الفــكــر السـيـاســي عند ابن الأزرق الغرناطي (ت 896 هـ)

Abstract

انطلاقا من الطبيعية الإنسانية التي جبلت على القصور والحاجة إلى الغير ،جلبا لمصلحة ودرءا لمفسدة كان الاجتماع البشري ضرورة وأمرا حتميا ،هذا من جهة ومن جهة أخرى كان الاجتماع ضروريا لتحقيق غاية الحق من الخلق باستخلاف الانسان في الارض يعمرها بالخير والنماء ،كما يضيف الباحث أمرا آخر يجعل الاجتماع من الضرورة بمكان إذ إنه البوتقة التي يتم فيها سنة الابتلاء فيميز الله الخبيث من الطيب ومن حق عليه العذاب ومن حق له النعيم، كما أن هذا الاجتماع في الوقت نفسه تجلي من تجليات وحدانية الله سبحانه وتعالى فما كان الاجتماع إلا دليلا وغاية لأن تتجلى قيمة التوحيد في نفوس الخلق قال تعالى(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) (الذاريات: 56) هذه هي رؤية عامة شاملة لقضية الاجتماع البشري ودورها والهدف منها ولكن هل الأفراد الذين كان بهم الاجتماع البشري حاصلا يتم لهم جلب مصالحهم ودرء المفاسد عنهم وتمكينهم من عمران الأرض بمجرد اجتماعهم معا؟أم أن هذا الاجتماع له طبيعته وعوارضه وقوانينه وفلسفته التي يجب الوقوف عليها حتى يتم ذلك ، هذا ما تناوله الفكر السياسي لابن الأزرق توضيحا وتحليلا وتفسيرا ومعالجة ،فكشف لنا أن الرجل بحق يمثل حلقة ذهبية في سلسلة الفكر السياسي الإسلامي،إذ تبين فيما يبدو للباحث أنه أول مفكر سياسي إسلامي يعالج قضايا السياسة والاجتماع من خلال الجمع بين قراءتين قراءة الواقع وقوانينه واستخلاص العبرة من أحداثه وقراءة قوانين منظومة القيم إذ إنه قد خطا بالنظريات الاجتماعية السياسية لدى المسلمين، خطوات أوسع، ووصل بهذه النظريات إلى مرحلة نضج، ومزج بين نظريات ابن خلدون ونظريات أخرى سياسية إسلامية، تستند إلى اتجاه اخر يخالف اتجاه ابن خلدون السياسي البحت، وهو علم الأخلاق السياسي،. إذ استطاع ابن الأزرق أن يرسم وصفة سياسية للحاكم والمحكوم في كيفية إدارة العلاقة بينهما ،والتعريف بسنن بناء الدولة وانهيارها ،إضافة إلى كون هذه الدراسة تؤكد على الدور المحوري لمنظومة القيم في العملية السياسية ،فهي روح العمران البشري وأساس بنيانه وما إن يتم التخلي عنها وإقصائها حتى تظهر في الأفق طلائع الموت والفناء التي تحيط العمران من كل مكان، ويأتي في مقدمة هذه القيم قيمة العدل فهو مكمن القوة في كل أمة فإن قامت على العدل انتصرت وعمرت وبقيتوإن تخلت عنه ضعفت وخربت وزالت.

هذا ،وقد قام الباحث بمحاولة تضمين هذه القراءة الفكرية لابن الأزرق في رسالته التي قسمهاإلىمقدمةومدخل عام وثلاثة أبواب وخاتمة، وقائمةبينتالمصادروالمراجعالمختلفة، وكانالبابالأوللبقيةأبواب الرسالة بمثابةالروحللجسد إذ جاء بعنوان منظومة القيم والفكر السياسي لابن الأزرق ،ثم التعرف بعد ذلك على مدى مباشرة هذه الروح للبابين الاخرين وهما (العمران البشري والفكر السياسي لابن الأزرق ،والثالث بعنوان المؤسسات والفكر السياسي لابن الأزرق)،وقبل ذلك كان المدخل العام بينت فيه السياق الحضاري الذي كان له أثره الكبير على تكوين ابن الأزرق العلمي والفكري والسياسي..