تطوير منهج التربية الدينية الإسلامية في المرحلة الثانوية في ضوء معايير مقترحة في جمهورية العراق

حوراء رزاق حسين;

Abstract


يرى الفلاسفة والباحثون- ومنهم أبو حامد الغزالي(الغزالي، د. ت: ص115)-أن صناعة التعليم هي أشرف الصناعات التي يستطيع الإنسان أن يحترمها، كما يرى أن أهم أغراض التربية والتعليم هي الفضيلة والتقرب إلى الله. وعلماء النفس يرون اليوم أن السلوك الإنساني مرهون بتلك الصناعة أكثر من الوراثة، وحتى كلمة البيئة أو المحيط التي نطلقها ونقول إن لها تأثيرا على السلوك الإنساني هي في الحقيقة نوع من أنواع التربية المكتسبة بقصد أو بغير قصد سواء كانت صالحة أم غير صالحة. ولهذا فقد فطنت المجتمعات الحديثة إلى أهمية التربية وأعطتها كل الاهتمام والعناية، وخصصت لها المال والجهد، وأعدت لها الخبراء والمتخصصين، وهيأت لها مراكز البحوث والدراسات، ووفرت لها جميع الإمكانيات اللازمة، لتقوم بواجبها لوضع المنهج التربوي الصحيح الذي يقوّم السلوك ويصلح الفرد والمجتمع.
وقد أدركت الأمم المتقدمة هذه الحقيقة، وأصبحت عنوان نهضتها الحضارية والتربوية، لذا فإن التربية تختلف اليوم باختلاف المجتمعات ودرجة تقدمها والظروف الاجتماعية والدينية والسياسية التي تحيط بها، وهنا لابد أن يكون كل مجتمع وكل نظام قد عرف ظروفه وحدد هدفه ورسم طريقه ليتحرك في ضوء هذه المعطيات وهذه الظروف والأهداف المطلوبة ليحقق السلوك الإنساني المطلوب.
إننا اليوم في العراق بحاجة إلى تغيير السلوك الإنساني عبر التعليم والتربية اللتين تخاطبان الضمير وتصقلان العقل وتحدثان تحولاً جذرياً في السلوك الذي كان مفروضاً على الإنسان والمجتمع والذي بدأت نتائجه تظهر بوضوح على أغلب الأشخاص وعلى تصرفاتهم الفردية والجماعية التي بات الفرد والمجتمع والدولة يعانون منها ويبحثون عن حلول نافعة للتخلص منها بما يخدم الأمة(حسن عبد الأمير يوسف: 2008،4).
إن معظم مشكلاتنا اليوم ترتبط بالسلوك البشري وبذات الإنسان، ولا يمكن حلها بواسطة التكنولوجيا الحديثة, لأننا ما نزال نعاني من مشكلات نفسية وسلوكية خلّفتها لنا السنون الماضيات، ولا يمكن حلها وإزالتها إلا عن طريق التربية أولاً والرجوع إلى الذات الإنسانية ثانياً وإذا تقوّم السلوك يمكننا أن نستعمل التكنولوجيا بصورتها الصحيحة، لأن التكنولوجيا تحتاج إلى الإنسان صاحب السلوك القويم والعقل النير الذي لا تسري العصبية إلى سلوكه وتصرفاته، ولا تؤثر العواطف في اتخاذ قراره، حتى لا يقع العلم وتقع التكنولوجيا بأيدي أناس يسيطر عليهم الهوّس والعصبية، وبالتالي تكون نتيجة استخدام التكنولوجيا نتيجة معكوسة لما نريده وما تتطلبه الحياة المستقبلية.
وهذا مرهون كله ومتوقف على التربيةتربية النفس البشرية بكل جوانبها- تربيةً إيمانية تقوم على أساس تنمية فكر الفرد وتنظيم سلوكه ووجدانه وضبط علاقاته وتنظيمها في ضوء التشريع الإسلامي، وهذا ما يدل عليه القرآن الكريم إذ يقول تعالى: والعصر (1) إن الإنسان لفي خسر (2) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر (3) (سورة العصر: 1 – 3).
لقد وضع الإسلام للتربية منهجاً متكاملاً ومتوازناً كما منح الإنسان نظام حياة كاملاً مفصلاً في القرآن والسنة إذا اتبعه الإنسان بقلب سليم وبنية صادقة استحق أن يكون خليفة الله في الأرض. ولكي يتبع الإنسان هذا النظام ويطبقه تطبيقاً صحيحاً فإنه يحتاج إلى تربية ينشأ عليها منذ طفولته في البيت وفي المجتمع الذي يعيش فيه وأن تكون هذه التربية شاملة لروحه وعقله وجميع جوانبه(عاطف السيد: 2006،ص9)، ويتحقق ذلك من خلال تربية الإنسان تربية دينية إسلامية خالصة لوجه الله تعالى.
لهذا كانت غاية التربية الإسلامية إشاعة الخشوع لله في نفوس الأفراد والرغبة في الثواب والخوف من العقاب، فيسلك الفرد طريق الهدى وينأى عن سبيل الغواية وتحقيق العبودية الخالصة لله على مستوى الفرد والجماعة والإنسانية وقيام الإنسان بمهامه المختلفة لعمارة الكون وفق منهج الله(مصطفى رسلان: 2000م: ص22). ومفهوم العبادة مفهوم شامل جامع لا يقتصر على أداء الفرائض التعبدية فحسب، بل يشمل أيضاً نشاط الإنسان كله من فكر واعتقاد وتصور وعمل مادام الإنسان يبتغي وجه الله بهذا النشاط ويلتزم فيه شريعته ومنهجه.
ومادة التربية الإسلامية هي صمام الأمن للأمة الإسلامية في حاضرها ومستقبلها، وقد عُني بها القرآن الكريم والسنة الشريفة، وبالتالي فهي جزء لا يتجزأ من عموم الشريعة السمحة. وللتربية الإسلامية دور مهم يعود على الأسرة والمجتمع بالاستقرار والسعادة. لذا يجب أن تقوم سياسة التربية الإسلامية على أسس عقائدية مستمدة من الشريعة الإسلامية مع الأخذ في الاعتبار احترام الإسلام للعقل والفكر ووقوفه مع العلم النافع وتوجيه الإنسان لتميز الكون لمصلحة البشر وتقدمه وفق منهج الله.
التعليم من أفضل الأعمال التي يؤديها الإنسان, ولا يوجد دين حث على طلب العلم ونشره بين الناس وجعله أمراً واجباً على كل مسلم ومسلمة كالدين الإسلامي. وقد جعل الإسلام للمعلم مكانة سامية ودعا إلى احترامه وتقديره،وقال رسول الله صلى الله عليه وآله "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يفعل، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في جوف الماء" (رواه أبو داود والترمذي). وللوصول إلى التعليم الحديث تأثرت المناهج الدراسية على مدى النصف الثاني من القرن الماضي بعدد من حركات الإصلاح التربوي, والتي كان آخرها حركة المعايير التربوية، والتي أخذت بها كثير من أنظمة التعليم المتقدمة مثل (الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، كندا، واستراليا)، وذلك لتطوير العملية التعليمية بجميع مدارسها(عبد اللطيف حيدر: 2004، ص17).حيث ساعدت هذه المعايير على اكتساب التلاميذ المفاهيم الدينية وتحسين اتجاهاتهم العقائدية والتي هي أساس لكل أنواع التعليم، ومن ثم كان الاتجاه إلى تحديد معايير تعليم التربيــــة الدينيــــة الإسلاميـــة التي تعد المواطن المحافظ على هويته الثقافية والمعتز بانتماءاته الوطنية وفي الوقت نفسه القادر على الانفتاح والتعامل مع ثقافة الآخر والتفاعل معها دون تعصب أو حساسية (www.teacher.net.eq \content\curricula).
الانطلاق من هذه المعايير والقياس عليها،ساعد على تحديد الوسائل والأدوات والخبرات التي تساعد ليس فقط على نجاح التلاميذ ولكن ايضا على أن يظلوا على المدى الطويل يحققون للإسلام ما أراده لأبنائه من السمو بفطرهم إلى الغاية التي رسمها الإسلام لهم، وتنشئتهم على التمسك بعقيدته ومبادئه وقيمه ومثله. وكانت مصرمن الدول العربية الرائدة في وضع المعايير القومية التي برزت منذ ثمانينيات القرن الماضي وأدت إلى مشروعات لعمل معايير في مجال تطوير المناهج، ومنها مناهج التربية الدينية الإسلامية، وعلى إثرها ظهرت بعض الدول العربية بوضع معايير جودة لمناهجها مثل دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر.
من هنا تسعى وزارة التربية والمديرية العامة للمناهج في العراق إلى تأسيس إطار علمي جديد للمواد الدراسية يحظى من خلاله المتعلم بالتقدير بوصفه متعلماً يستمتع بالتعليم، ويكتسب ويطور مهاراته واتجاهاته وقيمهويتزود بمعلومات حديثة ذات صلة بهذا التقدم التقني العالمي في بناء أسس اقتصاديات المعرفة.
إن المناهج التي نسعى إليها هي تلك التي تبني متعلماً ناجحاً مدى الحياة واثقاً من نفسه, منتجاً يشعر بالمواطنة وحب العراق, يعتز ويفتخر بمسئوليته تجاه وطنه، ولديه القدرة على الإفادة من مجموع الفرص في مرحلة ما بعد المدرسة لمزيد من التعلم والعمل، لابد أن تبنى على القيم الأساسية التي تجسد تطلعات الأمة العراقية من خلال الوحدة الوطنية والتسامح واحترام الآخر والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والتنمية المستدامة ونشر قيم النزاهة، وذلك باعتماد وتوجهات الدستور الذي أقره الشعب العراقي عام (2005م) فضلاً عن الاستراتيجية الوطنية للتعلم، فالمنهج يرتكز على دعائم ثلاث هي: الدستور العراقي والفلسفة التربوية وتوجهات الوزارة المعنية بتسيير دفة التعليم، يصاحب ذلك خلق بيئة مواتية للتعلم في اتباع تقنيات حديثة وأساليب متطورة في العملية التربوية وإشراك المتعلم في الحوار الاجتماعي والتعلم التعاوني, ومن الجدير بالذكر التأكد من أن جميع المواد المدرجة في المنهج الدراسي تحتوي على أحدث المعلومات ومتوافقة مع أفضل المعايير الدولية.
إن الإطار العام للمناهج هو وثيقة موحدة تطرح رؤية المنهج والتعليم في العراق وأن يقوم في مكنونه وأطره على الإيمان بالله، بالإضافة إلى القيم الإنسانية المتمثلة في احترام الكرامة الإنسانية للجميع والأسرة كأساس للمجتمع، وتحمي الدولة الهوية والوحدة الوطنية وقيمها المعنوية والدينية التي تعد أساسًاً للعمليات الاجتماعية والتعليمية والعلمية، ويضمن حقوق الإنسان والحريات الأساسية والتعليم المجاني للمواطنين كافة من خلال الأهداف التي اعتمدتها الفلسفة التربوية للوزارة، والتي تعد إحدى الركائز التي يقوم عليها الإطار العام للمنهج.
لقد اعتمد الإطار العام للمناهج في بيان أهدافه وطموحاته على الأسس العلمية محاولًا بإصرار تجاوز العقبات التي عطلت عملية التعليم من ضعف عملية إعداد المعلمين وعدم تدريبهم واستخدام طرائق التقويم ذات الطراز القديم وأدواته وانعدام وجود قاعدة بيانات لواضعي المنهج ومؤلفي الكتب المدرسية المحترفين وكذلك وجود بنية تحتية تعليمية ومرافق مدرسية غير مواتية لتنفيذ منهج للجودة وعدم وجود رقابة ملائمة على الجودة(وزارة التربية، المديرية العامة للمناهج: 2013م).


Other data

Title تطوير منهج التربية الدينية الإسلامية في المرحلة الثانوية في ضوء معايير مقترحة في جمهورية العراق
Other Titles The development of Islamic religious education curriculum at the Secondary stage In light of the proposed standards in the Republic of Iraq
Authors حوراء رزاق حسين
Issue Date 2016

Attached Files

File SizeFormat
G9882.pdf930.65 kBAdobe PDFView/Open
Recommend this item

Similar Items from Core Recommender Database

Google ScholarTM

Check

views 428 in Shams Scholar
downloads 181 in Shams Scholar


Items in Ain Shams Scholar are protected by copyright, with all rights reserved, unless otherwise indicated.