كافور الإخشيدي وارتقاؤه سلطة الحكم في رؤي المؤرخين بين "الإجحاف والإنصاف" (335- 357هـ/946-967م)

Abstract

شهد التاريخ على مر عصوره، وفي أغلب دوله، وزخر سجله بنماذج عدة لتجارب فريدة مميزة لعدد من الرجال الأذكياء الطموحين، رجال دفعتهم ظروف موضوعية خاصة بهم أولاً، وبمجتمعهم ثانياً، إلي ارتقاء السلطة الحاكمة، واعتلاء قمة الهرم السلطوي الحاكم، وما كان أحد يتصور، ولا حتى هذه النماذج نفسها، أن يحدث لها هذا، وأن يصل بهم الأمر إلي أن يرتقي أحد أبناء الطبقات الدنيا السلطة الحاكمة، والأمثلة على ذلك عديدة عالمياً ومحلياً: عربياً وإسلامياً، غير أننا– في دراستنا هذه- سوف نقتصر– تفصيلاً- علي ذكر مصر التي شهدت هذه الحالة، وفي أكثر من فترة عبر عصورها المختلفة، وأقصد منذ أقدم عصور تاريخها بدءً من فترة حكم الفراعنة(1)، ومروراً بالإغريق أو البطالمة(2)، ومن بعدهم الرومان(3)، وصولا إلي مصر الإسلامية، فالقارئ لتاريخ القدماء المصريين الفراعنة سيجد أكثر من نموذج لهذه الظاهرة التي نحن بصددها، وفي عصري الدخلاء- الإغريق ثم الرومان – سيجد أيضا نماذج أخرى لهذه الحالة أو الظاهرة التي نحن بصددها.

وفي العصر الإسلامي، شهدت مصر حالات عدة لهؤلاء الرجال الطموحين أبناء مجتمعهم- وظروفه الموضوعية الخاصة- وغيرالمتوقع لهم أن يصلوا للسلطة، ففي عهد الدولة الإخشيدية ظهر أبرزهم، وعلى الأرجح- أولهم- كافور الإخشيد، والذي أصبح بتجربته المتميزة في الوصول للسلطة والحكم لسنوات طوال زادت عن العشرين عاماً من(335-357هـ) نموذجا واضحا لهذه الظاهرة – صعود الطبقات الدنيا-، فالغلام الصغير الذي سبق ودخل في خدمة الإخشيد، كبر ونضج في كنف مولاه رجل السياسة القوي الفتي، ذي الطموح الجامح، والعقل الراجح، ونضج معه طموح كبير– كان أصيلا في نفسه- للسلطة، دفعه وبقوة لاغتنام الفرصة، واستثمارها، والتعامل معها، تلك التي واتته – دون تخطيط- والمتمثلة في الوصاية على الطفل الصغير- ابن الإخشيد- الوريث الشرعي للإخشيد وولي عهده، أقول اغتنم الرجل- كافور- الفرصة، واستثمرها غاية الاستثمار، وحكم مصر باسم الوصاية على الوريث الشرعي الطفل الصغير، أنوجور(4)، وغدا هو الحاكم الفعلي، واستمر في ذلك لعدة سنوات بلغت نحو الخمسة عشر