"حق التظاهر السلمي في القانون الدولي مقارناً بالأنظمة القانونية الداخلية"

أحمد عبد الحميد أحمد الهندي;

Abstract


يُعد الحق في التظاهر السلمي من الحقوق الأصلية التي يستطيع الأفراد من خلالها التعبير عن آرائهم المباشرة وبشكل جماعي؛ بهدف لفت انتباه المجتمع والحكومة إلى قضايا معينة ذات اهتمام عام. ويمثل حق التظاهر السلمي –أيضًا- السبيل لممارسة مبادئ الديمقراطية التشاركية، فالديمقراطية ليست لعبة رياضية يحضرها متفرجون، ولا يمكن اختزال الديمقراطية في مجرد الحق في التصويت، إن الديمقراطية تفترض سلفًا المشاركة والنقاش وإمكان التعبير عن النفس بوسائل مختلفة، وحرية تكوين الجمعيات والتجمع السلمي شرطان أساسيان لتشكيل مجتمعات ديمقراطية.
حق التظاهر السلمي مضمون بموجب القانون الدولي والإقليمي لحقوق الإنسان، وفي الواقع تقع على عاتق الدول ثلاثة التزامات:
أ‌) الإحجام عن إرتكاب الانتهاكات، بما في ذلك الاستعمال المفرط للقوة ضد أفراد يمارسون حقهم في التجمع والتظاهر السلمي والتعبير.
ب‌) حماية الأفراد الذين يمارسون هذه الحقوق من التجاوزات التي ترتكبها الجهات الفعلية من غير الدول.
ت‌) إحقاق هذه الحقوق باتخاذ تدابير إيجابية لمنع حدوث أي انتهاك، وكفالة تمكن الجميع من ممارسة هذه الحقوق بحرية وفعالية. وعندما تحدث الانتهاكات تكون الدولة ملزمة بإجراء تحقيق شامل في هذه الأفعال وتوفير سبل انتصاف فعال للضحايا.
حق التظاهر السلمي من الحقوق اللصيقة بالإنسان، ويتصل هذا الحق بإنسانيته وجودًا أو عدمًا، ولا يمكن لأي تشريع أن يجرده منه؛ لأنه جزء من حريته الشخصية؛ وبالتالي فإن حق التظاهر السلمي حق عالمي تهتم به الجماعة الدولية كلها، ويتطلب تعاونًا كاملاً من الدول والحكومات من أجل الدفاع عنه. وبناء عليه صار هناك التزام دولي باحترام حق التظاهر السلمي. وهذا الالتزام يعد طبيعيًّا وعالميًّا بالتبعية، لا يتوقف الوفاء به على مدى ما تنص عليه القوانين الداخلية؛ لأن القول بغير ذلك يفتح الباب أمام كل دولة للتحلل من تنفيذ التزامها الدولي في هذا الشأن.
ينبغي إعطاء العناية اللازمة للحق في الحياة وحظر التعذيب والمعاملة أو العقوبات الأخرى الوحشية أو غير الإنسانية أو المهينة. إن كل حق من هذه الحقوق يعد حقًا غير منتقص، حتى أثناء حالات الطوارئ، والالتزام باحترامه يعد التزامًا قانونيًّا يستند إلى مصادر قانونية واضحة ومحددة كأصل عام في الاتفاقيات الدولية العالمية والإقليمية المتعددة، وبناء على ذلك فإننا لسنا بصدد التزام أخلاقي، وإنما بصدد التزام قانوني يترتب على تخلف الوفاء به من قبل الدولة قيام مسئوليتها الدولية، والمسئولية تكون تجاه المجتمع الدولي الذي يملك من الوسائل التي تمكنه من رقابة سلوك الدول في هذا الشأن، وذلك على الرغم من التحديات التي تواجهه إذ يمارس تلك الرقابة.
لا يحمي الحق في التظاهر السلمي إلا التجمعات السلمية. وقد رأت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان أنه من الناحية العملية، فإن النوع الوحيد من الأحداث التي لا يمكن وصفها بالتجمعات السلمية تلك التي ينوي منظموها والمشاركون فيها استخدام العنف، ويجب على المشاركين أيضًا الامتناع عن استخدام العنف (على الرغم من أن استخدام العنف من جانب عدد قليل من المشاركين لا ينبغي أن يؤدي تلقائيًّا إلى تصنيف تجمع بأنه غير سلمي). وينبغي اعتبار التجمع سلميًّا إذا كانت لدى منظميه نوايا سلمية معلنة، وينبغي أن يفترض ذلك مالم تكن هناك أدلة دامغة وواضحة بأن المنظمين أو المشاركين في هذا الحدث -أنفسهم بصفة خاصة- يعتزمون الاستخدام أو الدعوة أو التحريض على الكراهية أو التمييز أو العنصرية أو العنف الوشيك.
يقر القانون الدولي لحقوق الإنسان حق التظاهر السلمي لجميع الأشخاص، وقد شددت اللغة المستخدمة في المواثيق الدولية، على امتداد الحقوق الواردة به لجميع الموجودين على تراب أي بلد دون تمييز بسبب الأصل الوطني أو الاجتماعي. ومن ثم ينبغي النص على تمتع جميع الأشخاص بحق التظاهر السلمي، بمن فيهم عديمو الجنسية واللاجئون أو المهاجرون.
لا ينبغي أن يحتاج الأفراد الذين يسعون للتظاهر إلى الحصول على إذن للقيام بذلك، إذ إن المعايير الدولية واضحة وتشير إلى أن إجراءات الإشعار المسبق تعد متوافقة مع الحق في التظاهر السلمي إلى المدى الذي تكون فيه تلك الإجراءات تستهدف أن تسمح للدول أن تخطط بشكل مناسب لكيفية تسهيل ذلك التظاهر. لكن قواعد الإشعار يجب ألاًّ تكون مرهقة أو بيروقراطية، كما يجب ألاًّ تطول فترة الإخطار المسبق بشكل زائد عن الحاجة بحيث يفقد موضع الموكب أو المظاهرة أثره على الرأي العام. ولا تكون قصيرة جدًا بحيث لا تيسر للسلطات فرصة دراسة خط سير التظاهر وحمايته. ومن ثم فلا ينبغي أن تكون قواعد الاخطار صعبة حتى ترتقي إلى مستوى طلب الحصول على إذن أو أن تؤدي إلى الحرمان التعسفي. وينبغي أن يسمح القانون بالتظاهرات العفوية مع استثناء من شرط الإخطار، فيجب أن يسمح القانون بالحق في التظاهر العفوي؛ أي على القانون أن ينص على بعض الاستثناءات بشأن متطلبات الإشعار في الحالات التي يكون فيها الإشعار منتفيًا عمليًّا، وتعد القدرة على الرد سلميًّا وفورًا على حادثة بعينها ضرورية جدًّا في مجال حرية التجمع. كما ينبغي أن يسمح القانون بتنظيم المظاهرات المتزامنة والمضادة، مع الاعتراف بمسئولية الحكومة عن حماية تلك المظاهرات والمشاركين فيها.


Other data

Title "حق التظاهر السلمي في القانون الدولي مقارناً بالأنظمة القانونية الداخلية"
Authors أحمد عبد الحميد أحمد الهندي
Issue Date 2015

Attached Files

File SizeFormat
G8166.pdf384.9 kBAdobe PDFView/Open
Recommend this item

Similar Items from Core Recommender Database

Google ScholarTM

Check

views 33 in Shams Scholar
downloads 109 in Shams Scholar


Items in Ain Shams Scholar are protected by copyright, with all rights reserved, unless otherwise indicated.