دور الصلح في إنهاء الدعوى الجنائية ( دراســة مقارنة بين التشريعين المصري والليبي)

أبو بكر على محمد أبو سيف;

Abstract


لا خلاف على أن الوسيلة التقليدية التي يتولى من خلالها المشرع الجنائي أداء وظيفته هي ما يعرف بسياسة التجريم والعقاب، التي تقوم على الموازنة بين الحقوق والحريات الفردية من جهة والمصلحة العامة من جهة أخرى، وذلك بما يكفل تحقيق الحماية لكلا الجهتين بحيث لا يسمح بالمساس بالحقوق والحريات الفردية من خلال التجريم والعقاب إلا إذا اقتضى ذلك تحقيق هدف معين هو حماية المصلحة العامة أو حماية الحقوق والحريات التي من الممكن أن تكون عرضة للضرر أو الخطر، وتكون في نظر المشرع جديرة بالحماية بواسطة التجريم والعقاب، وقد أظهر الواقع العملي بالأخذ بسياسة التجريم والعقاب بصورة مجردة واستخدام المشرع الجنائي السلاح العقابي لمواجهة الكثير من الأنماط المستخدمة في السلوك الإجرامي، وعيوب هذه السياسة المتمثلة بتضخيم العقاب وتزايد أعداد القضايا الجنائية والمتطورة لدى المحاكم بشكل بات يهددها بالشلل ويجعل في تحقيق العدالة الآمنة أمراً عسيراً ويحتاج إلى أمد بعيد.
ولذا وجب البحث عن بدائل للدعوى الجنائية واتباع إجراءات جنائية مبسطة وسريعة، ويقصد بهذه السياسة هي سياسة الحد في التجريم ورفع وصف التجريم عن بعض أنواع السلوك بحيث تصبح أفعالاً وتصرفات مشروعة، وتعني هذه السياسة إخراج بعض أنواع السلوك من دائرة العقاب وإدخالها في دائرة القانون الإداري أو المدنى بحيث يتقرر لها جزاء غير جنائي سواء كان هذا الجزاء إدارياً أو مدنياً.
وتأسيساً على ما سبق نشأ ما يعرف بنظام الصلح الجنائي كأحد هذه البدائل، بهدف التخفيف عن كاهل القضاء من خلال ما يترتب عليه من انقضاء الدعوى الجنائية الناشئة عن الجريمة محل الصلح بإجراءات مبسطة وواضحة تؤدي إلى سرعة الفصل فيها بغير طريق الإجراءات الجنائية التقليدية.
وكذلك الحال فقد ظهر أثره من الناحية الاقتصادية وذلك بمساعدة المتهم بالتخفيف عليه من مصاريف ونفقات الدعوى الجنائية من ناحية، وحماية المصلحة الاقتصادية للدولة بتجنبها النفقات الباهظة التي تستغرقها إجراءات نظر الدعوى بالطرق التقليدية.
فقد أظهرت السنوات الأخيرة في دول عدة عن زيادة ضخمة ومضطردة في عدد القضايا الجنائية مما أدى إلى إرهاق القضاة، وتعقيد سير إجراءات الدعاوى الجنائية، مما أوجب على المشرع التدخل وبسرعة سعياً لتخفيف هذا العبء وأن يوضع علاج لهذه المشكلة وأن يضع نصب عينيه دفع الضرر عن سياق المحاكمات الجنائية لتحقيق عدالة ناجزة وسريعة وجلب اليسر للمحاكم وتخفيفاً عن القضاة وأن يقرب العدل لمستحقيه، فاستجاب المشرع بما هو مقرر في التشريعات المقارنة من إباحة الصلح في كثير من الجرائم فسار المشرع المصري في نفس هذه الاتجاهات وأضاف المادة 18 مكرراً "أ" و 18 مكرراً والمتعلقتين بالصلح والتصالح الجنائي إلى قانون الإجراءات الجنائية بالقانون رقم 174 لسنة 1998.
غير أن الصلح الجنائي لم يأتِ لتحقيق هذه الاعتبارات العلمية فحسب بل له غايات أخرى تقوم إلى جانب هذه الاعتبارات،تولدت عن نظام الصلح الجنائي، فقد ظهر أثره على الناحية الاجتماعية في امتصاص رد الفعل الاجتماعي، فإن التوصل إلى وقف النزاعات وتلافي استمرارها يكون له آثار أفضل على السلم الاجتماعية والعلاقات الإنسانية عموما إلى جانب أن الاتفاق الصلحي حال التوصل إليه يشكل علاجًا أسرع وأنجح من الطرق القانونية الكلاسيكية الأخرى للقضاء على الخلاف القائم بين الأطراف في النزاع.

وكون ذلك لم يف بالغرض فلم يقف المشرع عند هذا الحد بل استجاب لما هو مقرر ووسع من نطاق تطبيق الصلح وقام بتعديل المادة 18 مكرراً "أ" والخاصة بالصلح الجنائي بالقانون رقم 145 لسنة 2006م.
بينما أغفل القانون الليبي الإشارة إلى الصلح الذي يتم بين الجاني والمجني عليه وأورد ذلك في مشروع قانون العقوبات في نص المادة 90 منه، أما النوع الثاني فنص عليه في المادتين 110- 111 من قانون العقوبات الليبي.
وتنطلق أهمية دراسة هذا الموضوع في أنه إضافة هامة للقانون الجنائي، وأن ما دفعنا إلى معالجة هذا الموضوع هو اتجاه معظم التشريعات الحديثة في القانون الجنائي على الأخذ بهذا النظام، والتوسع فيه وذلك عن طريق الإكثار من عدد الجرائم التي يجوز فيها الصلح الأمر الذي ساهم في تخفيف العبء عن كاهل الجهاز القضائي وهو يتفق مع الاتجاهات الحديثة في السياسة الجنائية، ويعد بالتالي الصلح الجنائي من أهم محاور العدالة الرضائية أو التفاوضية مع تطورات عميقة طرأت على القانون الجنائي بشقيه الموضوعي والإجرائي،فمن الناحية الموضوعية لم يعد الهدف من العقوبة في قانون العقوبات مجرد تحقيق الردع في نفوس الأفراد بل أصبح إصلاح الجاني، تعويض المجني عليه الهدف الأكبر الذي يسعى قانون العقوبات إلى تحقيقه من وراء فرض العقوبة.


Other data

Title دور الصلح في إنهاء الدعوى الجنائية ( دراســة مقارنة بين التشريعين المصري والليبي)
Other Titles “The Role of Reconciliation in Ending Criminal Case”
Authors أبو بكر على محمد أبو سيف
Issue Date 2015

Attached Files

File SizeFormat
G4988.pdf1.69 MBAdobe PDFView/Open
Recommend this item

Similar Items from Core Recommender Database

Google ScholarTM

Check

views 52 in Shams Scholar
downloads 41 in Shams Scholar


Items in Ain Shams Scholar are protected by copyright, with all rights reserved, unless otherwise indicated.