دلالة ألفاظ الماء في العهد القديم والقرآن الكريم وملحمة جلجامش (دراسة مقارِنة)

أحمد طه ياسين ندا المعضادي;

Abstract


ويحظى الماء عند العبرانيون بتقديس كبير من منطلق أنه أصل الوجود وأساس الطهارة وغسل الخطايا، كما أنه رمز الخلاص لبني إسرائيل، فالماء عندهم هو رمز الموت أو العقاب وكذلك رمز الحياة والطهارة. بالإضافة إلىلاستخدامات اليومية للماء يستخدم العبرانيون الماء لمقاصد رمزية أخرى كالأعياد مثل عيد المظال وفي الصوم( ).
يقوم هذا الفصل على الاهتمام بالدلالات المختلفة للفظة (מַיִם) في العهد القديم؛ وبما أن علم الدلالة في الأساس هو العلم الذي يدرس قضية المعنى( ). فسأهتم جُل الاهتمام بدلالة لفظة (מַיִם)، منفردة مع الألفاظ المصاحبة لها والتي أكسبتها دلالات جديدة. لقد وردت لفظة (מַיִם) في العهد القديم حوالي (580) مرة أغلبها وردت في الاسفار (التكوين- الخروج- اللاويين- العدد- المزامير- إشعياء- حزقيال)؛ هذا وتعددت الصيغ اللغوية التي وردت في العهد القديم مثل (מַי صيغة المفرد المضاف- و מֵימֵי صيغة المثنى المضافة ... وغيرها).

المدلول اللغوي للفظة ماء في اللغة العبرية:-
لغةً:إن الجذر اللغوي للفظة ماء في اللغة العبرية يعد جذراً لغوياً غير مستخدم وهو (מַי) ويأتي للدلالة على الماء؛ وقد ورد في العهد القديم في موضع واحد كاسم مركب لأحد أبناء داوود (אֲחוּמַי) ، أي "أخ الماء" في سفر أخبار الايام الاول (4: 2).
[וּרְאָיָהבֶן-שׁוֹבָל, הֹלִידאֶת-יַחַת, וְיַחַתהֹלִיד, אֶת-אֲחוּמַיוְאֶת-לָהַד; אֵלֶּה, מִשְׁפְּחוֹתהַצָּרְעָתִי].{وَرَآيَا بْنُ شُوبَالَ وَلَدَ يَحَثَ، وَيَحَثُ وَلَدَ أَخُو مَايَ وَلاَهَدَ. هذِهِ عَشَائِرُ الصَّرْعِيِّينَ}.
ويقابل الجذر (מַי) الجذر اللغوي (موه) في اللغة العربية( )، وفي الحبشــــية (ውሃ)( )، وفي السريانية (ܡܲܝ̈ܵܐ)( )، وفي الاشورية ((mu( )، وفي الأكاديةmamu- mu- mee) )، وفي الأوجاريتية (מַי)، وفي الآرامية(מַיָא- מַיִין)( ).
واللفظ (מַי) من الجذر اللغوي العربي (موه) العبري (מוּא) أو (מַיְא)، وتجمع على (מַיִם)، وهو اسم جمع أيضًا. وقد اشتقت اللغة العربية من الجذر (ماه) لفظة (ماع) وكذلك فعلت اللغة العبرية حيث اشتقت من لفظة (מווּא) لفظة (מוּג) بمعنى ذاب أو انصهر( ).
و(מַיִם) اسم مزدوج من الأسماء البدائية ولكن يستخدم بمعنى مفرد (مياه)، والماء مجازيًا عصر الشيء، وكنايتًا عن البول، المني، الدموع، الفيضانات، مجرى الماء... وغيرها( ).
وفي اللغة العبرية يسمون الماء (مو). قال الإمام ابن القيم: (إن موسى في اللغة العبرانية موشى) بالشين، وأصله الماء والشجر. فإنهم يقولون للماء (مو) و(شا) للشجر. موسى التقطه آل فرعون من بين الماء والشجر( ).
أما الصيغة الشائعة في اللغة العبرية هي أسم الجمع (מַיִם)، والمضاف منها (מַי)، وأقل شيوعاً لفظة (מֵימֵי)( )، والتي وردت في سفر الخروج (8: 2).
[וַיֵּטאַהֲרֹןאֶת-יָדוֹ, עַלמֵימֵימִצְרָיִם; וַתַּעַל, הַצְּפַרְדֵּעַ, וַתְּכַס, אֶת-אֶרֶץמִצְרָיִם].
{فَمَدَّ هَارُونُ يَدَهُ عَلَى مِيَاهِمِصْرَ، فَصَعِدَتِ الضَّفَادِعُ وَغَطَّتْ أَرْضَ مِصْرَ}.
ولفظة (הַמַּיְמָה) ( ) بالهاء كما في سفر الخروج (7: 15).
[לֵךְאֶל-פַּרְעֹהבַּבֹּקֶר, הִנֵּהיֹצֵאהַמַּיְמָה, וְנִצַּבְתָּלִקְרָאתוֹ, עַל-שְׂפַתהַיְאֹר; וְהַמַּטֶּהאֲשֶׁר-נֶהְפַּךְלְנָחָשׁ, תִּקַּחבְּיָדֶךָ].{اِذْهَبْ إلىفِرْعَوْنَ فِي الصَّبَاحِ. إِنَّهُ يَخْرُجُ إلىالْمَاءِ، وَقِفْ لِلِقَائِهِ عَلَى حَافَةِ النَّهْرِ. وَالْعَصَا الَّتِي تَحَوَّلَتْ حَيَّةً تَأْخُذُهَا فِي يَدِكَ}.
أصطلاحاً:-هو السائل الكائن في باطن الأرض، وفي الأنهار، الينابيع، البحار، الآبار، وما شابه ذلك. وهو أحد العناصر الأربعة التي قام عليها العالم (النار، الماء، الرياح، التراب)( ).
وقد عرفها (אבן- שושן) في معجمه بأنها المياه المتدفقة أو المنصبة التي تملأ الأنهار والمحيطات فوق الأرض والغيوم والسحب والأمطار، ثم اشتمل تعريفه على التركيب الكيميائي للماء قائلاً: "هو سائل شفاف ليس له لون ولا رائحة، مكون من ذرتينالأولىهي الهيدروجين والذرة الثانية هي الأوكسجين (H2O)، ويتجمد الماء ويتحول إلىبرودة صفر مئوي ويغلي بمائة درجة مئوية بالضغط الجوي سوية. هذا ويحتل الماء جزءاً مهماً من جسم الكائنات الحية والنباتات، كما تستعمل للشرب والأكل والاغتسال والنظافة( ).

ثالثاً/ رمزية الماء في القرآن الكريم:
تمهيد:
يعتبر الماء مادة الحياة، وسيد الشراب وخيره، وأحد أركان العالم، بل ركنهُ الأصلي. فإن السموات خُلقت من بخاره، والأرض من زبده( )، فهو أثمن الموجودات، وأغلى المفقودات، وهو مادة الحياة( ). قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ)(الأنبياء: 30). أي جعلنا الماء أصلاً لكل الأحياء وسببًا للحياة فلا يعيش دونه إنسان ولا حيوان ولا نبات. وقال القرطبي(671هـ)، في تفسيره لهذه الآية الكريمة ثلاثة تأويلات: أحدهما: أنه خلق كل شيء من الماء، الثاني: حفظ حياة كل شيء بالماء، الثالث، وجعلنا من الماء الصلب كل شيء حي( ).
والماء بكل أشكاله وأحواله، ساعد على ظهور الحياة على سطح هذا الكوكب؛ فالسحب والضباب( ) وبخار الماء لها أكبر الأثر في إيقاف الإشعاع المنعكس بامتصاصها لهُ ولو لم يكن للأرض هذا الغلاف الجوي( )، الذي يحتوي على بخار الماء لأصبحت الحياة على كوكب الأرض مستحيلة. وللماء قوانين خاصة خلقها الله تبارك وتعالى لتماسك جزئياته وغير ذلك من خصائص عجز العلماء عن الإحاطة بها؛ لذا من غير المستطاع تعريف الماء تعريفًا جامعاً لما فيه من آيات الله تعالى ما يحير العقول( ).
وتنوعت أساليب القرآن الكريم البديعة في عرض لفظة (الماء) ومتعلقاته في جميع أحواله ومسمياته وذلك من خلال: نشأته، ونزوله، وانبثاقه، ومخارجه وسيلانه، ومنافعة، وأوعيته، وأواني شربه، فكل هذا تأكيد على الأهمية العظمى للماء وأنه إكسير الحياة( ).
لقد وردت لفظة الماء في القرآن الكريم في نحو ثلاث وستين آية، وبمفاهيم مختلفة، وتحمل هذه المفاهيم في كل مرة معنى مختلفًا لا يشابه مثيله في المفهوم الآخر، حيث استدل به تعالى مرة على وحدانيته، ومرة على البعث، ومرة أخرى يخبرنا سبحانه وتعالى أنه أساس الحياة، وفي مرة أخرى أنه جند من جنوده، فإن شاء جعله آمنا، وإن شاء جعله قاصمًا، ومرة يضرب به المثل ليبين للناس حقيقة ما أنزل إليهم، ومرة أخرى يبين جل في علاه أنه أمد عباده بالماء وجعله عذبًا فراتًا، ومرة ملح أجاجاً، ومرة جعله أساس الاغتسال والتطهير.
وقد ذكر الله تعالى الماء في القرآن الكريم منكرًا (ماء) في (33) مرة. وذكره معرفًا في (16) مرة. وذكره تعالى نكرةً أكثر منه مُعَّرفَة وذلك ليدل على أن عموم جنس الماء نزل منالسماء( ).
وتنوعت دلالات لفظة الماء في القرآن الكريم حسب نوع وصفة هذه الماء وبشكل دقيق بما يؤثر في معنى الآية القرآنية وبحسب نزولها، فكانت حركةُ مفردةِ الماء تجري طبقًا لمقتضى حال السياق القرآني. وكان لكل نوع من أنواع هذه المياه طبيعته الخاصة، فنجد أن الله سبحانه وتعالى يختار للماء الدلالة للمطابقة لمقتضى الحالة التي يُريدها سبحانه، فمثلاً يستخدم الماء أحيانًا للتهويل والعقاب وأحيانًا أخري للطهارة والخير والنماء. فبعد إحصاء استخدامات الماء وجدنا ثلاثًا وعشرين نوعًا وصفة له وردت في القرآن الكريم، وأن لكل نوع دلالته التي يمتاز بها، وسوف نبحث هذه الأنواع ونميز كل نوع منها عن الأنواع الأخرى حسب دلالتها اللغوية التي جاءت بها مرتبة ترتيباً اعجمياً.


Other data

Title دلالة ألفاظ الماء في العهد القديم والقرآن الكريم وملحمة جلجامش (دراسة مقارِنة)
Authors أحمد طه ياسين ندا المعضادي
Issue Date 2017

Attached Files

File SizeFormat
J 467.pdf506.81 kBAdobe PDFView/Open
Recommend this item

Similar Items from Core Recommender Database

Google ScholarTM

Check

views 5 in Shams Scholar
downloads 2 in Shams Scholar


Items in Ain Shams Scholar are protected by copyright, with all rights reserved, unless otherwise indicated.