المسؤولية الجنائية عن جرائم التحكيم في مجال العقود الإدارية (دراسة مقارنة)

Abstract

غني عن البيان أن العقود الإدارية كغيرها من العقود تُرتب التزامات ما بين أطرافها، ويجب تنفيذها طبقاً للشروط المتعاقد عليها بما يتفق مع القواعد المستقرة في العقود بشكل عام، ومن أهمها مبدأ حسن النية، وبذات الوقت تحقق الكفاية التي تتطلبها الإدارة للصالح العام، ومن المتفق عليه كذلك أن العقود الإدارية لها طابعها الخاص، الذي تتميز به عن العقود في القانون الخاص، وأساس هذا الاختلاف هو احتياجات المرفق العام الذي يستهدف العقد تسييره بشكل يعطيه أفضلية على المصلحة الخاصة للمتعاقد، وبطبيعة الحال فإن ذلك قد انعكس على المراكز القانونية لطرفي العقد، مما أدى في كثير من الأحيان إلى التفاوت في هذه المراكز. فالإدارة لها مركز أسمى من مركز المتعاقد معها، ومرد ذلك ما يوكل إليها من تحقيق للنفع العام، الأمر الذي منحها كثيراً من الامتيازات، ناهيك عما تتمتع به من سلطات، كحقها في الرقابة والتوجيه أثناء تنفيذ العقد، وسلطتها في تعديله وفي فرض الجزاءات على المتعاقد معها إذا ما أخل في تنفيذ التزاماته. وتأتي السلطة الآمرة للإدارة والتي تفرضها خصوصية مهامها في تطبيق الجزاءات في العقد الإداري بمنحها امتيازات لا تكون في العقود في القانون الخاص، ومن أهمها التنفيذ المباشر لتفعيل تلك الجزاءات دون اللجوء إلى القضاء بشكل مباشر، وقد تتنوع تلك الجزاءات في العقد الإداري إلى جزاءات ذات طبيعة جنائية، وأخرى ذات طبيعة مالية ولعل تلك الجزاءات تشكل أحد أهم الضمانات لتنفيذ العقد الإداري على وجه يحقق المصلحة العامة، إلا أن ذلك قد يحمل الإدارة إلى فرضيات في الانحراف أو التعسف في استخدام سلطاتها، الأمر الذي يخرجها عن هدفها الممنوح لها في القانون، ويؤدي إلى الإخلال بأهم مرتكزات الدولة في هذا الجانب، والمستمد من سيادتها، الذي دائماً ما تتم الإشارة إليه كأحد صور تغول الإدارة في علاقاتها التعاقدية مع الأشخاص الخاصة استناداً إلى ما تتمتع به من سلطة، مما يؤدي إلى خلق خلل في التوازن بين المراكز القانونية في هذه العقود.