــلام الجـــــــــــديد:
1- نشأة الإعلام الجديد وتطوره:
انطلقت الرؤية الأولى للإعلام الجديد من الصراع حول تدفق المعلومات، لذا اتخذ من اليونيسكو ساحة رئيسة له، حيث تكونت فكرة النظام الإعلامى الجديد and Communication Information New World" NWICO Order"عبر مجموعة من المبادرات والمراحل؛ بدأت فى نهاية القرن التاسع عشر بحملة قادها رئيس وكالة " أسوشيتيد برس" الأمريكية ضد هيمنة الأوربيين على الأنباء من خلال وكالات: رويترز، وهافاس، وولف.
وصارت الأخبار التى تنقلها وكالات الأنباء فى ستينات القرن العشرين تخص الدول النامية التى يشكل سكانها ثلثىﹾ سكان العالم؛ حيث طلب المجلس الاقتصادى و الاجتماعى فى الأمم المتحدة عام 1959 من اليونيسكو إعداد برنامج لتطوير وسائل الإعلام.
ثم اتخذ النقاش طابعًا أكثر جدية عام 1970،حيث عقدت اليونيسكو مناظرة عن النظام الإعلامى الجديد. وانتهت إلى قرار ينص على "موافقة الحكومة قبل بث أى رسالة تقع ضمن حدودها"، ويقر أيضًا حق الحكومة فى السيطرة على الرسائل الإعلامية التى يتلقاها المواطنون، وهو قرار انفردت الولايات المتحدة الأمريكية بمعارضته.
كما أظهرت اليونيسكو عام 1971 مسودة إعلان مبادئ استخدام البث الفضائى بما يضمن السيادة الثقافية، وقد لقيت معارضة قوية لأنها تؤكد هيمنة الحكومة على وسائل الإعلام، وأسهمت حادثة "ووترغيت" فى إحراج الدفاع عن الإعلان، وتعميق الخلاف. بالإضافة إلى دعم دول أمريكا اللاتينية تجاه سيطرة الحكومة، وذلك عبر اجتماع لها فى كوستاريكا فى عام 1976.
وتبنى المدير العام لليونيسكو (أحمد مختار امبوا) دعم السيطرة على الإعلام الجديد من قبل الحكومة،وتلقى رفضًا علنيًّا من الدول العربية عام 1978، وتحدث الداعمون له عن استعمار الإعلام الإلكترونى، وأشار آخرون إلى خطورة حجب حرية الإعلام.
ويتضح هنا تعارض اتجاهين، حيث يرى أصحاب الاتجاه الأول: أن الإعلام يجب أن يكون ضمن معادلة تجارية، ويتأثر بقوى العرض والطلب. بينما يرى أصحاب الاتجاه الثانى: أن الإعلام يجب أن يعتمد على الدعم ويخضع للمسئولية الحكومية، وهى النقطة التى تبدأ منها رؤية الإعلام الجديد بوصفه بديلًا وامتدادًا لما سبق؛ فإن الإعلام الجديد يمثل استقلالًا عن المسيطر ليس الغربى فحسب، وإنما المحلى كذلك،حيث تعد هذه الرؤية الإعلام الجديد إعلامًا يتجاوز سيطرة المؤسسة الإعلامية التقليدية التابعة للهيمنة السياسية والاقتصادية، ليستثمر التطور التقنى الراهن لصالح إعلام متحرر، يعبر عن الأفراد والجماعات الصغيرة المهمشة.
وتمثل مواقع التواصل الاجتماعى- بحسب هذه الرؤية- مصدر المعلومات عن المشكلات ومساحة أوسع لتعددية الرأى، بما يلغى فرصة الهيمنة ويبطل خيارات العزل والاستبعاد.
ويعبر مصطلح الإعلام الجديد عن التطبيقات الإعلامية المستفيدة من التطورات التقنية المعاصرة. وبهذا فالإعلام الجديد هو مرحلة تاريخية من تطوره وهو ما يخضعه إلى الإطار المعرفى ذاته الذى يحيط بوسائل الإعلام التقليدية، ويجعل منه امتدادًا طبيعيًّا لها، أى إن الإعلام الجديد هوالمرحلة الأكثر تطورًا – حتى الآن- على الصعيد التقنى، وكل ما أضافه من مزايا يرجع إلى توظيف التطور التقنى ليس إلا. وإن الحديث عن الخلفية التاريخية للصراع حول توازن الإعلام اختتم بنهاية الحرب الباردة، وبذلك فالخلفية التاريخية للإعلام الجديد تأتى من خلال مناقشة طريق المعلومات الحديثة التى بدأت فى الستينات من القرن العشرين مع ولادة التلفزيون الكابلى فى الولايات المتحدة الأمريكية.
إن هذه التغيرات التقنية كانت مقدمة للانتقال إلى المرحلة التالية من مراحل تطور الإعلام الجديد التى تقوم على سيطرة المستخدم، بعد أن كانت السيطرة فى المرحلة الأولى للمال، وفى المرحلة الثانية أصبحت للمضمون.
حيث بدأت سيطرة المستخدم من خلال مواقع التواصل الاجتماعى التى أتاحت له أن ينتج المضمون وبدون تكاليف،وأصبح المستخدم هو المنتج للمضمون؛وكانت بداية استخدام الإعلام الجديد فى عام 1995 حين صمم Randy Conrad موقع Classmates.com، وكان الهدف منه مساعدة الأصدقاء والزملاء الذين جمعتهم الدراسة فى مراحل حياتية معينة وفرقتهم ظروف الحياة العملية فى أماكن متباعدة، حيث كان الموقع يلبى رغبة هؤلاء الأصدقاء والزملاء فى التواصل فيما بينهم إلكترونيًّا.
ثم ظهر موقع Six Degress.com عام 1997، وقد استطاع الموقع أن يروج لنفسه بوصفه أداة لمساعدة الناس فى التواصل مع بعضهم بعضًا، وإرسال الرسائل للآخرين، وعلى الرغم من أنه استطاع أن يجتذب العديد من المستخدمين إلا أنه فشل فى أن يبقى؛ حيث تم إيقاف الخدمة فى نهاية عام2000. ومن عام 1997 حتى عام 2001 بدأ عدد من هذه المواقع يتزايد بأشكال متعددة وتركيبات متنوعة، فيما يتعلق بالصفحات الشخصية مع التوضيح العلنى لقائمة الأصدقاء، مثل: Black Planet، Asian Avenue،Magenta، الذى سمح للمستخدمين بوضع صفحات شخصية لهم عبر هذه العوالم الافتراضية، وتحديد ملامح لشخصياتهم، كما شهدت هذه المرحلة إنشاء مواقع شهيرة، مثل:Coward عام 1999الذى أضاف ميزات إلى الإعلام الجديد من خلال قوائم الأصدقاء، وتدوين المذكرات.
وقد أنشأ موقع Ryze.com عام 2001 الذى أقيم فى المقام الأول لتحقيق المنفعة لأصحاب الأعمال للاستفادة به فى شبكات الأعمال،وخاصة لمجتمع سان فرانسيسكو للأعمال والتكنولوجيا، الذى أقيم بهدف غير اجتماعى؛ ثم ظهر موقع Friendster فى عام 2002 كتكملة للموقع السابق. ثم ظهر مصطلح Web2.0 بالتحديد فى عام2003 فى مدينة سان فرانسيسكو، وأقيم بين شركتىﹾOreilly Media Live International وهو من أهم المصطلحات التى يطرحها قطاع المعلوماتية.
منذ عام 2004، وعلى التوالى، ظهرت مواقع: فيسبوك وتويتر ويوتيوب بوصفها وسائل الإعلام الجديد؛وبعضهم أطلق عليها مواقع التواصل الاجتماعى، حيث إنها تسمح للمستخدمين بالتحدث من خلالها كموقع لتوصيل ما يريدونه؛ وفى السطور التالية سوف يتم التركيز على مواقع التواصل الاجتماعى محل الدراسة.
2- مواقع التواصل الاجتماعى:
أ‌- فيسبوك Face book:
قام Mark Zuckerberg بتأسيس موقع فيسبوك The Facebook.com فى 4 فبراير عام 2004 على نطاق جامعة هارفارد، وهو أحد مواقع التواصل الاجتماعى التى تساعد الناس على التواصل بكفاءة وبشكل أفضل مع أصدقائهم ومع أفراد الأسرة وزملاء العمل،حيث تمكن زوكربيرج وزملاؤه، وهم فى غرفتهم فى جامعة هارفارد من تأسيسه، وكانت عضوية الموقع قاصرة فى البداية على طلبة هارفارد وخلال الشهر الأول من إتاحة الموقع للاستخدام قام أكثر من نصف الطلبة الذين لم يتخرجوا بعد من الجامعة بالتسجيل فى هذه الخدمة.
فتح فيسبوك أبوابه أمام جامعات: ستانفورد وكولومبيا وييل فى مارس 2004، ثم اتسع الموقع أكثر ليشمل جميع كليات مدينة بوسطن، وجامعة إيفى ليج، وشيئًا فشيئًا أصبح متاحًا للعديد من الجامعات فى كندا والولايات المتحدة الأمريكية. ثم نقل مقر فيسبوك إلى مدينة بالو آلتو فى ولاية كاليفورنيا فى يونيو 2004، وقامت الشركة فى عام 2005 بإسقاط كلمة The من اسمها ليصبح الاسم Facebook.com.
يرجع اسم فيسبوك إلى الدليل الذى تسلمه بعض الجامعات الأمريكية لطلابها المستجدين، وفيه أسماء وصور زملائهم القدامى ومعلومات مختصرة عنهم حتى لا يشعر المستجدون بالاغتراب.
كما قام فيسبوك بإصدار نسخة للمدارس الثانوية فى سبتمبر عام 2005، وبعد ذلك أصبح الموقع متاحًا للمهنيين والموظفيين فى العديد من الشركات،ومن بينها شركة أبل وشركة مايكروسوفت. ثم أصبح فيسبوك لجميع الأفراد البالغين من العمر ثلاثة عشر عامًا فأكثر، والذين يملكون عنوان بريد إلكترونى صحيح.
ب- يوتيوب You Tube:
نشأت فكرة يوتيوب You Tube.com فى مدينة سان برونو كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية فى الرابع عشر من فبراير من عام 2005 بواسطة ثلاثة موظفين من شركة Pay Pal عندما كان الأصدقاء الثلاثة فى حفلة لأحد الأصدقاء، والتقطوا مقاطع فيديو وأرادوا أن ينشروها بين زملائهم، ولم يستطيعوا إرسالها عبر البريد الإلكترونى لأنه لم يكن يقبل الملفات الكبيرة، ومن هنا بدأت تتبلور فكرة موقع لإرفاق أفلام الفيديو على شبكة الإنترنت.
وقد تنوعت الفيديوهات على موقع اليوتيوب بين لقطات الأفلام والموسيقى، ويمكن الموقع الزوار من مشاركة الفيديوهات الخاصة بهم مع الآخرين ولا يقتصر ذلك على الأشخاص الذين يتصلون بهم فقط، بل يمتد ليشمل أى شخص آخر. كما كان لليوتيوب دور على المستوى السياسى خصوصًا فى الحملات السياسية التى تهدف إلى حشد الجماهير، وظهر ذلك واضحًا بقوة فى سباق الرئاسة فى الولايات المتحدة الأمريكية فى عام 2007 عندما استخدمه المرشحون لتقديم أنفسهم للشعب الأمريكى. وكان له دور فى الأحداث الأخيرة التى وقعت فى أنحاء مختلفة من العالم، منها: الكوارث الطبيعية، والحركات والانتفاضات الجماهيرية، والثورات العربية.

ج- تويتر Twitter:
أسس Jack Dorsey وزملاؤه موقع تويترTwitter فى عام 2006، وقد بدأ الموقع بوصفه مشروعًا تطويريًّا تابعًا لشركة Obvious الأمريكية فى مدينة سان فرانسيسكو، ثم أتيح للجميع فى أكتوبر عام 2006 قبل أن تقوم الشركة بفصله عنها ليكون نشاطًا خاصًا بشركة تابعة لها تحمل اسم تويتر فى أكتوبر 2007.
وقد زاد عدد مستخدمى الموقع، وأصبح العديد من الناس يتحدثون عنه، والكثير منهم يستخدمه؛ وقد شمل مستخدموه الرؤساء والمرشحون للرئاسة والمشاهير ومحترفو تكنولوجيا المعلومات، ولايقتصر استخدام تويترعلى الأفراد؛ بل أحيانًا تكون منظمة أوجزء منها، مثال: الحفل العالمى لزيادة التوعية بالتغيرات المناخية يكون له حساب على تويتر، وتظهر تحديثاته خلال الحدث؛ وشركة Dell لها حساب على تويتر تعلن من خلاله عن نشاطها و عروضها الترويجية عن أجهزة الكمبيوتر؛ ومجلة الرأى الصادرة عن صحيفة وول ستريت جورنال، ورويترز وغيرها.
كانت اللغة الوحيدة المستخدمة فى خدمة تويتر هى اللغة الإنجليزية، ولكنها تطورت حيث إنه فى عام 2008 ظهر الموقع باللغة اليابانية؛ وتزايدت بشكل لافت أعداد المستخدمين من المواطنين اليابانيين، واستطاع اليابانيون تطوير نسختهم، وذلك من خلال إضافة الإعلانات إليها، وهذا لم يكن متوفرًا باللغة الإنجليزية، ومن ثم تعددت لغات تويتر حتى وصلت نهاية 2010 إلى سبع لغات.
وقد سميت الاحتجاجات الواسعة فى الشارع الإيرانى فى عام 2009 التى قامت على خلفية الانتخابات التى فاز بها "أحمدى نجاد" بثورة تويتر؛ حيث استخدم الإنترنت على نحو فعال من قبل المعارضين السياسيين، كما كان لتويتر الفضل فى نقل سقوط طائرة فى مياه نهر هدسون فى نيويورك عام 2009، وهذا ماحدث بالفعل فى أحداث ثورة 25 يناير فى مصر؛ حيث أتاح الموقع خدمة جديدة لأول مرة للمشتركين، وذلك بنقل الأحداث عبر التليفون الأرضى مباشرة وتدوينها على موقع كل مشترك دون وسيط آدمى.
3- خصائص الإعلام الجديد:
تشهد تكنولوجيا الاتصال تحولًا كبيرًا يجعل المجتمع ينتقل من آلات تعتمد على التماثل (Analogue) إلى أخرى رقمية (Digital)، ومن آلات لها وظيفة وحيدة إلى آلات متعددة الوظائف، وهو ما يجعل الإعلام الجديد يملك خصائص ترفع من كفاءته ومن فعاليته فى القيام بالأدوار التى صنع من أجلها.ومن بين أهم هذه الخصائص يمكن الإشارة إلى ما يلى:
أ‌- التفاعليةInteractivity: حيث يتبادل القائم بالاتصال والمتلقي الأدوار، وتكون ممارسة الاتصال ثنائية الاتجاه وتبادلية، وليست في اتجاه أحُادي، بل يكون هناك حوار بين الطرفين.
ب‌- اللاتزامنية A synchronization: وهي إمكانية التفاعل مع العملية الاتصالية، في الوقت المناسب للفرد، سواءً أكان مستقبلًا أم مرسلًا.
ج- الكونية :Global حيث أصبحت بيئة الاتصال بيئة عالمية، تتخطى حواجزالزمان، والمكان، والرقابة.
د- إندماج الوسائل Converging: أحدث الإعلام الجديد ثورة نوعية في المحتوى الاتصالي،الذي يتضمن مزيجًا من: النصوص، و الصور الثابتة، و الصور المتحركة، وملفات الصوت، ولقطات الفيديو، و الرسوم البيانية ثنائية الأبعاد، و ثلاثية الأبعاد.
ه- تفتيت الجماهير :Fragmenting ويقصد به زيادة الخيارات وتعددها أمام مستهلكي وسائل الإعلام، الذين أصبح وقتهم موزعًا بين العديد من الوسائل؛ مثل:المواقع الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعى، والهواتف الذكية، وألعاب الفيديو الإلكترونية، بجانب الوسائل التقليدية من: صحف وإذاعة وتلفزيون.
و- الانتباه والتركيز :concentrating نظرًا لأن المتلقي في مواقع التواصل الاجتماعى، يقوم بعملٍ فاعلٍ في اختيار المحتوى، والتفاعل معه، فإنه يتميز بدرجةٍ عاليةٍ من الانتباه والتركيز، بخلاف التعرﱡضِ لوَسائِلِ الإعلام التقليدية، حيث يكون عادة سلبيًّا وسطحيًّا.
ز- نهاية سلطة الوسيط المرسل Man Mediated: تمكن الإعلام الجديد من تحقيق بعد أساسي من أبعاد ديمقراطية الاتصال، وهو الحق في النشر، والوصول إلى الناس، دون قيد أو رقيب سياسي أو أيديولوجي. وهكذا، يتم تقاسم الأخبار والوثائق المتنوعة، والتعليق عليها دون وجود مركز يراقب، أو يرخص، أو يمنع، أو يحجز، أو يصادر، أو يوقف؛ كما كان يتم في الإعلام التقليدي.
ح- سهولة الاستعمال وتيسير التنظيم الذاتي الإفتراضي والواقعيUsability: حيث تتميز وسائل الإعلام الجديدة بسهولةٍ كبيرة فى الاستعمال، وفي إدخال الوثائق وتقاسمها و التعليق عليها، و توجيه الدعوات، والإخبار بالأحداث والمواعيد وغيرها. كما يتميز الإعلام الجديد، بإتاحة إمكانيات هائلة للتنظيم الذاتي الافتراضي، داخل مجموعات مفتوحة أو مغلقة ( بشروط أو من دونها)،و هذا ما يتجاوز أشكال التنظيم الذاتى الموجودة فى الواقع.
ط- المشاركة والانتشار :Diffusion يُتيح الإعلام الجديد لكل شخص يمتلك أدوات بسيطة، أن يكون ناشرًا، يرسل رسالته إلى الآخرين.
ق- قابلية التحرك :Motilityحيث يمكن نقل الوسائل الجديدة، بحيث تصاحب المتلقي والمرسل، مثل: الحاسب المتنقل، وحاسب الإنترنت، والهاتف الجوﱠال.
ل- التخزين والحفظ Storage: حيث يَسهُل على المتلقي، تخزين الرسائل الاتصالية وحفظها واسترجاعها، كجزء من قدرات الوسيلة ذاتها وخصائصها.
ثانيًا- الحركات الاجتماعية:
1- الجذور التاريخية للحركات الاجتماعية:
أ- الحركات الاجتماعية عالميًّا:
يعدﹼStein أول من قدم تعريفًا لمصطلح الحركات الاجتماعية،ففى كتابه: "تاريخ الحركة الاجتماعية فى فرنسا 1789-1850" الذى كان يتناول الثورة الفرنسية من زاوية الجهود التى بذلت من أجل إيجاد مجتمع جديد لا مجرد التغيرات الحكومية الرسمية،بل ويذهب إلى أن بناء المجتمع هو الذى يشكل طابع تغيره السياسى.
ولاشك أن مفهوم الحركة الاجتماعية - كما استخدمه Stein قد أثر تأثيرًا واضحًا على المؤرخين الألمان خلال القرن التاسع عشر،حيث كانوا يتفقون معه فى وصف حركات الطبقة العاملة بأنها "حركة اجتماعية حقيقية".
كما قدم Heberle محاولة لتحديد معالم مفهوم الحركات الاجتماعية، وانتهى من خلالها إلى صياغة نظرية الحركات الاجتماعية التى تستند إلى مقارنات تاريخية مستفيضة. ولقد قبل Heberle تصور الدارسين الألمان لمفهوم الحركات الاجتماعية الذى يعنى إدخال تغييرات أساسية على النظام الاجتماعى، وعلى الأخص فى مجال توزيع الثروة. لكنه لم يقبل – فى الوقت نفسه – ما ذهب Stein إليه من ضرورة ربط الحركة الاجتماعية بطبقة البروليتاريا فى المجتمعات الصناعية المتقدمة. وعلى ذلك فقد وسَّع Heberle من نطاق المفهوم ليضم حركة الفلاحين و الزنوج و الشباب فضلًا عن الفاشية والنازية، كما أكد على أن الحركات الاجتماعية تأخذ شكل جماعات اجتماعية ذات بناءات خاصة، وبالإضافة إلى ذلك يحدد Heberle معيارين للحركة الاجتماعية؛ الأول: يتعلق بأيديولوجيتها أو أفكارها الموجهة، والثانى: يتعلق بقوميتها إذ إن الحركة الاجتماعية قد تتعدى النطاق القومى لتصبح ذات طابع عالمى.
وكانت حركة الشباب 1968 فى أوربا بداية عصر جديد طرحت فيه لأول مرة مطالب سياسية لم يستطع أحد أن يصنفها ضمن المطالب اليسارية أو اليمينية التقليدية على الرغم من الطابع اليسارى العام لها، وبالرغم من أن بعض مؤسسيها كانوا من أصول يسارية أو على علاقة باليسار.
ويعود انتشار هذه الحركات الاجتماعية إلى تبادل التجارب الاحتجاجية بين الناشطين، ليس فقط داخل كل بلد بعينه، وإنما بين البلدان المختلفة،وإذا كانت هذه الحركات قد استلهمت روح الحركات اليونانية والإسلاندية عام 2008، فإنها قد سارت أيضًا على نهج المظاهرات الكبرى المنظمة في البرتغال، التي نسج على منوالها المحتجون في إسبانيا،يوم 15 مايو 2011.وقبل ذلك بنحو شهرين، تظاهر يوم 12 مارس، في شوارع المدن الكبرى بالبرتغال، ما بين 300 إلى400 ألف عاطل وشبه عاطل عن العمل، تلبية لدعوة أطلقتها إحدى الحركات.
وفي 7 أبريل، تمكنت جمعية (شباب بلا مستقبل) بإسبانيا - وهي جمعية تنشط في الأوساط الجامعية، من تعبئة عدة آلاف من المتظاهرين (3000 حسب الشرطة و10000 حسب المحتجين)، جابوا شوارع مدريد، رافعين لافتات كتب عليها شعار الجمعية: "بلا مسكن،بلا عمل،بلا عون،بلا خوف". وأُضيفت هذه المظاهرات إلى مثيلات لها،نظمتها مبادرات أخرى، حمل بعضها عناوين من قبيل: "لا تصوتوا لهم"، "دولة البؤس" في إحالة ساخرة إلى "دولة الرفاه" التي يبشر بها الخطاب السياسي السائد. وبفضل الإنترنت، استطاع نحو أربعين جمعية طلابية يسارية،أن تنسق فيما بينها.
بعد بضع سنوات، انتقلت موجة من الحركات الاجتماعية من أوربا إلى بلدان العالم الثالث. واللافت للنظر أن الحركات الاجتماعية الجديدة فى طبعاتها اللاتينية والآسيوية، ولدت وتحركت فى أُطُر وسياقات جديدة، حيث تأسست فى خضم حركة لها مطالب اقتصادية أومهنية مباشرة، للتعبير عن مطالب بعض الفئات الاجتماعية صاحبة المصلحة، فى تحقيق هذه المطالب الاقتصادية المحددة.
ب- الحركات الاجتماعية فى الوطن العربى:
شهد أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر،حركات عوام المدن ضد الاستغلال، وتدهور الأحوال المعيشية في ظل الدولة العثمانية، مثل تحركات حلب التي أدت إلى هروب الوالي 1818، وثورة أيلول في دمشق. وشهد الشام انتفاضات فلاحية في الريف، ضد الضرائب الباهظة وضد الجهاز الإداري، بدأت الحركات الاجتماعية بالعمل في الوطن العربي، منذ فترة الدولة العثمانية، ولكنها تنامت مع قيام الدول الحديثة، وبدأت تشكل اليوم ظاهرة واسعة وممتدة ومتنامية. وحديثًا تأسس اتحاد العمال العام فى لبنان عام 1919، وشاركت النقابة في مظاهرات معركة الاستقلال، واستمرت نشاطات الاتحاد إلى أن حُل في عام 1948، وفي عام 2002 كانت الاتحادات النقابية في لبنان تبلغ 37 اتحادًا، وتضم 300 نقابة يشارك فيها نحو مئة ألف منتسب.
أما في مصر، فكانت ثورة القاهرة الأولى 1798، والثانية 1800 ضد الحملة الفرنسية. ولكن معظم هذه الحركات، تميزت بأنها كانت تندلع وتخبو سريعًا، وقوامها من الجماهير المهمشة،في مواجهة حكم متعسف وفقر عام، وكانت هذه الحركات في معظم الأحيان تكون فى مواجهة السلطة المحلية، ولم تتجاوز أبدًا السلطة المركزية.
ثم شهدت مصر فى عقدىﹾ الثمانينات والتسعينات، تراجعًا ملحوظًا للحياة السياسية، وانحسر- بشكل واضح- نفوذ الأحزاب والقوى السياسية – باستثناء التيار الإسلامى- نتيجة عدة عوامل أبرزها بالطبع الاستبداد السياسى الذى وصل إلى ذروتهفى مواجهة القوى السياسية فى السبعينات وأوائل الثمانينات. وظهرت حركات مثل: "لجنة الدفاع عن الثقافة القومية 1979، والحركة الشعبية لمقاومة الصهيونية ومقاطعة إسرائيل 1996، واللجنة الشعبية المصرية لكسر الحصار عن العراق 1998، واللجنة الشعبية للتضامن مع انتفاضة الشعب الفلسطيني، ولجنة الدفاع عن عمال سكة الحديد،1985".
وكانت "لجنة الدفاع عن سليمان خاطر"بداية الانطلاق للحركات الاجتماعية الجديدة فى مصر، وقد تزامنت مع مشاعر التضامن مع الشعب الفلسطينى والاستنفار ضد الخطر الخارجى؛ وحتى عندما ظهرت حركة كفاية – أو الحركة المصرية للتغيير – التي بدأت في أعقاب الحرب الأمريكية على العراق، وتحت تأثير الضغوط الأميركية على النظام المصري، من أجل الإصلاح، توسيع هامش الديمقراطية. ونشأت في هذه المرحلة عدة حركات احتجاجية تطالب بالتغييرمثل: حركة 20 مارس، والحركة الشعبية من أجل التغيير. لكن الحركة التي استطاعت إحداث تأثير فعلي في الساحة المصرية، كانت الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية).
حيث قامت حركة كفاية خلال فترة نشاطها بعدة مظاهرات، أبرزها مظاهرة كفاية عام 2004 تلتها مظاهرة عام 2005 للتنديد بالفساد والاستبداد، والمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية نزيهة. كما تمكنت كفاية في العام ذاته، من تسيير مظاهرات عدة خارج القاهرة. وكذلك حركة شباب 6 أبريل التى قامت من أجل حقوق العمال فى إضراب عمال المحلة. وغالبًا ما تكون الاحتجاجات لصيقة بمختلف النظم السياسية، فهي موجودة في النظم الديمقراطية وغير الديمقراطية، لكنها في الأولى عادة ما تؤدي إلى تطوير النظام،أما في الثانية؛ فإنها تكرس الأزمات، لأن النظام يعجز عادة عن الاستجابة لمطالب المحتجين، وكثيرًا ما يعمل على التحايل عليها.
2- تصنيفات الحركات الاجتماعية:
يمكن أن تصنف الحركات الاجتماعية وفقًا لعدد من المعايير، فقد يُستند إلى معيار القضايا التى تتبناها الحركة فتصبح الحركة سياسية، أو دينية، أو اقتصادية، أو قد تصنف لهدفها سواء كان إصلاحيًا أو ثوريًّا، أو قد تصنف طبقًا لطبيعة الحركة فتكون حركة عامة أو حركة خاصة.
وتختلف الحركات الاجتماعية عن غيرها من صور التنظيمات الأخرى، وطبيعة الحركة التى ترتبط بها والهدف الذى تصبو إليه، وهى دائمًا ما تكون ذات وجود ديناميكى حيث تمر عبر مراحل متعددة من النمو، وبناءً على هذا؛ فإن خصائصها تتفاوت باختلاف الأوقات، وعلى جانب آخر فإنها تلتزم بهدف واضح لها، ولكن مع ذلك فلا يوجد حركات طويلة المدى؛ لأن الحركة بعد نجاحها تصل لدرجة من الثبات أو الاستقرار الاجتماعى، هى توظف التنظيم كوسيلة لإنجاز أهدافها، وتتضمن حقوقًا وجزاءات مختلفة. ولذلك تراوحت الحركات بين: حركات إصلاحية، وحركات ثورية، وحركات دينية، وغيرها من الحركات التى تعد من أهم نماذج الحركات الاجتماعية والسياسية.
ولكي تنجح الحركات الاجتماعية في بناء وزن مقابل للقوى المهيمنة يجب أن تواصل التطور، وألا تتقاعس عن استخدام الأدوات المتوافرة كافة. وكلما عظم عدم التوازن في القوة أو السلطة اعتمد التحدي على علاقات تعددية وأدوات متنوعة من التحرك. وهذا ما قد يشمل أيضًا أدوات أو أساليب دفاعية قائمة على الاعتماد الذاتي، مثل التضامن الجماعي وتجميع الموارد، أو قد تتضمن تدعيم مجال العمل بوسائل أو أدوات قانونية. ومن ثم، فإن الحركات الاجتماعية قد تجسد أيضًا وسائل فنية استراتيجية مؤثرة وفعالة، ولكن أقل استعراضية من التظاهر العام النمطي كتوظيف العالم الافتراضى ومواقع التواصل الاجتماعى فى إيجاد ساحة للحركة لإبداء آرائهاوأفكارها.
كما تميزت الحركات الاجتماعية على مدى العقود الماضية بتنوع ثري على مستوى الاهتمامات والأهداف؛حيث احتوت مجالات كثيرة؛ مثال: الحماية البيئية، والقضاء على الألغام، وتعزيز حقوق المرأة، ومكافحة الفقر، وكل من الأصولية والإصلاح الديني، ومعارضة عقوبة الإعدام، وتعزيز حقوق الحيوان،والتشريع، ومعارضة الإجهاض،وحماية الأقليات، ومحاربة التمييز القائم على الميول الجنسية،وغير ذلك كثير. وإذا حاولت الاستناد إلى المراجع التاريخية المهمة في علم الاجتماع فسيجد أن البعض يميز بين نوعين من الحركات الاجتماعية،هما:الحركات التي تسعى إلى تغيير القواعد والنظم القائمة، والحركات التي تهدف إلى تغيير القيم وتجديد الأخلاق. ويتحفظ كل منBoudon and Borico" "على هذا التمييز، فالمواجهة بين مفهوم نفعي وأخرمثالي للحركة الاجتماعية- في رأيهما- هي مواجهة خادعة؛ إذ إن المشاركين في حركة اجتماعية واحدة قد تحركهم دوافع مثالية وأخرى نفعية في آن واحد. وفضلًا عن ذلك؛ فإن الحركات الموجهة نحو القيم لا تشكل كلًّا متجانسًا؛ فالإرهاب "الروسي" كان حركة اجتماعية على غرار المقاومة السلبية لغاندي، وإن كان الأول يلجأ إلى العنف، والثاني يجعل من تنكره للعنف أحد مبادئه الأساسية. ومع ذلك يمكننا اكتشاف سمة مشتركة بين كل الحركات الموجهة نحو القيم.
أماالفكر الماركسي فهو في عمومه يميز بين خمسة أنواع من الحركات الاجتماعية،هي: العمالية، والطلابية، والفلاحية، والنسائية، والثقافية؛ ويستند هذا التمييز إلى أن الفئات الاجتماعية الداخلة فيه هي التي تشكل القوى الرئيسية المكونة لأغلبية الشعوب والمجتمعات المعاصرة، وهي في الوقت ذاته القوى الرئيسية للإنتاج،كما أنها أكثر القوى الاجتماعية تخلفًا فيما يتعلق بظروف عملها وأحوال معيشتها.
ومن الطبيعي عند السعي إلى الوقوف على تصنيف مميز للتحرك الاجتماعي الجماعي إدراك أن الحركات الاجتماعية تتداخل وتتضاهى من وقت لآخر لأسباب استراتيجية وتكنيكية.وفي المقابل، يمكن للحركات الاجتماعية أن تشكل علاقات تتداخل فيها الوظائف وتتلاشى فيها الحدود الفاصلة. وبعض الحركات الاجتماعية أيضًا يمكن أن تتمثل في تحالفات وشبكات، ويمكن أن تشكل أنواعًا أخرى من التحالف،ويمكن في الحقيقة أن تتألف من منظمات مجتمعية محلية ومنظمات غير حكومية.
يتضح مما سبق أن الحركات الاجتماعية فى بلدان العالم الثالث، تشترك فى خصائص جوهرية عامة، بغض النظر عن أصلها والظروف المتباينة لظهورها، التى تتمثل فى رغبتها فى تغيير ماهو قائم، وخاصة الأوضاع السياسية ومراكز القوة، مما دفع كثيرين إلى حشد الجهود من خلال فعل جمعى، للقيام بمثل هذه الحركات، ففى بعض الأحيان، يتجمع عدد من الظروف،فتكون بمثابة خلفية تؤهل لحدوث الحركات،ولكن فى أحيان أخرى، قد تنجم الحركات عن ظرف واحد فقط وقد تأخذ الحركات طابعًا رجعيًا أو ثوريًا على وجه الخصوص، كما أنه من الصعب التعميم هنا، لأن كل بلد قد تسودها ظروف تتباين عن البلد الأخرى.
3- أهم نماذج الحركات الاجتماعية فى مصر:
وصفت ثورة الخامس والعشرين من يناير بأنها ثورة الشباب، وذلك بسبب الدور البارز الذى قامت به القوى الشبابية فى الدعوة والإعداد والحشد لفاعليات الثورة، والمشاركة الواسعة للفئات الشبابية؛ وشهدت مصر فى السنوات الخمس الأخيرة ظهور عدد من الحركات الاحتجاجية الشبابية التى نجحت فى ضخ دماء جديدة إلى الساحة السياسية المصرية، وإنتاج جيل جديد من النشطاء الذين نجحوا فى ابتكار آليات جديدة لتنظيم المظاهرات والاحتجاجات مكنتهم من تجاوز العديد من القيود التى فرضتها الدولة على العمل السياسى فى مصر.
وتشمل خريطة الحركات الاحتجاجية فى مصر إضافات متتالية لعدد كبير من التنظيمات التى يصعب حصرها بشكل دقيق، فضلًا عن أن عددًا من هذه التنظيمات متناهى الصغر، وهناك حركات ظهرت ثم اندمج بعضها مع بعض أواختفت ،وأخرى عرفت بعد تأسيسها – مثل: الحركة المصرية من أجل التغيير (حركة كفاية) – وهناك تنظيمات تعمل من الداخل وأخرى تمارس نشاطها من خارج مصر.
وكان من أشهرها: حركة كفاية، ومجموعة كلنا خالد سعيد، والحملة الشعبية "عم البرادعى، وحركة شباب6 أبريل". وسوف تخص الباحثة حركتىﹾ كفاية وشباب 6 أبريل محل الدراسة، بشئ من التفصيل.
أ‌- الحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية":
أشار د.محمد السعيد أدريس الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام وأحد مؤسسى حركة كفاية –إلى أن نشأة الحركة ترجع إلى 2004 حين كانت تعانى مصر من الصراع بين صفوت الشريف ورجاله وجمال مبارك ورجاله وفى هذا الوقت نظم أبو العلا ماضى إفطار سياسى فى بيته فى المريوطية تجمع فيه 35 شخصية ممثلين لكل التيارات السياسية ، فكان موجود الشيوعى والقومى والليبرالى والتيار الاسلامى وممثلة لكل المحافظات وطرح سؤال واحد " مصر رايحة فين ويا ترى هيجدد ولا هيورث" ويدور حول هذا السؤال نقاش ومع انتهاء النقاش طلب الدكتور عبد الوهاب المسيرى من الجميع الانتظار دقيقتان وطلب تحديد 7 شخصيات من الحاضرين وتم اختيار أحمد بهاء الدين شعبان وجورج إسحاق، وسيد عبد الغفار، ومحمد السعيد أدريس،أمين أسكندر، عبد الغفار شكر، أبو العلا ماضى وكانوا يجتمعوا أسبوعيًا لمدة 8 شهور فى شقة جورج إسحاق ثم انضم إليهم د. كريمة الحفناوى، و عصام الاسطمبولى، عبد الحليم قنديل وتم الاتفاق على مشروع سياسى. وقررت اللجنة أن يتم الأعلان عن الحركة المصرية من أجل التغير للمطالبة بالتغير وليس الإصلاح فيقول د. محمد السعيد إدريس :
"احنا كنا بنفكر ازاى نغير لان مبارك لم يترك شئ فى مصر يمكن إصلاحه والتغير هو المطلب والتغير من رأس السلطة ولازم يرحل"
وأضاف عبد الغفار شكر فى كتاب الحركات الاجتماعية ومناهضة العولمة الرأسمالية فى الوطن العربى :
حركة كفاية عبارة عن تحالف لجماعات المعارضة، وهى عبارة عن شبكة فضفاضة، تضم مجموعات من الناصريين والإسلاميين و اليساريين، وقد انضم الشباب لفعاليات حركة كفاية منذ بدايتها فى نهاية 2004، وشاركوا بقوة فى فعالياتها، مما جعلهم يفكرون بإنشاء كيان جديد، تحت مظلة كفاية باسم حركة "شباب من أجل التغيير" التى تأسست فى فبراير عام 2005، وضمت مجموعة المؤسسين أشخاصًا ينتمون إلى تيارات سياسية مختلفة، وآخرين مستقلين، ونشأت الحركة الوليدة بهدف النضال ضد الدكتاتورية، ومن أجل الحرية والديمقراطية.
وعدﱠت فى بيانها التأسيسى: أن الحقوق لا تستجدى؛ إنما تنتزع انتزاعًا، ورأت أن أفضل وسيلة للتغيير تكمن فى الكفاح الشعبى السلمى، الذى يبدأ من التظاهر والاعتصام والإضراب، وينتهى بالعصيان المدنى، واهتم أعضاؤها بالتواصل مع المواطنين من خلال النزول إلى الشارع وتوزيع المطبوعات، وفتح حوارات مباشرة مع المواطنين العاديين، واعتمدت آلية المظاهرات المفاجئة، التى كان يتم الإعداد لها فى سرية تامة، واختيار أماكن غير متوقعة لها، وقد قامت الحركة خلال فترة نشاطها التى استمرت من فبراير 2005 حتى الانتخابات الرئاسية فى سبتمبر 2005، بتنظيم سلسلة من الاحتجاجات والفعاليات، إلا أن الحركة تفككت وتعطلت أنشطتها، بعد انتخابات عام 2005، بسبب العديد من الأسباب الداخلية، وكذلك تراجع حالة الانفتاح السياسى فى مصر. بينما حافظت حركة كفاية الأم على وجودها، وكانت من بين الحركات التى أسهمت بالدعوة لثورة 25 يناير، والمشاركة فى أحداثها.
نجحت حركة كفاية فى تشجيع ثقافة التظاهر و الاحتجاج الشديد على الأوضاع القائمة، والاعتصامات والمقاطعة، كجزء من المشاركة السياسية، وأيضًا قامت الحركة بابتكار آليات جديدة، للضغط على الحكومة؛ مثل: تقنيات الدعاية عبر الصحف وشبكات الإنترنت، والاحتجاج عن طريق الأحزاب العامة. ومن خلال عرض الحركة لأهدافها بصورة مثيرة، ومحركة للروح الوطنية فى الأفراد تمكّنت الحركة من جذب القضاة، وأساتذة الجامعة، والصحفيين، والفنانين، والأدباء، وطوائف المجتمع كافة بالإضافة إلى الموقع الرسمى الخاص بالحركة على الإنترنت، وصفحتها على موقع فيسبوك، والقنوات على يوتيوب وتويتر؛ كما تمكنت من توظيف المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعى، كآليات تساعد فى تحقيقأهدافها.
ب‌- حركة شباب6أبريل:
تأسست حركة شباب6 أبريل فى يونيو 2008، على يد مجموعة من الشباب الذين نشطوا فى مراحل سابقة، فى إطار اللجة الشعبية لدعم الانتفاضة، أو حركة شباب من أجل التغيير، وأيضًا فى إطار بعض الأحزاب السياسية، ونجحت الحركة فى اجتذاب عدد كبير من الشباب الناشط على الإنترنت، والذين لم يكن لهم أى نشاط سياسى سابق، وارتبط اسم الحركة بإضراب 6 أبريل 2008، وهى الفترة التى شهدت سلسلة من الإضرابات العمالية،التى حدث معظمها فى مدينة المحلة الكبرى. ووفق بيانها التأسيسى: فإن تغيير مصر و إصلاحها، لن يأتى بالمطالبة أو الدعوات، بل سيتحقق فقط من خلال تقديم بدائل وحلول حقيقية ومدروسة، من أجل إيجاد بديل حقيقى يحقق النهضة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمصر، ويوفر الاستقرار والأمان للمواطن المصرى، ولن تتحقق هذه النهضة إلا من خلال النضال من أجل الديمقراطية السياسية، ومكافحة الفساد وتحقيق المساواة وتكافؤ الفرص، ورفض حالة الطوارئ وحكم مبارك، وإجراء انتخابات نزيهة وضمان الحقوق الأساسية للمواطنين.
وكانت الحركة على قناعة بأن التغيير لن يتحقق إلا من خلال فئة الشباب، مع تضافر كافة القوى السياسية التى يجب أن تتعاون فيما بينها، من أجل إحداث تغيير شامل بما فى ذلك تغيير الدستور و القوانين وآليات الحكم. وأسهمت الحركة بالعديد من الفعاليات، فى مواضع مختلفة كقضية خالد سعيد، حيث عملت على تنظيم وحشد الشباب، فى كل حملات الاحتجاج، التى اندلعت إثر مقتله، كما أسهمت الحركة بقوة،فى الدعوة لمقاطعة الانتخابات البرلمانية عام 2010،وشاركت فى الترويج لفكرة "الدوائر السوداء"، والتى هدفت إلى فضح نواب الحزب الوطنى الديمقراطى فى دوائرهم. كما أدت دورًا بارزًا بالاشتراك مع آخرين، للتحضير لثورة الخامس والعشرين من يناير، من خلال عملية التوعية وتوزيع البيانات الورقية، والترويج للثورة عبر المواقع الإلكترونية، والمنتديات ومواقع التواصل الاجتماعى.
ثالثًا- دور الإعلام الجديد فى الحركات الاجتماعية:
أدى الإعلام الجديد بما وفره من مواقع للتواصل الاجتماعى دورًا مهمًا فى نشر ثقافة الاحتجاج داخل الدولة وخارجها. فمواقع التواصل الاجتماعى مثل: فيسبوك وتويتر و يوتيوب و غيرها؛ وفرت للشباب فضاءً إلكترونيًّا سهل لهم فرصة التواصل والتفاهم والتنسيق لمواعيد المظاهرات، وتمكن الشباب من إنشاء مجتمعات إلكترونية بعيدة عن رقابة السلطات. كما أسهمت مواقع التواصل الاجتماعى فى ربط وتواصل الشباب فى الوطن العربى مع العالم الخارجى. وقد أثرت مواقع التواصل الاجتماعى، على شخصية الشباب وثقافتهم وسلوكهم؛ بحيث تشكل لديهم نوع من الرؤية للاندفاع نحو التغيير، والمشاركة فى الاحتجاجات، من أجل أن يكون لهم دور وصوت وحضور فى مجتمعاتهم، وهكذا نجحت مواقع التواصل الاجتماعى، فى جعل الشباب أكثر قابلية للاحتجاج والتظاهر، نتيجة المظالم التى يعانون منها.
وقد ارتبطت موجة الاحتجاجات والثورات، التى اجتاحت المنطقة العربية، مطالبة بالتغيير،من قبل شريحة الشباب، بالاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعى؛ حيث وجد فيها الشباب العربى منفذًا للتعبير عن آمالهم و رغباتهم فى التغيير، حتى أصبحت بمثابة محركًا فاعلًا ومؤثرًا فى الثورات والمظاهرات، و الأحداث التى شهدتها المنطقة العربية. فى إطار ذلك، أثارت مواقع التواصل الاجتماعى تساؤلات كثيرةعن الدور الذى قامت به هذه المواقع فى الثورات،التى شهدها عدد من الدول العربية، وعن دورها فى تنشيط وتقوية دور الحركات الاجتماعية نظرًا لاستخدامها فى الدعوة إلى الاحتجاجات والاعتصامات ونقل معلومات عن المظاهرات.
1- توظيف الاعلام الجديد والحركات الاجتماعية على المستوى العالمى:
تعد مواقع التواصل الاجتماعى أعظم تطور حصل فى تاريخ وسائل الاتصال فى العقود الأخيرة، حيث وفرت الشبكة مجالًا افتراضيًا مفتوحًا لتواصل جميع البشر، و وضعت العالم على شاشة صغيرة، فقد كان الهدف من مواقع التواصل الاجتماعى فى البداية اجتماعيًا، وفى السنوات الأخيرة حدث تطور واضح فى طبيعة استخدام تلك الشبكات، فأصبحت من الأدوات الفاعلة، التى تستعين بها الشعوب، فى تنظيم التظاهرات والاحتجاجات المطالبة بالحرية والديمقراطية والتغيير.
ففى العام 2000 كانت مواقع التواصل الاجتماعى وسيلة مهمة لهم فى الاتصال والإعلام والتعبئة؛ حيث كانت حركة التغيير الديمقراطى التى قام بها الصرب ضد”سلوبودان ميلوسوفيتيش" وكان لطلاب جامعة بلغراد أعظم دور فى إشعال الثورة ضد ميلوسوفيتيش.حتى دعوا ثورتهم بـ"ثورة الإنترنت".
وكانت تلك المواقع سببًا فى إغلاق أكثر من 800 مركز اعتقال فى عام 2003 فى الصين، على إثر موت الشاب "سون جيغانغ" 27 عامًا، بعد تعذيبه على يد الشرطة، وبمجرد حصول المواقع الإلكترونية على الخبر قامت بنشره وتحولت إلى قصة وطنية على الفور، فانفجرت غرف المحادثات ونشرات الأخبار على الإنترنت بالغضب، ونشر عدد من الصينيين قصص اعتقالهم على الإنترنت، وأصبحت دستورية تشريع الاعتقال موضع نقاش ساخن فى الجامعات.
كما أدت المظاهرات التى تم تنظيمها، بواسطة الرسائل النصية فى إسبانيا فى عام 2004 إلى الإطاحة السريعة برئيس الوزراء الإسبانى "خوسيه ماريا إثنار" الذى لم يكن دقيقًا فى اتهام الباسك الانفصاليين فى تفجيرات مدريد.
كما ساعدت مواقع التواصل الاجتماعى فى زيادة التعبئة السياسية، وتضخيم الاحتجاجات التى قام بها الشباب فى أوكرانيا فى العام 2004، بعد اتهام المعارضة للحكومة بتزوير الانتخابات النيابية، التى أتاحت للشيوعيين الذين حصلوا على50% من الأصوات، باختيار رئيس جديد وتعديل الدستور.
وفى ثورة السافرين فى بورما، فى العام 2007 أدت مواقع التواصل الاجتماعى دورًا كبيرًا، وكشفت للعالم كله ما حدث. وكشفت القمع الدموى الذى أطلقته الحكومة للرد على الثائرين، حيث التقط المواطنون صورًا ومقاطع فيديو على هواتفهم النقالة ونشروها على الإنترنت.
وكان هناك توظيف واضح للإعلام الجديد فى الانتخابات الأسترالية فى العام 2007، من خلال تعميم الأخبار والمعلومات والاستفادة من التغذية الراجعة، مما زادت معه نسبة التصويت، وبالتالى زادت نسبة مشاركة الأحزاب فى العملية السياسية. وتم ذلك بتعبئة وحشد النشطاء عن طريق الصفحات المخصصة للحملات، ومن ثم قيام النشطاء بتعبئة وحشد الجمهور.
ولقد سميت انتخابات أستراليا بانتخابات اليوتيوب، حيث نشرت أشرطة فيديو للمرشحين على الموقع، وجرى تحميلها على المواقع الأخرى، كما كان Howard – أول رئيس وزراء أسترالى، له موقع على شبكة الإنترنت- عندما بث شريط فيديو يناقش فيه مناخ التغيير السياسى. وبثت مناظرات المرشحين للرئاسة على اليوتيوب، بالاشتراك مع بعض الفضائيات مثل CNN.
واستعانت حملة "مليون صوت" ضد قوات كولومبيا الثورية المسلحة المعروفة "فارك" بمواقع التواصل الاجتماعى، وهى الحملة التى أدت إلى إثارة احتجاجات فى مختلف أنحاء العالم فى العام 2008، ضد التنظيم الإهاربى الكولومبى. كما كان للإعلام الجديد دور في الحراك السياسي لحملة "أوباما" الرئاسية عام 2008، والاحتجاجات الطلابية في بريطانيا في نهاية عام 2010.
كما استخدمت مواقع التواصل الاجتماعى، مثل: فيسبوك كوسائل للدفع والعنف السياسى، خلال أحداث الشغب التى وقعت بين مسلمى اليوغور وقومية الهان فى المنطقة الغربية لشينجيانغ فى الصين فى عام 2009، والتى خلَّفت أكثر من 200 قتيل و1700جريح.
لقد أصبحت الديمقراطية الرقمية ملاذًا أخيرًا للشعوب المقهورة والمهمشة، التى تسعى لنيل حقوقها السياسية والمدنية، والتى طالما كافحت من أجلها على مر التاريخ. فقد الحزب الاشتراكى سلطته فى مولدافيا فى العام 2009، عندما نسقت احتجاجات ضخمة، بواسطة الرسائل النصية وفيسبوك وتويتر، والتى اندلعت بوضوح بعد عقد انتخابات مزورة، وعكست موجة الشباب الفجوة العميقة بين الأجيال، فنزلوا فى تظاهرات واحتجاجات، انضم إليهم فيها باقى الشعب، مطالبين بالعيش الكريم والحرية، ومستخدمين مواقع التواصل الاجتماعى، فأنشأوا علامة بحث خاصة بهم على تويتر، تدفقت بعدها مئات الحسابات مباشرة على الإنترنت، وأجبر ذلك الحكومة الموالدافية، على حجب الإنترنت فى العاصمة تشيسبناو.
وعندما سمحت الجمهورية الإسلامية فى إيران باستخدام فيسبوك، في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية يونيوعام 2009 التي فاز فيهاأحمدى نجاد (98%) من الأصوات، وكان رائعًا مشاهدة المشاركات عبرفيسبوك تحت شعار: أين صوتي؟.
وقد سجل عام 2010 أول حالة تمكنت من خلالها مواقع التواصل الاجتماعى من المساعدة على إسقاط نظام الحكم، وذلك فى قضية نتيجة انتخابات الرئيس الفلبينى "جوزيف إسترادا" حيث صوت الموالون له فى الكونجرس الفلبينى، لصالح تجاهل أدلة ضده، وفى أقل من ساعتين من إعلان القرار، انهال آلاف الفلبينيون الغاضبون من إمكانية إفلات رئيسهم الفاسد من العقاب، على ميدان " إيبافنيو دى لوس سانتوس"، وقد تم ترتيب الاحتجاج جزئيًا، بتوزيع رسالة نصية تقول: "ارتد الأسود واذهب إلى سدا" وخَيم الحشد حتى وصل أكثرمن مليونىﹾ شخص فى الميدان، متسببين باختناق المرور وسط مانيلا.
وكان للإعلام الجديد هيمنة واضحة، فى احتجاجات (أصحاب القمصان الحمر) فى عام2010 فى تايلاند، واستخدمت بشكل فعَّال للتنسيق وتوزيع المعلومات، على نحو أدى إلى إلحاق ضرر كبير بالحكومة التايلاندية، وتتضح قوة التحدى الذى تمتعت بها مواقع التواصل الاجتماعى فى تلك الأحداث، من وصف Mackinnon Mark صحفى يعمل لحساب The Globe and Mail،عندما قال: "كنت تحت النار و الناس من حولى يموتون، لعدم قدرتهم على الوصول إلى المستشفيات، فقمت بنشر صورة على موقع تويتر، التقطتها بجهاز البلاك بيرى الخاص بى لثلاثة مصابين أحدهم كان على وشك الموت وأصيب برصاصة فى ظهره، وخلال دقائق أعيد نشر الصورة مئات بل آلاف المرات باللغتين الإنجليزية والتايلندية، وكذلك نشرت على موقع صحيفة الجارديان وغيرها من وسائل الإعلام الدولية". وأثبتت شبكة يوتيوب فى أحداث القمصان الحمر، صحة مقولة: "إن الصورة تحكى ألف كلمة". حيث أصبحت وسيطًا مؤثرًا للمعلومات، من خلال مئات الصور التى نشرت عن الجنود وهم يطلقون النار على المتظاهرين ويضربونهم.
وفى عام 2010 شنت الحكومة الفيتنامية حملة اعتقالات واسعة، شملت كبار المدونين، وتعرض كثير منهم للضرب والإهانة. و مارست عمليات قرصنة على مواقعهم بعد اتهامهم بتهديد الأمن القومى، ونشر معلومات مناهضة للحكومة.
2- توظيف الإعلام الجديد والحركات الاجتماعية على المستوى العربى:
وعلى المستوى العربي، أدت مواقع التواصل الاجتماعى دورًا كبيرًا خلال حركات التمرد الأخيرة، للإطاحة بالأنظمة الاستبدادية، من تونس إلى القاهرة وما بعدها؛ فهذه الأدوات لاغني عنها من أجل التغيير السياسي، خاصة في الأنظمة القمعية؛ فموقع مثل فيسبوك، مكنت المستخدمين من التغلب على الخوف والصمت؛ واستطاع المستخدمون من خلالها بناء الثقة؛ وتحويل الشبكات إلى ترابط وقوة.
كما اعتمد شباب الثورتين في كل من تونس ومصر على مواقع التواصل الاجتماعى: "فيسبوك، وتوتير، ويوتيوب" في عدة أمور؛ ففي مصر استخدمت حركة شباب 6 أبريل، وحركة كفاية، والجمعية الوطنية للتغيير، ومجموعة كلنا خالد سعيد الإعلام الجديد للتعبير عن رفضهم لمخطط التوريث، الذي كان سينفذ لصالح نجل الرئيس الأسبق حسنى مبارك، واستمرار العمل بقانون الطوارئ، والذي بسببه كُبلت الحريات على مدى ثلاثين عامًا و تزوير الانتخابات البرلمانية عام 2010، التي أدت إلي زيادة الاحتقان بين أبناء الشعب المصري.
ومع تمدد واتساع رقعة الإنترنت، بدأت إرهاصات التغيير والتحولات السياسية، التى فرضها الإعلام الجديد تصل إلى الوطن العربى، لتجد بيئة مناسبة لمحاولة تطبيق نماذج التغير الديمقراطى فى شرق أوربا وشرق آسيا، ساعدها ذلك فى التراكمات التى تعانى منها، من فقر وبطالة وفساد، وانعدام الحرية السياسية والإعلامية، وفى عام 2005 استجاب نحو مليون شخص لرسالة نصية تدعوهم عبر هواتفهم المحمولة، إلى التجمع لمطالبة سوريا بإنهاء وجودها العسكرى فى لبنان، وبالفعل غادر ألف جندى سورى لبنان بعد وجود استمر 29 سنة.
كانت البداية من تونس التى بدأت فيها الاحتجاجات فى عام 2010 فى مدينة "سيدى بوزيد"، عندما أشعل محمد بوعزيزى وهو شاب يعمل بائعًا متجولًا؛ النار فى نفسه احتجاجًا على الإذلال الذى واجهه، بعد مصادرة عربته التى يستخدمها فى كسب قوت يومه. ثم انتشرت الاحتجاجات فى جميع أرجاء البلاد، وتخلص الشعب من خوفه، ورفض تقديم أى تنازلات، بعد أن فقدت السلطات التونسية السيطرة على ما حدث. وبعد أسابيع من الاحتجاجات التى تحولت فى النهاية إلى ثورة انتصرت سلطة الشعب، وغادر رئيس تونس السابق زين العابدين بن على إلى المملكة العربية السعودية.
كما حدث تحول كبير فى طرق استخدام العالم العربى للإعلام الجديد، بدا واضحًا فى الشهور الثلاثة الأولى من عام 2011، حيث جعلوها أدوات لحشد الجماهير عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وتنظيم المظاهرات المؤيدة والمعارضة للحكومات، ورافق ذلك التحول ارتفاع فى سقف المطالب، وانعدام الخطوط الحمراء التى كان الاقتراب منها ممنوعًا.
وإذا كانت ثورة تونس قد خرجت من رحم تراكمات كبيرة من الظلم والفقر والكبت والتهميش الاجتماعى والسياسى، حيث بدأت الاحتجاجات وحراك موجات التغيير، وكانت مواقع التواصل الاجتماعى حاضرة وبقوة فى ذلك الحراك، فتمكن الإعلام الجديد من تغيير الطبيعة التنافسية فى الحياة السياسية، وأتاحت فرصة إحداث التغيير لعناصر وقوى جديدة، فهى وسائل اتصال قوية وفعالة، عندما يتم تسخيرها من قبل جهات فاعلة ومستاءة من: الفساد، والقمع، والبطالة، وارتفاع الأسعار.
فى حين تجاهلت وسائل الإعلام الدولية تغطية احتجاجات الشعب التونسى، ففى أيامها الأولى انتشر توزيع الصور والفيديوهات، على نطاق واسع على الإعلام الجديد. ولم يكن الإعلام الجديد مجرد ناقل لأحداث تونس فقط وإنما تحولت بطبيعتها التفاعلية، واتساع نطاق استخدامها بين فئات الشباب إلى واحدة من المحركات الأساسية، وأسهمت بفعالية ملحوظة فى تشكيل وعى جديد من خلال حركة التأسيس السريعة والمكثفة، وربط النشطاء ببعضهم، وتنسيق حركتهم الميدانية، وإيجاد بيئة اتصالية، تغيرت فيها أنماط التواصل الاجتماعى والسياسى، وأصبح للإعلام فيها تأثير غير مسبوق.
وقد أدت مواقع التواصل الاجتماعى فى تونس، دور وكالات الأنباء التى لا تخضع للرقابة، وعملت الهواتف المحمولة و فيسبوك و تويتر و يوتيوب، على تغطية الاحتجاجات ونقلها بشكل حى، وهو ما جلب انتباه وسائل الإعلام لأصوات الشعب التونسى، وحافظ على استمرارية زخم المحتجين.
ولم تكن مصر بعيدة عما يجرى فى تونس فى جميع مراحل الأحداث، التى مر بها حتى حصول التغيير و عزل النظام، وكانت البيئة المصرية مهيئة لاستقبال شرارة الحراك والتغيير، بحكم الموقع الجغرافى والظروف السياسية، وتشابه محركات التغيير بين البلدين إلى حد كبير. فدوافع وأسباب حراك الشعب التونسى على مدار ثلاثة وعشرين يومًا من احتجاجاته، هى التى أثارت سخط الشعب المصرى، ودفعته إلى الحراك والاحتجاجات، وتحولت لثورة كبيرة، بدأت بمئات وانتهت بملايين، ورفعت صوتها وأحدثت تغييرها المنشود، ورسمت معالم مشهدها السياسى، لتبدأ مرحلة جديدة بعد ثلاثة عقود.
وأثر الإعلام الجديد، على مسيرة الاحتجاجات، حيث أتاحت حرية التعبير عن المعارضة للنظام بصوت عالٍ، وبما أن عدد الأصوات كبير وهائل بحيث لا يمكن خفضها، فإن الاحتجاجات سُمِعَت، ولفتت إليها الأنظار، فى جميع أنحاء العالم. كما سمحت بالانتشار الفورى للأخبار، كما عرض الإعلام الجديد فى أحداث25 يناير، صورًا أظهرت الشرطة المصرية، وهى تضرب المتظاهرين العُزَّل، وصورًا لرجل وامرأة فى"مدينة المحلة"نشرت على موقع صحيفة "Rassd" أوضحت لماذا خرج المتظاهرون إلى الشوارع. وإذ كانت المرأة تحمل رغيف خبز وعلم تونس، وكان الرجل يحمل أيضًا رغيفًا وإشارة فيها بالأمس تونس واليوم مصر.


تعقيب واستخلاص:
أدى الإعلام الجديد دورًا مهمًا فى الرفع من قدرات المنظمات والحركات، وبصفة عامة النشطاء، خاصة أولئك الذين تجاوزوا الأمية الرقمية، فالإعلام الجديد يعطى فرصة للأفراد والمنظمات للقيام بأنشطة متعددة كإنشاء مواقع إلكترونية ومدونات وقنوات على يوتيوب وبمبوزر والانخراط فى العمل السياسى، وذلك بسبب التكلفة المنخفضة لنشر الأخبار والأعمال وسهولة التواصل مع الرأى العام. فتقوم الحركات الاجتماعية بإنشاء مواقع إلكترونية تضم أفرادًا لديهم أهداف وأفكار مشتركة، كوسيلة لتجنب حراس البوابات الإعلامية والوصول المباشر للجمهور، قادرين بذلك على تخطى الحدود والتغلب على قيود الرقابة على المعلومات.
وتعد مواقع التواصل الاجتماعى قنوات قوية لنشر خطاب حر، حيث يستعمل المتظاهرون تلك المواقع من أجل حشد الجمهور، والضغط على السلطات والتواصل مع أعضاء الحركات وتحديد مواقع الاحتجاج ووقته.
كما مكن الإعلام الجديد الحركات الاجتماعية والمنظمات من التواصل، وإنتاج المعلومات، وتوزيعها، ونشرها بأقل تكلفة وأعلى كفاءة، مما يتيح الحصول على استجابات المتلقين ورجع الصدى، ويرجع ذلك إلى طبيعة الإعلام الجديد اللامركزية كنظام اتصالى يتم إنتاج محتواه من خلال مستخدميه؛حيث يصبح أعضاء الحركات هم منتجو إعلامهم وصحافتهم الخاصة التى تعبر عن أفكارهم، فينشرون أعمالًا لا تخضع لرقابة السلطات وحراس البوابة، وهم يسهمون من خلال توظيفهم إمكانات الإعلام الجديد بإنتاج مضمون قوى مدعم بالفيديوهات والصور فى لحظة حدوثها، واستطاعت الحركتان بناء مجتمع افتراضى يضم مواطنين يجمعهم إطار دلالى مشترك، والفصل التالى الذى يمثل الفصل الخامس بالدراسة، والذى يأتى تحت عنوان "مجتمع الدراسة" يستعرض وصف مجتمع الدراسة، والمتمثل فى صفحة حركة كفاية وموقع حركة شباب 6 أبريل للكشف عن كيفية توظيف الحركتين لإمكانات الإعلام الجديد والمواقع الإلكترونية لتحقيق الانتشار لهما ولأهدافهما وكسب قطاع عريض من الرأى العام الداعم لهما.


Other data

Title الإعلام الجديد والحركات الاجتماعية تحليل إثنوجرافي للنصوص المدونة على الموقع الرسمي لحركتي "كفاية" "شباب 6إبريل
Other Titles لإعلام الجديد والحركات الاجتماعية تحليل إثنوجرافي للنصوص المدونة على الموقع الرسمي لحركتي "كفاية" "شباب 6إبريل
Authors abdelaim, Asmaa Elbadry 
Keywords الإعلام الجديد- الحركات الاجتماعية
Issue Date 2017
Publisher أسماء البدري
Source كلية البنات جامعة عين شمس
Journal مجلة البحث العلمى فى الآداب - كلية البنات - جامعة عين شمس 
Series/Report no. ISSN2356-8321x;
Conference مجلة علمية 
Description 
كلية البنات جامعة عين شمس

Recommend this item

Similar Items from Core Recommender Database

Google ScholarTM

Check

views 168 in Shams Scholar


Items in Ain Shams Scholar are protected by copyright, with all rights reserved, unless otherwise indicated.